23 ديسمبر، 2024 4:34 ص

للإرهاب والالحاد نهاية واحده !!

للإرهاب والالحاد نهاية واحده !!

لا تختلف المغالطات التي يصر بعض حملة القلم من البنيويين الجدد ودعاة الاستنارة في تسويقها من حيث الجوهر عن الرفض والانكار في الجاهلية الاولى في العبث المحموم مع المفاهيم , ومحاولة معاملة النص الديني على انه عمل بشري ممكن التجاوز عليه او السخرية منه. النص الديني نزل في محيط لغوي ثري لا تغيب عنه عيوبه. ولم تنقص قريش النوايا ولا تعارض المصالح في تسقيطه وهدم بناءه الروحي، ولكن هذا المحيط نفسه كان سببا” في استهلاك الكم المقدس في وضع النص في زوايا غاية في القسوة تجعله عرضة لكل هذا السجال والمناورة.
أن سوء ادارة الخطاب الديني عبر التاريخ جعل النقد الموجه للفهم البشري للنص ينعكس على النص المقدس نفسه، بالإضافة الى ان تحول رجل الدين الى ناطق حصري باسم الحقيقة المطلقة وبالتالي اكساء دعواته الانيه بقدسيه تجعل اي تشكيك بإيجابية الخطاب الديني يتحمل النص جريمة الطعن فيه او عبئ نقص الحدود المعقولة في بنائه.

الدين هو مجموعه من الرموز والتي يعلو بعضها فوق النقد ونصل العقول في القطع والتشكيك، وتحمل صفات استثنائية من التعظيم لله سبحانه وتجلي الكمال المطلق في ذاته المقدسة. والقداسة قد تكون في النص (الكتب السماوية) والمكان (الكعبة، الكنيسة) او اشخاص (اهل بيت النبي، الحواريين) والشعائر (الصلاة والصيام) وغيرها.
تضفي جميع الديانات على نصوصها المقدسة صفة الأزلية والهية التنزيل وقصدية الخلاص الإلهي للإنسان من عذابات الحياة والتكفير، حتى ان بعض الديانات الأرضية لم يتوقف مؤيدوها ابدا” عن محاول ربط وصلة القداسة بينهم وبين بالسماء بطريقة غريبه كتحول الرموز البشرية الى الهه حيه تنتظرهم في السماء بشتى أنواع الملذات والغفران عن ذنوبهم.

النص الاسلامي له قدسيتين في ان واحد الاولى قدسية القراءات (الشكل)، والقدسية الثانية هي المفهوم والمضمون السماوي.  من خلال التتبع البسيط لأغلب الحوارات التلفزيونية والإعلامية وحتى في الفيسبوك تجد ان الدعاة ومعارضيهم ينحصرون في ثلاث اطراف، فمنهم من يرى ان النص الديني له فقط قدسية المفهوم , ومن يرى ان القدسية لابد ان تشمل الشكل والمضمون بلا مساس بهما, أما الطرف الثالث لا يعبأ بكليهما ويظن انها مجرد اخبار او عقائد ارضيه سببت الخراب والدمار ولابد من الانقلاب عليها.

اصبح الاختلاف واضحا” بين العنصر الروحي للدين والخطاب الديني  الذي هو الفهم البشري للنص المقدس وهو فهم متغير مع الزمن، أذا” يمكن القول انه من السهل ان نقبل ان ثبات المقدس في النص شكلا” لا غبار عليه ولكن المضمون ( التأويل ) يجب ان يتناغم مع المعطيات الاجتماعية والتاريخية, وهو  ليس ثابتا” لان الدلالات اللغوية تأخذ تطبيقا” وفهما اجتماعيا” مختلف تماما” نتيجة اختلاف العادات وطبائع البشر, وهذا يعني بان اختلاف المضامين التشريعية من زمن الى اخر لا يقدح في قدسيته الدين بل  ربما يعزز الهية التنزيل وحكمة المُنَزِل في ترك أمور بعينها تخضع لحوار العقل والتاريخ.

رجل الدين المسلم بعد الصدمة الحضارية باحتلال نابليون لمصر مارس نكوصا” غريبا”، حيث لم يستطع ان يستوعب الواقع الجديد من خلال محددات الإسلام التي ورثها والتي كانت تعزز الفرادة في الوجود والعنصرية المغرقة في التميز والقرب من الحقيقة المطلقة، فحاول الهروب من الواقع، اللغز، فكانت صعوبة المواجه والتكيف من العنف أخرجت حواسه الناقدة خارج التأريخ من حيث المناورة والارتجال, فلم يجد امامه بعد الشلل المعرفي التام سوى العودة الى الماضي لأنه  سيعفيه من حيرة التكيف مع الواقع الذي لم يجد له ما يفسره في النص ولا المورثات التي كانت تتكلم عن واقع سكوني غير متطور تتكرر الأشياء والتجارب فيه في كل جيل.
 تم استنساخ الرؤية التي انطبعت في وعي رواد المصريين الأوائل في اغلب الدول العربية في بداية القرن العشرين ولحد استقلال الدول العربية في الستينات والسبعينيات، فانتقلت الغرائب وطرائف الحوار بين العقل الكهفي ومقتنيات الحضارة التي ابتدأت بمعدات نابليون ولم تتوقف الى الان، الى اغلب الدول العربية, حيث وقع رجل الدين المسلم في ثنائية الولاء لله والواقع المتغير, الذي لم يكتب الله عنه شيء في التاريخ الذي ورثه, فمثلا” حرم رجل الدين العراقي صعود القطار واستخدام الراديو والتلفزيون وكل معطيات الحضارة, وعندما هزمه الواقع أخذ يتنازل عن فتاواه ببطيء  مذل شفعته هيبة التاريخ في عيون العرب.

