لعل من نعم الرحمن على العراق أن كثر فيه الحكماء، وقل فيه السفهاء، بيد أن الأحتكام الى الصواب يؤخذ من أفواه المجانين، ويركن أصحاء العقول جانباً، هذا ما ورثناه من سلطة عشوائية، حكمت العراق خمس وثلاثون سنة.
التعامل مع الأحداث بتعسفية، وفق نظرية “أن لم تكن معي فأنت عدوي” موروث عفلقي لبعث العرب الأشتراكي، فصار السنة والشيعة دينان، لا مذهبان، وأصبح الكورد، يراودون الشيعة عن أنفسهم، وصوروا أنهم شيطان أمرد.
الشيطان الأمرد بعين البعث، هو سلاح الشيعة لتولي دفة الحكم في العراق، فتحالف الشيعة مع الكورد، يضمن لهم الأغلبية المريحة داخل البرلمان، وحاشا للكورد أن يخدموا أحد دون ثمن، والشيعة مجبرون أن يدفعوا ضريبة حكمهم لعراق.
الأتفاق الأولي بين الحكومة المركزية والأقليم، لتصفير الأزمات النفطية بينهما، هو ثمن يدفعه الشيعة، لضمان بقائهم على دفة الحكم أبد الدهر.
حكومة الأمس كان الأقليم يستلم منها 17% من الموازنة العامة للعراق، وعند السؤال ما هو المقابل؟ تجد الجواب بلا مقابل، ” خاوة” حكومة اليوم تؤخذ من الأقليم 150 الف برميل نفط يومياً، أضافة الى تسليم نفط كركوك بالكامل، أي ما يقارب 600 الف برميل نفط يومياً، مقابل 500 مليون دولار.
حكومة اليوم، أجبرت الأقليم على ربط الأنابيب النفطية التي دمرها الأرهاب في كركوك، وأدت الى أيقاف كركوك عن أنتاج نفطها، ربطها بأنابيب الأقليم، وتسليم ما تنتجه كركوك بالكامل لحكومة المركز.
حكومة الأمس منحت الأقليم مبلغ 120 مليار دولار مقابل أن يسلم الكورد للمركز 100 الف برميل يوماً، وذاك ثمن قبول التحالف الكوردستاني بتجديد ولاية ثالثة، و قبل الطرفان بالعرض لكن أزمة الثقة بين حكومة كوردستان، وحكومة الأمس، جعلت عامل التخوين يحول دون التنفيذ.
حكومة الأمس كانت تحتكر الصلاحيات، وفق مفهوم المركزية، وذاك جعل من 17% هبة الأقليم يصور كوردستان في اوج تقدمها العمراني والأقتصادي، وجعل 83 % استحقاق باقي محافظات العراق، غير المنتظمة بأقليم، خربة لا نضير لها، أيام الجاهلية.
حكومة اليوم عليها أن تنمح المحافظات غير المنتظمة بأقليم صلاحيات تامة، وفق قانون 21 لسنة 2008المعدل، وعلى مجلس النواب العراقي، حسم النزاع والتصويت على قانون النفط والغاز، ولهذين الخطوتين، شأن كبير بأستعادة الثقة المتبادلة بين المواطن وخادمه.