23 ديسمبر، 2024 4:55 م

لماذا أبتكرت أمريكا الجلبي؟

لماذا أبتكرت أمريكا الجلبي؟

بقلم: كيجون روز الخبير بالشؤون الخارجية الأمريكية ومؤلف كتاب “كيف أنتهت الحرب”
بوفاته دخل أحمد الجلبي معترك الإعلام مرة أخرى. فقد عبر منتقديه عن غضبهم لتجهيزه تقارير مفبركة عن إمتلاك العراق لأسلحة دمار شامل إلى الاستخبارات الأمريكية والتي قادت حكومة واشنطن لشن الحرب. وأعى من يدعمه إنه كان بطل معارض لم يمنح الفرصة الكافية ليحول بلده الفوضوي إلى جنة.

ولكن الفريقان فوتا القصة الحقيقة وراء الجلبي وهي إنه لم يكن السبب المباشر لحرب العراق وأقل من ذلك في قدرته على إقناع الحكومة الأمريكية في شنها. لقد كان الجلبي الحل لمشاكل الولايات المتحدة وليس الحل للعراق. ولو لم يكن هناك الجلبي لسعى داعميه لإيجاد بديل عنه لكي يقوم يؤدي المهمة لمصلحتهم.

أفترضت الولايات المتحدة مسؤوليتها عن فرض الأمن على الخليج (الفارسي) الغني بالطاقة منذ 1980. وكانت تواجه تحدي: من سيحمي البلدان الضعيفة في مجلس التعاون الخليجي من الدكتاتور القابع شمال الخليج، العراق وإيران؟ عندما غزا صدام حسين الكويت في عام 1990 أشتدت حراجة الموقف وألزمت حكومة واشنطن نفسها في دفع قواتها إلى الخليج حيث أندلعت الحرب في العام الذي تلى.

وحتى بعد أن تحررت الكويت بقيت إدارة جورج بوش الأب في مأزق في مشكلة حماية دول مجلس التعاون الخليجي من الهجمات المستقلبية. فلم يكن هناك من يرغب في دخول بغداد وقلع مخلبه ولكن لا يوجد كذلك من يرغب في إبقاء حامية أمريكية عسكرية في الخليج كتلك التي بقيت في كوريا الجنوبية.

لذا أبتكرت الإدارة الأمريكية خيار ثالث: إقناع نفسها إن أحد الرموزالعسكرية العراقية غير المعروفة سيطيح بحكم صدام بعد أن خسر الحرب وأن يحافظ على النظام وأن يكون حاكم مطلق يعتد به ويحالف دول المنطقة. ولكن هذا الرمز لم يظهر وقمع صدام حسين الإنتفاضة التي أندلعت بعد الحرب وعادت حكومة واشنطن بحقد في فرض ألتزامها على الطريقة الكورية لفرض ما سعت إليه.

ورثت إدارة كلينتون هذه السياسة وحافظت عليها لفترة ثمان سنوات أخرى. ولكن سياسية الأحتواء لم تعطي ثمارها. وكانت مكلفة وباعثة للمخاطرة ولعبت بطريقة الأنسحاب بدل من طريقة الظفر. وساهمت هذه السياسة في المعاناة الشديدة لشعب العراق. لذا حافظ الجمهوريون وبعض الديمقراطيون على صيحات إيجاد البديل، على الرغم طبعا من كونه شخص لم يتورط في جعل صدام يخسر أو العراق يخضع للأستعمار.

ودخل الجلبي بذلك ليكون الحل المعروض. مع القليل من المساعدة وعد الجلبي إن فرقته المعارضة المنفية خارج العراق يمكن لها أن تحل المعضلة. فسيبدأون عصيان مسلح مستمر ويجمعون القوى العراقية المعارضة تحت رايتهم ويتخلصون من صدام حسين وإعلان حكومة جديدة ديمقراطية ورأسمالية ومساندة لأمريكا وأسرائيل.

كان هذا العرض جيد. وفي الحقيقة، ساند المحترفون في عموم الولايات المتحدة من البيروقراطيين الأمنيين الوطنين هذا الرأي وقبلوا بأحمد الجلبي على مضض. (حيث استذكر القائد العام أنطوني زيني الذي كان رئيس الأركان في ذلك الوقت إخفاق مرفأ الخنازيرحيث وعد المنفيين “بفطيرة في السماء. سيقودونا إلى مرفأ المعيز”).

ولكن كان الجلبي ذكي. فقد أخبر منتقديه في الإدارة الأمريكية ما أرادوا أن يسمعوا: يمكنكم أن تتخلصوا وتحتووا صدام حسين من غير أن تخسروا شيء ولا جهد ولا وعود مستقبلية. وكأنهم يرون الدعاية التلفازية لم يقاوموا الداعمين الأمريكان هذا العرض.

عندما حل جورج بوش الأبن رئيساً، كان مصمم على بتر السياسات الخاصة بالشأن العراقي لأبيه وكلينتون وحشى المسؤولين رفيعي المستوى في إدارة بمن يساند الجلبي. فجائت هجمات 11 أيلول. قررت الإدارة الأمريكية التي كانت تنعق على مدى سنوات موضحة خطر العراق وبعد أن أقنعت نفسها إن الخطر يمكن أن يزال بلا أي ثمن يذكر وبسهولة أن يتولوا مهمة الأطاحة بصدام بعد أن يتفرغوا من إفغانستان.

رفض العسكريون الأمريكيون الموافقة على الخطط التي طرحها المعارضون العراقون في المنفى والتي أعتبروها المضحكة لقيادة عصيان في العراق مصرين على سلوك أقصر الطرق وهو الإحتلال المباشر. غير إنه لم يرغب لا العسكريين ولا المدنيين في حكومة واشنطن تحمل مسؤولية حكم العراق بعد الإطاحة بصدام حسين لذلك لم يكن هذا الخيار مطروح. ولكن سيتم مناقشة التفاصيل في وقت لاحق مع طرح دور خاص للجلبي.

كان الكل يعرف النتيجة: بعد ترك العراق بلا حماية، بدأ العراق بالإنحلال. شعرت إدارة واشنطن بالرعب فحسنت صورة الإحتلال عبر سلطة الإئتلاف المؤقتة مع تولي بول بريمر الثالث دفة الحكم بصفة الحاكم المؤقت أو القنصل. غير إن سياسة إدارة واشنطن المسماة إستراتيجية “الزيارة الخاطفة” مع النقص في الخطة لما بعد الحرب أدت دورها في التدمير الذي لحق الإحتلال. دخل البلد في فوضى عارمة والذي لم يتعافى منها حتى الآن.

ناهيك عن التقارير المفبركة عن اسلحة الدمار الشامل التي قدمت إلى المخابرات الأمريكية، (فإن الخطا لس خطأ الجلبي) وأنسى أحلام إن الجلبي كان جورج واشنطن بالنسبة إلى العراق. كان دور الجلبي كبائع متجول يبيع الأفكار الساحرة ليطمأن صناع السياسات الأمريكان إنهم يمكنهم السيطرة على الوضع ولا يحتاجون طرح خيارات صعبة التي تتضمها أغلب السياسات المتعلقة بالشأن الخارجي.

لم يعد الجلبي موجود ولكن الأخرين من أمثاله لا زالوا على قيد الحياة. ولسوء الحظ يولد في كل لحظة أشخاص مقيتون أنذال جدد.