و عندما بلغت الامور ما بلغت من التحام حالة التغيير وتهديد وقار حاملي النصوص في مكانتهم الاجتماعية ,تحولت حالة النكوص من حاله عرضيه لرجل الدين الى شعور جماعي بالعودة الى الماضي بعد تبلور  النبوغ العربي في صياغة أيديولوجيات بديله تعفي المتدينين من المواجهة الساخنة مع الأسئلة الوجودية ,  ولكن في هذه الصيرورة تحول النص الديني المُؤَول الى مصدر انبعاث لكل سلوك غارق في السريالية والفنتازيا, فأصبحت جبال تورا بورا  وحلب تزاحم مكانة مكة في  أهميتها في الفتح الإسلامي.

 تزايد الشعور بالانتماء الكامل لحالة الهذيان بحيث عدلت الشحنات الإيمانية سلوك مجتمعات بكاملها وتحولت بقعل الاعلام المجنون الى تبدلات هيكليه مدهشه في العراق الى درجة ان المواطنين في المناطق الساخنة يرتدون الملابس الأفغانية وكأنها كوفية فلسطينية او طاقية تشي غيفارا في قيمتها الرمزية، ويزداد العجب عندما تمس هذه التغيرات ثوابت أخلاقية لم تتغير عبر الاف السنين فيما يتعلق بتزويج الغرباء او السماح لهم في المبيت بين عوائل المدنيين والتي كانت قبل 2003 كانت تعتبر من المحرمات.

تغَلغلْ الالحاد في المجتمع لا يقل خطورة عن سرطان الحركات الإرهابية، خاصة إذا كان مصحوبا” بعقل تسويقي ماهر من خلال الصورة والمنطق وتوجيه الأنظار الى عيوب حضارية سكتت عنها الأقلام كثيرا”, والأخطر عندما يكون غباء الحركات الدينية يقود الى تحريك العلم ومكتشفاته ليكون ظهيرا” للرافضين لمنطق واجب الوجود, فعلوم المستقبل تقوم على تحليل الواقع اكثر من اعتمادها على ميثولوجيا و باراسايكولوجيا الأديان , لان الخسارة التي مني بها الاشتراكيون مثلا” في  تزلفهم للواقع العربي من خلال تبرير وجودهم في النصوص الدينية قد تكبر هذه الخسارة الى درجة تراجع المنطق التقليدي في تبرير التدين في أجيال المستقبل.

تحييد الفكر الالحادي من خلال الخطوات الاستباقية لتحييد امتيازاته المزيفة، في تقليل الاعباء النفسية التي يتحرر منها الملحد في كثرة العبادات التي اغلبها صوفية الطابع، وصناعة عقل معياري وفق الكفاء الإنتاجية للإنسان وليس اعتبارات استثنائية، وزيادة جرعات المعرفة العقلية في التوجيه والتربية، والتساهل في الأمور التي لا ترتبط بجوهر التدين رغم عراقة التمسك بها دينيا”، فحتى المجتمعات الأوربية المشهورة بألحادها، لا تبتعد كثيرا” في سلوكها اليومي عن أرقي معايير الإسلام الحقيقي كما نراه بعيون مفتوحة.

النكوص هي حالة الاغتراب الفردي والجماعي لرجل الدين ورجل المعرفة، الذي يقود هما في قدسيتهما المنزلقة من النص ومن المنطق الى الهاوية الحاضرة بكل أركانها, ولم يعد تعليل وصول الامور الى هذا الحد سببه الجهل و التخلف او الكبت السياسي او الخرافة بل ان اوربا المنعمة وجنة الارض بدأت تعطي ثمارها المميتة وتصدر الارهاب الينا كما تصدر الفساد السياسي والأخلاقي, والبقاء في حالة الاحتضار لا تنبئ ان من ينتظر يملك القدرة على صناعة المستقبل كقدرته على تحمل الصحراء والالم والحروب, فأجيال المستقبل لن تكون حاملة لوزر الإباء الذين ضيعوا الحاضر بتعليلاتهم المريضة.
[email protected]