23 ديسمبر، 2024 5:41 ص

للإقليم الشيعي (غفور رحيم).. ومع الإقليم السني (شديد العقاب)!!

للإقليم الشيعي (غفور رحيم).. ومع الإقليم السني (شديد العقاب)!!

وفقا للمعادلة السياسية التي تحكم العراق بعد الإحتلال الأمريكي فإن من حق الشيعي (كمواطن فوق القانون) أن يطالب بإقامة إقليم البصرة أو الوسط والجنوب، وأن يطالب بحقوقه في ثروات محافظاته كاملة غير منقوصة، أما المواطن السني (الواقع تحت القانون) فإن من حقه أن يتنفس ويأكل ويتزوج ويمشي في الأسواق، شرط ألا يقترب من السياسة أو يطالب بأي حق من حقوقه لأنه حكم في الماضي كثيرا وآن له يستريح قليلا، وإلا فإن المادة (4 إرهاب) بانتظاره والسجون ترحب به!! هذا هو واقع الحال في (العراق الجديد) الإيرانو-أمريكي.

في عام 2005 وعند احتدام الإحتراب الطائفي في العراق، طرح زعيم المجلس الإسلامي الأعلى الراحل عبد العزيز الحكيم قضية إقامة إقليم فيدرالي خاص بمحافظات الوسط والجنوب، على اعتبار أن الجنوب يزخر بالثروات المنهوبة من المركز –حسب زعمه- وأنه قد آن الأوان لأهل الجنوب أن ينعموا بنفطهم وثرواتهم، وأن ينأوا بأنفسهم عن الصراع الطائفي القائم في بغداد والمحافظات الغربية، لكن أكثر من عارضوا دعواه حينذاك هم أهل السنة الحادبون على وحدة العراق، حين تصوروا أن مثل هذا الإقليم قد يعرض وحدة البلاد للتمزق والتشرذم، كما أن باقي القوى الشيعية كالدعوة والتيار الصدري قد عارضوا الفكرة لأنهم يرون أن معركتهم الرئيسية هي في بغداد، وكذلك خوفا من استئثار المجلس بثروات البصرة والجنوب، لكن الفكرة فقدت بريقها بعد الاستقرار النسبي للأوضاع وأصبحت في ذمة الماضي حتى في الخطاب السياسي للمجلس الأعلى، وحين رفضت الأحزاب الشيعية الإقليم في ذلك الوقت؛ لم يتهم أحد الحكيم ومجلسه بالطائفية، أو أنه يسعى لتمزيق العراق ووضعه تحت هيمنة إيران، بل تعاملوا مع الفكرة على أنها اجتهاد سياسي قابل للأخذ والرد وفق قاعدة قياس المصالح والمفاسد، ولم نسمع حينها اتهاما للحكيم بأنه ينفذ أجندات دول مجاورة أو أنه يريد الإنفصال عن العراق.

لكن نفس هذه الوجوه قد ثارت ثائرتها وأرغت وأزبدت في الفضائيات وباقي وسائل الإعلام، حين رفعت بعض لافتات الحراك الشعبي في المحافظات الست المنتفضة تطالب بإعلان إقليم سني ضمن إطار الدولة العراقية الموحدة، وكأن السنة مواطنون من الدرجة العشرة لا يحق لهم ما يحق لمن يفوقونهم في المواطنة، إن ظاهرة (السنة فوبيا) تكاد تكون سمة ملازمة للسياسة العراقية منذ الإحتلال الأمريكي، فالنخب الشيعية تعتبر أصغر جندي سني حتى في الجيش الحالى هو مشروع إنقلاب عسكري في المستقبل، لذا فإنهم يضعون العراقيل أمام مشروع قانون الحرس الوطني وتسليح العشائر، كما أن السنة من وجهة نظرهم إذا ما أعلن إقليمهم فإنهم سرعان ما سيهاجموا بغداد، ويسقطون (الحكم الشيعي)، و(يمنعون الزيارة والتطبير)، و(يطردون الشيعة من بغداد) كما تصوّر لهم ذلك فضائياتهم ووسائل إعلامهم الأخرى، هكذا تختزل المطالب السنية ويتعامل معها شيعيا، كمطالب طائفية ذات نفس بعثي وهابي إرهابي!!.

واليوم يعود الحديث عن الفيدرالية والأقلمة في المجالس الخاصة والعامة، خاصة وأنها طرحت كاستحقاق شرعي لإسقاط نوري المالكي، وكثمن للحرب السنية ضد (داعش)، كي لا تكون حربا بالنيابة كتجربة (الصحوات) المريرة، إلا أن نفس القاعدة تبقى سارية في هذا الملف، فمن حق حنان الفتلاوي التي انشقت عن ائتلاف دولة القانون أن تجري استفتاءا في صفحتها حول إقامة الإقليم الجنوبي، وليس من حق أثيل النجيفي الدعوة لذلك، ومن حق تجمعات شبابية وسياسية أن تقيم مؤتمرات صحفية للدعوة إلى ما يسمى بإقليم (سومر)، الممتد حسب المخطط له من سامراء إلى البصرة بما يعنيه ذلك من حرب تصفية ديموغرافية شاملة في بغداد ومحيطها السني، وسامراء الخالية من أي شيعي (باستثناء الجيش والمليشيات)، ورغم هذا فإن هذه الدعوة تندرج ضمن (الدستور) و(القانون)، أما دعاة الإقليم في المحافظات الغربية فهم (دواعش) ولا يحق لهم ذلك!!.

 يدرك العقلاء اليوم أن تحويل العراق إلى أقاليم مرتبطة بالمركز قد يكون مفتاحا لحل معظم المشاكل السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية التي يعانيها البلد، وبعيدا عن بروباغاندا المعارضين (وكل له حساباته) فإن الأقلمة ليست إنفصالا أبدا، بل قد تكون دافعا لمزيد من الوحدة والتكامل، خاصة حين ترفع المظالم التي كانت ترتكب باسم المركز والمذهب أو (سيادة القانون).

  وإذا كان العراقيون يريدون فتح صفحة جديدة في العلاقات فيما بينهم ويسيروا نحو مصالحة حقيقية فإن إقرار وتفعيل النظام الفيدرالي اللامركزي على أساس إداري سيسهم في ذلك كثيرا، لا سيما إن صاحبها إعمار وتنمية واستقرار أمني، بعد أن يمسك أبناء كل محافظة ملفهم الأمني بيدهم. لقد كانت تجربة (الصحوات) على مآلاتها المريرة تجربة ناجحة في وقتها؛ حين تولى أبناء المحافظات السنية فرض الأمن في مناطقهم، لتستقر الأوضاع وينتهي القتل في الشوارع، إلا أن دكتاتورية المركز وتدخله في كل صغيرة وكبيرة، وروح الثأر والانتقام لدى المالكي وحاشيته، و(السنة فوبيا) كلها ساهمت في إفشال هذه التجربة وإفساح المجال لعودة الإقتتال والاحتراب إلى الشوارع، فلماذا تصر الطبقة السياسية الحاكمة على إعادة إنتاج أخطائها، وأقصد بها هنا الرافضين لحلول حقيقية وجذرية.. أيها القوم: أليس منكم رجل رشيد؟!.