كل القوى السياسية الوطنية العراقية راهنت ومنذ اللحظة الأولى لاختيارها طريق النضال وبكل تفرعاته للوقوف بوجه السلطة المستبدة. وصممت على إسقاطها وإن كلفتها تضحيات جساما، وكان لها ما أرادت، وزادها عزيمة وإرادة التفاف جماهيرها حولها- راهنت وأصرّت على نجاح العملية السياسية في بناء عراق ديمقراطي. وتجسد هذا الرهان عندما تماسكت هذه القوى ومدت الجسور بين بعضها والبعض الآخر في ظرف مشحون بالتوتر والإنفجار حيث تبلور النموذج السياسي الذي ينبغي ان يحكم المعادلة السياسية والإدارية في بلد ضربته الأنظمة الشمولية عدة عقود سود. وأفقدته أبسط ملامح الديمقراطية وأنست شعبه الحرية بكل ما لها من مفردات ومناخات لا سيما خلال فترة المد الصدّامي الجائر الذي تفرّد عن كل الدكتاتوريات في العالم بنمطه المتوحش الذي لا يمت للسياسة بصلة ولا يتقن غير أساليب القتل والإبادة الجماعية وتصفيات الخصوم حتى وإن كانوا ضمن حزبه الذي تهاوى وانكمش في منظمة سرية ضربت البلد وعاثت في شعبه فساداً. فأمام هذا الطوفان المدمر، وهذه الهجمة الشرسة التي أعادت العراق الى القرون الوسطى كان لا بد من وجود قوى قادرة على التصدي لكل الإرهاصات التي لا بد ان تتمخض عن سقوط السلطة الصدامية التي نزت على الحكم وتسلطت على رقاب العراقيين في هفوة من هفوات الزمان.ولا بد ان تحل محلها دولة الحرية والديمقراطية والدستور التي تليق ببلد ثري بكل مقومات الحضارة، وبشعب عريق معطاء. وهكذا سارت عملية التغيير بخطوات ثابتة وثابة متحدية، فحققت عدة تجارب إنتخابية كانت محط إعجاب العالم وذهول القوى المعادية من حيث النتائج والتنظيم وقصر الفترة الزمنية، حيث أسقط في يد القوى المعادية للتجربة الريادية الجديدة والتي لم تستطع إستيعاب الواقع وتقدير حجم هذه المتغيرات وبهذه السرعة فرأت فيها شعاعاً أعمى بصرها وبصيرتها التي اعتادت الظلام الذي يصاحب كل مراحل حياتها.فمن الطبيعي ان نرى تكالب قوى الشر في الداخل والخارج مسعورة للاطاحة بتجربة العراقيين الديمقراطية الرائدة والتي رسخت رغم طوفانهم الاهوج .كنا نتصور ان يكون الزمن كفيلا بعودة المغرر بهم عن غيهم ..وان يرعوي الذين تضررت مصالحهم ويعودوا لرشدهم وان يضعوا مصلحة العراق ووجوده فوق المصالح الفئوية والشخصية لكن الامر ابعد مما نرى فان القوم على استعداد لبيع العراق بمن فيه ثأرا لامتيازاتهم وانتقاما لملك مضاع .