18 ديسمبر، 2024 9:12 م

لماذا أحب محمدا ﷺ؟! (7)

لماذا أحب محمدا ﷺ؟! (7)

قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)
كنت بمعية عدد من اﻷصدقاء ونحن نتابع بإهتمام تفاصيل تأجيل التصويت على “قانون العنف اﻷسري ” تحت قبة البرلمان لوجود خلافات بشأنه لحين البت بها أو تعديل بعض فقراته للتوصل الى حل وسط يرضي جميع اﻷطراف ، وفيما كنا نطالع تفاصيل الدعوى القضائية المرفوعة ضد الدفَان – الحانوتي – ، علي العمية الكعبي ، الذي إلتقط صورة سيلفي مع جثة أحد الموتى بعد تغسيله ونشرها على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي ” فيس بوك ” بما يعد خرقا لحرمة الموتى، واذا بخبر صاعق أصابنا بمقتل يفيد بإنتحار شاب عمره 17 عاما في محافظة بابل بسبب لعبة ” بوب جي ” بحسب رواية ذويه ، واذا بخبر ماحق آخر يشير الى تسجيل 5 حالات إنتحار في محافظة ذي قار خلال 18 يوما فقط من شهر كانون الثاني / يناير 2019 وذلك بعد أيام على نشر تقرير يسجل 60 حالة انتحار في ذات المحافظة خلال عام 2018 تراوحت بين الشنق والحرق والغرق وإطلاق الرصاص ، فيما سجلت محافظة ديالى عام 2017 ما يقرب من 63 حالة انتحار أنقذ 23 من ضحاياها في اللحظات اﻷخيرة ، منها 45 حالة لنساء بمختلف اﻷعمار تراوحت أساليبها بين تناول العقاقير والحرق ، لتسجل المحافظة اياها 50 حالة إنتحار عام 2018 وفقا لمفوضية حقوق الانسان ، بينما فجر” اتحاد الرجال في كردستان” وهو من المنظمات غير الحكومية مفاجأة من العيار الثقيل حين كشف عن تسجيل 115 حالة انتحار لرجال في كردستان خلال عام 2018 معظمها في السليمانية ومن ثم اربيل فدهوك فحلبجة ، فيما قتل 5 آخرون على يد زوجاتهم أو بمساعدة أقرباء لهن على حد وصف الاتحاد !!
عالميا هناك 800 الف شخص يموتون سنويا بسبب الانتحار بمختلف الطرق وبمعدل 3 أشخاص كل دقيقتين على وفق الاحصاءات الدولية والظاهرة تتفاقم بشكل مطرد مع إنتشار وسائل التواصل والاتصال الحديثة والتي عرضت العشرات منها تفاصيل عمليات انتحار على الهواء مباشرة ، ومع إرتفاع معدلات الفقر والبطالة والكآبة واﻷمراض النفسية والتفكك اﻷسري وانتشار الافكار الالحادية واللادينية ، علاوة على إدمان وتعاطي المؤثرات العقلية كالخمور والمخدرات ، فضلا عن انتشار العاب الكترونية – شيطانية – تسببت بعشرات حالات القتل والانتحار واشهرها ” لعبة الحوت الازرق ” ، ” لعبة مريم ” ، لعبة ” جنية النار ” التي احرقت العديد من المنازل والاشخاص ، لعبة ” تحدي تشارلي ” وهذه اللعبة الاخيرة مقتبسة من قصة تلميذ مكسيكي انتحر لشدة الفقر والفاقة ، ولعبة ” البوكيمون” ولعبة ” الويجا ” لإستحضار الارواح الشريرة بزعمهم والمقتبسة من الاساطير الصينية القديمة، وصولا الى لعبة الـ ” بوب جي ” التي تتضمن كما هائلا من العنف والقتل ، مفاد الرسالة التي تريد ايصالها وتعليمها للناس هي ” هل تريد ان تنجو بنفسك؟ اقتل اكبر عدد من الناس ولو كانوا من الاصدقاء والمقربين ! ” .
وفي حرمة الانتحار قال النبي ﷺ: (مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) وقد حمل العلماء التغليظ الوارد في النص للزجر عن قتل النفس التي حرم الله تعالى ازهاقها الا بالحق .
