23 ديسمبر، 2024 5:25 ص

للمنتظرين حقا : نفي يمنية اليمانيّ !

للمنتظرين حقا : نفي يمنية اليمانيّ !

عملية الإعداد والتهيئة المعنوية والمادية والروحية للظهور المقدس، هي من أبرز السمات التي تتسم بها الفئة المنتظِرة، وحيث لابد من تمام هذه العملية وفق سياقات عقائدية سليمة، كي تتمكن هذه الفئة من مقاومة الفتن والنجاة من مضلّاتها، والتي ستقع بكثرة عشية الظهور، فالحق والباطل والخير والشّر سيتقاتلان قتالاً شرساً، لتختتم به المسيرة القدسية والتي أبتعث من أجلها الأنبياء والرسل  .
ولابد من البحث الدقيق والحريص في  الظهور وشخصياته، لأنها وبالتأكيد ستكون محط بلاء وإبتلاء كبير عشيّة الظهور، لأن السنة الإلهية جرت ومنذ القدم على أن يبتلي الله الناس، حتى يتميز الطيب عن الخبيث، فالجنة تبحث عن من يستحقها، والنار تنادي بصوت جشع يا رب : هل من مزيد ؟، بين كل هذا وذاك، نسلط الضوء على شخصية مبهمة، ظلت حبيسة الأوراق دون أن تخرج حقيقتها للناس وبيان مظلوميتها، رغم ما كتب عنها، فتأمل ولا تغفل .
اليمانيّ الموعود هذه الشخصية المباركة والتي ستلعب دوراً مهماً وبارزاً في عصر الظهور المقدس، لم تكشف الروايات حقيقتها، ولطالما وصفتها الروايات المروية عن أهل البيت (ص) بأهدى الرايات وأنها تدعو لصاحبكم _ أي الإمام المنتظَر (ص) _ رغم وجود راية شيعية أخرى ألا وهي راية السيد الخراساني !، ويبدو إن التعتيم الذي فرضه الأئمة (ص)  عليها بسبب الموانع الأمنية والجيوسياسية، فضلاً عن هذا، فربمّا حتى لا يدعيها المنحرفين أصحاب النفوس المريضة ذوي الخلفيات اليهودية كي لا يستطيعوا أن ينالوا من الإمام (روحي لتراب مقدمه الفدا) وشيعته .
كثر الحديث عن يمنية اليماني، وحتى صار هذا الأمر من المسلّمات والبديهيات والتي راجت داخل الأوساط الشيعية، والحقيقة خلاف هذا الأمر، ولتناول هذه القضية والوقوف عليها لابد من  تصنيفها إلى أربعة أصناف كي نضع النقاط على الحروف، الصنف الأول : تناولت أكثر كتب العامة – أهل السنة – من الحديث عن يمنية اليماني ويخرج برايته من اليمن، وقد أختلفوا فيما بينهم فمنهم من قال إنه _ أي اليماني _ يقتله السفياني، وتحدثت عن يماني الأب والأبن وكليهما ملكا اليمن، وجعلته يهرب من السفياني مع الإمام المنتظَر (ص)، وسمته أيضا بالقحطاني الذي يلي  الأمور بعد موت الإمام (ص) .
قد رتّب كثير من الناس والمحللين على رواية الكاهن السجّاع سطيح، وقد بلغ الأمر إلى تشخيص أسماء محددة عليها، وهي رووية هذه الرواية بطريقين : الطريق الأول عن طريق الحافظ البرسي في كتابه (مشارق أنوار اليقين “ص 130”)، بسند غير متصل عن كعب الأحبار، وهي بدون سند، والطريق الآخر رواية إبن المناري في ( الملاحم “53 ج 10-1”)، بسنده عن الديليمي، إبن عباس الذي روى روايته بشكل “حكاية”عن سطيح الكاهن، ورواها المجلسي عن الحافظ البرسي في بحاره “51:163” ونقلها صاحبي كتاب “بشارة الإسلام في ظهور صاحب الزمان (عج)  “187”، وإلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب “2:182” .
