مقال للأستاذ عبد الناصر الصاحب, على صفحة موقع الأخبار بتاريخ ( 21 / 07 / 2014 ) , يحمل اشارات ذات اهمية , جعلتني ابحث بين السطور عن مغز سبقني الكاتب الى تشخيصه , ( الكاتب الرصين الوطني , يجب ان تنبع عطاءاته ومواهبه من اعماقه , حيث الضمير والوجدان والأحترام الشديد للكلمة , الأستقامة قد تنكسر تحت ضغوطات قاهرة لكنها لا تنحني امام مغريات المكارم, الأستاذ عبد الناصر , كاتب يتوسد الوطن , بيقضته واحلامه , اتابع ما يكته والتعرف عليه عبر مضمون مقالاته , متفاعلاً مع العراق منفعلاً به ومن اجله , يوقظ القاريء بجديده , لم التقيه كما لا توجد علاقة شخصية مع حضرته , لكني وبعفوية وجدت نفسي منجذباً لصداقة عناوين مقالاته , وما بين وخلف سطورها من استفزازات للوعي الكسول .
الأستاذ عبد الصاحب , كما هم بعض الأساتذة الذين اشار اليهم في مقالته , تعايشت مع افكارهم وطروحاتهم ومفرداتهم المنتقاة , من داخل مواضيعهم احس موهبتهم وسعة ودقة معلوماتهم , واتفاعل مع مواقفهم من القضايا الوطنية والأنسانية , انهم يترجمون الواقع العراقي بموضوعية وصدق الى القاريء .
عشرة اعوام من النشاط السياسي الثقافي , والرصانة في تفكيك مأزق الحالة العراقية , وما يفكر به ويعانية المواطن , نهج اعتمده بعض المثقفين الوطنيين , لا يمكن مقارنته مع الأنشائيات العمياء لمدعي اليسار , عديمي الشكل رماديي المواقف , سوى اصولية جفت مستنقعاتها وتعرت اشيائها , وكصغار الصفادع , تتزاحم لتلعق كعكة الطين على سجل المكرمات , كتل وشخصيات, بعض صحف ورقية ومواقع الكترونية , يستغفلون القاريء المكبوس من داخله , المدفون تحت ركام الأفكار والبرامج والشعارات المضللة والتواريخ الكاذبة , ليقدموا له ما يجترونه من علف القشور .
نكرر بألحاح شديد , ان المواطن العراقي ـــ المتلقي ـــ مخنوقاً من داخله ويجب تحرير ذاته ( وعيه ) , ليصبح بأستطاعته رؤية نفسه من خارجها بموضوعية ودراية وبصيرة سليمة لينصفها بأعادتها الى حيث ينبغي ان تكون عليه , يحرر عنق ارادته من حبل طائفيته ويستعيد عقله ووعيه من قبضة تعنصره القومي , وتصبح مناطقيته , اثاث جميلة لذاكرة المدن والريف العراقي اينما كان , يتنفس الوطنية من اعماق رئة عراقيته , ليعرف اهمية وحدة الأنتماء والولاء ـــ توحده مع ذاته ومحيطه الوطني ـــ لتعود العافية كاملة للذات العراقية المشتركة .
عندما يدرك العراقي ماهيته … جذوره … تاريخ حضاراته وعظمة انجازاته , واهمية وحدة ترابه وقرابة الدم والمصير بين مكوناته وازدهار مستقبله من داخل اطار الشراكة والعدالة في توزيع ثرواته الوطنية , هنا سوف لن يكون امام دعاة التقسيم ثغرة , او للتبعية والعمالة ثمة مبرر , او حاجة للأنانية والأنغلاق الطائفي العرقي , وتصبح الخيانة مثلمة ــ عار ــ تسبب العزلة والمذلة والأنكسار , بعكسه , تصبح ثقافة التعايش السلمي والتوحد الطوعي , رغبة مغموسة بالوعي والعفوية , الصدق ونقاء الأخوة والمحبة وروح التسامح تقاليد حميدة تتحلى بها المكونات والأفراد , وتمتد جذورها وتترسخ في اعماق ضمير ووجدان الأمة .
في هذه الحالة سيتجاوز العراقيون محنتهم , وتصبح قوانين واعراف التحاصص والتوافقات وشراكة التجزءة وشهوة الأنفصالات , امور فقدت معانيها وازمنتها , كعهر تاريخي وضع في احضان الأمة لقطاء التبعية والخيانات الرسمية , وسيكون العراق مغتسلاً من كيانات الردة وزنابير الفرهود الشامل , عراق سوف لن نجد في شؤونه اصبع للتدخل او اثر لأقدام الغزات .
سيحصل كل هذا بالتأكيد ويشرق العراق , فقط عندما يتحرر شعبه من عبوديته الذاتية ويخرج من مكابس طائفيته وقوميته وقعر الخراب التاريخي لدولته , صحيح ان الأمر ليس سهلاً , ولا هو امنيات عابرة او هزيمة مريحة للأمام , انه الذات العراقية تضمد جرحها فينا , لترفع اصبعها واثقة بوجه مغول الردة داخليين وخارجيين .
الهزيمة التي نعانيها , سياسية ثقافية روحية , حصلت بعد كارثة تفريغ جسد الأمة من دماء الوطنية العراقية, واصبحنا هياكل لا تشبهنا , اكلت عافيتها ديدان الجوار والعالم المتصهين والشلل الطائفي العرقي , الذي انهك فينا العقل والوعي والذاكرة , سلفيي يسار السياسة والثقافة , يهرسون فينا الأرادة والمباديء والقيم والحنين الى الذات , تسللوا من رحم عقود التدجين , يتصدروا الآن النوبات الأسوأ في التراجع , عبر مقالات وبحوث انشائية واعلام مشحون بالأكاذيب والتشويهات واشاعات التصقيط , قطعان تجاوزها الطلب , فعوضوا بآخر مخزوناتهم في خذلان الشعب والوطن , مقابل حفنة دولارات واسترخاء في فنادق الخيانات الوطنية , انهم ينزفون قيحهم الأسود في شرايين الوعي العراقي , انهم يخونون مع سبق الأصرار .