وهناك ما يعرف بظاهرة “القتل الرحيم ” أو المساعدة في الانتحار بتوقيع المريض أو أحد أقرب المقربين اليه والتي تقرها 14 دولة حول العالم وعدد ضحاياها في المانيا لوحدها 21 الف حالة سنويا، علما ان تكلفة القتل – غير الرحيم – الواحد = 15 الف يورو ، وفي امثاله قال النبي المصطفى ﷺ (لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي) .
وبنظرة فاحصة ومتانية يتضح لنا جليا مدى الترابط الوثيق بين الحركات واﻷفكار الهدامة والثقافات الوافدة – عولميا – وبين انتشار كوارث الانتحار والقتل في العراق و العالم ، ولعل من ابرز الحركات المسممة للعقول حركة ” الرائيلية ” او ما تعرف بديانة الكائنات الفضائية والتي اسسها الصحفي الفرنسي كلود فوريلون في باريس،عام 1974 والتي تدعو الى الاباحية والمخدرات والانتحار ، وحركة ” هار كريشنا ” التي اسسها الهندي إيه سي سوامي، عام 1965 في مدينة نيويورك، وحركة ” عبدة الشيطان ، التي اسسها انتون سزاندور لافي ، عام 1966 في سان فرانسيسكو وهو القائل عن عيد الهالوين ” ” أنا سعيد بأن يسمح المسيحيون لأولادهم بعبادة الشّيطان ولو لليلة واحدة في السّنة ..أهلًا بكم في هالووين!!”، اضافة الى موجة ” الايمو ” التي ظهرت اول مرة في الثمانينيات من القرن الماضي في اوربا واميركا بالتزامن مع موسيقى الروك والهافي ميتال الصاخبتين والتي يتميز اصحابها بلباسهم الغريب وقصات الشعر الاغرب وكثرة الزينة والتاتو والبيرسينغ ،ويكثر بينهم الشذوذ والمخدرات والاكتئاب والانتحار ، ومثلهم جماعة ” الجوثيك” وهي حركة عالمية قديمة اعيد احياؤها في اوربا واميركا تميل الى الالحاد وعبادة الشيطان وتقديسه ، هناك حركة السيَنتولوجيا او العِلمولوجيا التي اسسها الكاتب الأميركي رون هوبارد، عام 1952 وافتتحت لها كنيسة تحمل الاسم ذاته وتضم بعض المشاهير والاثرياء وابرزهم جون ترافولتا وتوم كروز ، هذه الحركة الدينية الفلسفية بدأت برهان بين مؤسسها وشخص آخر حين تحدى الاول بقدرته ، على ” تكوين ثروة ضخمة قدرها مليون دولار بداية عن طريق إنشاء دين جديد ” فكانت البداية لتبدأ معها الفضائح تلو الاخرى وابرزها الابتزاز وجني الاموال وإستغلال اﻷعضاء بطرق غير مشروعة ، حركة (بوابة السماء ) التي اسسها الكاهن “مارشال هوايت” مدعيا انه من سلالة النبي عيسي عليه السلام والتي انتهت بعملية انتحار جماعي بولاية كاليفورنيا عن طريق احتساء السم والخنق بالاكياس البلاستيكية املا بالوصول الى الجنة عبر المركبات الفضائية ، وكذلك طائفة ” معبد الشعب ” التي اسسها الراهب “جيم جونز” والتي انتهت بالانتحار الجماعي لـ 918 شخصا من اتباعها بينهم عدد كبير من النساء والاطفال عن طريق تناول السم المذاب بالعصير عام 1978 في مدينة جونز تاون الاميركية ، حركة ” معبد الشمس ” التي اسست على يد “جوزيف دى مامبورو” عام 1984 في سويسرا وكندا لم تبتع كثيرا عن سابقاتها والتي انتهت بإنتحار جماعي بعد حرق المنازل الخاصة ﻷتباعها ، وذلك بإحتساء السم والشنق والرصاص بحثا عن الخلود على مرحلتين منتصف تسعينات القرن الماضي ، ولن اخوض هنا بـ” البابية ” التي تأسست على يد علي الشيرازي في ايران عام 1844وﻻ ” البهائية” التي تأسست على يد حسين علي النوري الملقب بـ ” بهاء الله” في بغداد عام 1863 ولها معابد في عدة دول اضافة الى اسرائيل حاليا ، ولا ” القاديانية” أو اﻷحمدية التي اسسها ميرزا غلام أحمد، في الهند عام 1889 مدعيا انه المسيح الموعود والمخلص !