الصنف الثاني : ما ورد على لسان أهل البيت (ص)، ولكن لا توجد رواية صحيحة يمكن الإعتماد عليها وفق المباني المعتمدة في هذا المجال، إما بسبب الرواة أو بسبب الطريق إلى كتّاب الرواية، فتوجد أربع روايات ثلاثة منها مباشرة والرابعة نصت ما صوّر بأنه اليماني بوصف ظني، الرواية الأولى والثانية رواهما الصدوق في كتابه (كمال الدين وإتمام النعمة ر1 : 327-328 ب 32 ح7 / ر2 : 331 ب 32 ح 16 ) توجد عدة إشكالات منها إن الشيخ الصدوق يرويها عن الشيخ الكليني ولكن الرواية لم ترد في كتابه الكافي الشريف .
وهناك إشكال كبير هو أن سند الرواية واهن بسبب مجهولية بعض رواته، فإسماعيل بن علي القزويني مجهول ولم يعرف في كتاب الرجال، وأيضا مجهولية علي بن إسماعيل، وإشكال يرد هنا إن عبارة (من اليمن)  وردت في بعض النسخ وليس في جميعها، مما يضع علامة إستفهام في إمكانية إقحامها من قبل بعض الشراح والنساخ والمحقيقين المتأخرين، وكما يؤكد ذلك إن جميع من نقل الرواية عن الصدوق من السابقين لم يذكر عبارة (من اليمن)، كالإربلي في كشف الغمة في معرفة الأئمة “3:33″، والطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى “2:233″، والحر العاملي في إثبات الهداة بالتصوص  والمعجات “6:402” ومصادر أخرى.
الرواية الثالثة ذُكرت في رسالة الفضل بن شاذان في الحديث الثامن عشر، (مختصر إثبات الرجعة في مجلة تراثنا العدد 15 : 216-217 تحقيق باسم الموسوي)، وهنا تساؤلات عدة وردت، أولاً : يلحظ في متنها تقديم وتأخير في ترتيب العلامات، ولا يمكن نسبة هذا التقديم للإمام الصادق (ص)، لأن بعضاً منها مخالف للصحيح من النصوص الواردة عنه وعن الأئمة (ص)، ثانياً : إن الرسالة هي بخط الحر العاملي والإشكال هنا أن هناك مجهولية الرواة الذين نقلوا عن الفضل بن شاذان، علماً إن الفرق بين الفضل والعاملي تسعة قرون !!.
امّا الرواية الرابعة ما رواه الشيخ النعماني في كتابه عن الشيخ الصدوق ( غيبة النعماني/ 277 ب14 ح60)، الإشكال هنا إنها لم ترد في كتب الشيخ الصدوق وكانت خالية تماماً منها، والإشكال الأخر في سندها حيث إنه ضعيف لأن محمد بن علي الكوفي الملقب بأبي سمينة، الذي قال عنه النجاشي في كتابه (رجال النجاشي/ 2 : 246-217 رقم 895) إنه ضعيف جدا وفاسد الاعتقاد لا يعتمد في شيء  وقد إشتهر بالكذب .
الصنف الثالث : رسالة الفضل بن شاذان ( مختصر إثبات الرجعة/ مجلة تراثنا العدد 15 : 216 ح16) يلاحظ أن متنها مضطرب بشكل كبير يتنافى ويتعارض مع مسلّمات روائية متعددة، ولم يروه أي كتاب من كتبنا المتأخرة فضلاً عن المتقدمة، وبعض إشكالات الرواية الثالثة الآنفة الذكر ترد هنا بشأن مجهولية الرواة، الصنف الرابع ما رواه الطوسي في آماليه (673 م13) وتعاني هذه الرواية ما تعاني من جهالة وإهمال، وبهذا لا حجية لمن يقول إن اليماني من اليمن  .
