حينما كنتُ في الصف الثاني المتوسط عام 1972 كان مدرس التاريخ يتخطى خطوات بطيئة داخل الصف بعد أن إنتهى من شرح مادة التاريخ المخصصة لتلك الحصة وطلب منا جميعاً أن نلتزم الصمت لحين إعلان إنتهاء الزمن المقرر ونخرج من الصف. كان صفنا يطل على ساحة كرة القدم الخارجية حيث كان طلاب الصف الآخر يمارسون لعبة كرة القدم فيما بينهم بمراقبة مدرس الرياضة . كان هناك سؤال يدور في ذهني حاولت أن أطرحهُ على المدرس بَيْدَ أنني كنتُ أخشى أن يتعصب ويصرخ بي لألتزم الصمت لأنه كان غارق في تفكير عميق وهو يتخطى مطرقاً برأسهِ نحو الأرض. كان بقية التلاميذ يراقبون صرخات لاعبي كرة القدم من خلال النوافذ المفتوحة على مصراعيها
لملمتُ شجاعتي المبعثرة ورفعتُ يدي وأنا لاأعرف ماذا ستكون النتيجة. أشار لي ألأستاذ – عبد الرزاق برأسهِ كأنه يطلب مني أن أوجه له سؤالي العبقري . ” أستاذ مامعنى عبارة – عصر اللامبالاة – نظر نحوي باستهزاء وواصل خطواتِه دون أن يعيرني أدنى إهتمام . ظلت تلك النظرات المرعبة تسبح في ذاكرتي سنوات وبقيت صورة المدرس البشعة تلاحقني مادمتُ حيا. كرهتُ درس التاريخ وأقسمتُ مع نفسي أنني لن أدخل قسم التاريخ مع العلم أن شقيقي كان مدرساً للتاريخ وكنتُ أتمنى أن أصبح مثلهُ يوما ما. في الأسبوع التالي لم أهتم لدرسه وكنت أنظر الى الساحة الخارجية وهو يشرح درسه لذلك اليوم ، وكأنني أروم إيصال رسالتي بأنني لم أعد أهتم له ولدرسهِ الممل. حينما تكرر الأمر معي تقدم نحوي وقال ” أنت الآن تعيش حالة من اللامبالاة تجاه الدرس وهذا هو جوابي لسؤالك ” .
كنتُ قد قرأتُ هذا العنوان على رواية – مغامرات كارلا – حيث كان هناك عنوان آخر للرواية إسمه – عصر اللامبالاة – وحاولت أن أربط سبب وضع عنوان آخر الى جانب العنوان الأصلي .
وأنا في الصف الرابع من كلية الآداب – قسم اللغة الأنكليزية سمعت مناقشة أطروحة الأستاذ رزاق من المذياع عند منتصف الليل وتابعت النقاش بكل إنتباه . في النهاية قال الدكتور المسؤول عن المناقشة ” لم تـــــوفق في هذه المرة وعليـــــــك إعادة الأطروحة من جديد “.
فرحتُ جداً وكأن القدر أنتقم لي من ذلك المدرس ونمت في تلك الليلة وكأنني حققت انتصارا كبيرا.
لا أعرف بعد كل هذه السنوات لماذا حطت على ذهني عبارة – عصر اللامبالاة – ورحت أكتب عنها من جديد ربما لأنني أتذكر كل يوم لا بل كل لحظة عدم مبالاة الحكومة لألام الشعب وبالذات أمس حينما شاهدت الجرارات تهدم بعض المحلات في شارع 60 في الدورة وراحت المسؤولة السيدة – ذات الشعر الأشقر توجه تحذيرات لأصحاب المحلات في سوق الجمعية بحتمية إزالة كل التجاوزات بعد يومين وإلا فأن الجرارات ستزيل كل شيء. كانت هناك عجوز تبكي وتقول بأنها لاتملك إلا تلك البسطية التي تعتاش عليها وراح الشاب الآخر يحدث نفسه بصوتٍ مرتفع ” أين سأذهب ؟ وأين سأضع خضرواتي ؟ لا زالتُ مطلوبا ..كيف سأسدد ديني …لا أحد يهتم للفقراء حسبي الله ونعم الوكيل” . أنا لستُ ضد إعادة شكل الشارع القديم ولست ضد أمانة بغداد ولكن متى ستعود الحياة الى حالتها الطبيعية ومتى يترفه الفرد العراقي ونحن نملك كل هذا الكم الهائل من النفط مجرد سؤال من حقي أن أسال لأنني إنسان.