وفيهم كلهم ومن يقلدهم في غيهم وضلالهم ويسير على نهجهم الضال المضل ولهم مئات المواقع الالكترونية والصفحات التي تنشر السم الفكري الزعاف ، يصدق قول النبي ﷺ : ” لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى يعبدوا الاوثان و انه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم انه نبي ، وانا خاتم النبيين لا نبي بعدي”.
ولقد قرن النبي الاكرم ﷺ بين انتشار الكذب والدجالين وبين استشراء القتل ولعل الانتحار احد ابشع صور القتل واسفلها كونه قتلا للنفس : “لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْكَذِبُ، وَتَتَقَارَبَ الأَسْوَاقُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ”. قِيلَ: “وَمَا الْهَرْجُ؟”. قَالَ: “الْقَتْلُ”.
وفي حديث اخر قرن النبي الاكرم ﷺ بين انتشار البخل ونقص العمل الصالح ، وبين القتل : “يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ”. قَالُوا: “وَمَا الْهَرْجُ؟”. قَالَ: “الْقَتْلُ، الْقَتْلُ”.
وفي حديث أخر قرن رسول الله ﷺ بين كثرة الزلازل وقبض العلم الشرعي بقبض كبار الدعاة والعلماء وتقارب الزمان وتعاقب الفتن التي يصبح فيها الحليم حيران اسفا ، وانتشار القتل : ( لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ ، وحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ ) وقيل في تقارب الزمان هو رفع البركة منه ، اضافة الى تقارب المسافات واختصار الوقت بما لم يخطر على قلب بشر فبضغطة زر بإمكانك الاتصال خلال ثوان معدودة بشخص آخر يقيم في كندا او استراليا – صوت وصورة – وانت في بغداد وبإمكانك في ساعتين ونصف الوصول بالطائرة الى المدينة المنورة بعد ان كانت المسافة ذاتها تقطع بأشهر عدة على ظهور الابل ، وبإمكانك متابعة مايجري في كل أنحاء العالم أولا بأول وانت تشرب القهوة داخل المنزل !!
ومن اسباب كثرة الحروب والقلاقل والفتن وما يترتب عليها من قتل ونزوج وانتحار وتهجير ودمار شامل في الشرق الاوسط هي اكتشاف واستخراج النفط ، والغاز وبقية الثروات والمعادن الطبيعية من باطن الارض ولايختلف اثنان بأن أس بلاء العراق والوطن العربي منذ عقود طويلة انما تكمن في كنوزه اﻷرضية التي دفعت القوى الاستعمارية والامبريالية للتداعي عليه من كل حدب وصوب ، ولعل هذا ما عناه النبي ﷺ بقوله : ” تقيءُ الأرضُ أفلاذَ كبدِها . أمثالَ الأسطوانِ من الذهبِ والفضةِ . فيجيء القاتلُ فيقول : في هذا قُتِلتُ . ويجيء القاطعُ فيقول : في هذا قَطعتُ رحِمي . ويجيءُ السارقُ فيقول : في هذا قُطعَتْ يدي . ثم يدَعونَهُ فلا يأخذون منه شيئًا” ، فهذا النفط – الذهب الاسود – المعبأ ببراميل والمصدر بأنابيب اسطوانية حاله حال الغاز المصاحب وغير المصاحب المنقول بأنابيب اسطوانية والمعبأ بأسطوانات معدنية تتحارب الدول ويقتتل الناس ، الدب الروسي والفيل الجمهوري بمعية الحمار الديمقراطي ، بترقب وامتداد التنين الصيني وحضور الديك الفرنسي وهيمنة التاج البريطاني كلهم هاهنا وفي عموم المنطقة ﻷجلهما اولا وقبل أي شيء آخر وفي هذا التداعي اﻷممي وأمثاله قال الرسول الاكرم ﷺ: ” يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت» ولله در القائل :
مدحوك ما بلغوا برغم ولائهم …أسوار مجدك فالدنو لمام
اودعناكم اغاتي