هذا ما تم إستعراضه بالدليل النقلي، وأمّا بالدليل العقلي فتحدثت الروايات على أن هناك تسابقا بين السفياني الملعون من جهة، اليماني الموعود والسيد الخراساني من جهة أخرى وهو ما عبر عنه بـ (كفرسي رهان)، وأفراس الرهان هنا المقصود منها هو أن المسافات الحائلة بين الطرفين متماثلة نسبياً في القرب والبعد، وفي العادة يطلق الكلام عند الإقتراب من الهدف، إذا أفترض أن اليماني سوف يخرج من اليمن، عندئذ ستكون المسافة بين صنعاء والكوفة [(2100 كم براً ) … (5000كم بحراً)] شاسعة جداً، قياسا لما بين قريقسيا والكوفة (650كم)، أو بين بغداد والكوفة (180كم)، أو دمشق والكوفة وفق الإحتمالات الإفتراضية لبدء حركة السفياني في هذا السباق، وهذا ما يؤدي إلى عدم صلاحية إطلاق كلمة سباق عليهم، وهذا ما لا يتوافق مع المثال الذي ضربه الإمام (ص)  بين اليماني والسفياني .
والسؤال الذي سيحير العقول، إن سُلم جدلاً إن اليماني يخرج من اليمن !، كيف سيجتاز الحدود اليمنية ؟ فقد سلمت الروايات على وجود حكم ناصبي معاد بين المنطقة الحائلة بين اليمن والعراق، ودليله مقتل النفس الزكية بين الركن والمقام، وإستغاثة الحكومة الناصبية بالسفياني، وخروج الإمام (عج) من مكة إلى المدينة ومن ثم رجوعه إليها، وإنتقاض  مكة وما يليها على والي الإمام (ع) ثلاث مرات .
أمّا فرضية الجسر الجوي هي الأخرى يمكن نقضها ولأسباب عدة منها؛ أولاً، لابد من وجود طائرات ضخمة متعددة لنقل الجيش ومعداته، مع الحاجة لطائرات للتزود بالوقود جواً ومطارات مساندة تدعم لوجستياً حركة النقل، وهنا إستحالة ستعيق هذا الجسر بسب خضوع الحجاز لحكومة النواصب، و السيطرة المفترضة على الأجواء من التحالف الرومي الصهيوني المساند للسفياني الملعون .
ثانياً، لابد من وجود قدرة إقتصادية وعسكرية عظمى، يمكن لها أن تنشئ مثل هذا الجسر، وثالثاً، لابد أن نرى تغييرا ديموغرافياً في داخل اليمن، بطريقة تكون فيها القاعدة اليمنية موالية لأهل البيت (ص)، هي الأغلبية والمتنفذة القادرة على إيجاد جيش عقائدي، يكون مصداقا لـ( أهدى الرايات) .
وهنا نجد إنتفاء يمنية اليماني بالدليل النقلي والعقلي، وأنه لن يخرج من اليمن، وبهذا الزوبعة التي أدت ما أدت من شخصنة الروايات، وطرح شخصيات كانت قد أسقطت عليها روايات من أجل إرواء العاطفة، ومحاولة زرع نوع من الأمل على طريق المنتظرين الممهدين للإمام (روحي لتراب مقدمه الفدا)، كادت أن تكون سببا رئيساً في ضلالة كثيرين .
فلابد من معرفة حقيقة اليماني الذي سيكون محط بلاء وإبتلاء، لإن الملتوي عليه من أهل النار وكي ننتصر له عند خروجه لمقاتلة إبن آكلة الأكباد اللعين السفياني، لأن أهل البيت (ص) أمروا شيعتهم بنصرته والقتال معه والإيمان برايته. علماً وللأمانة العلمية إني أسندت على ما طرحه المجدد في الطرح المهدوي الشيخ جلال الدين الصغير _  إمام جامع براثا _ في كتابه علامات الظهور فيما يخص بحث اليماني ( ج2/ 290-344) .