22 ديسمبر، 2024 9:45 ص

لكي لا تهدر بحوث التعليم العالي وتبقى بلا التطبيق !!

لكي لا تهدر بحوث التعليم العالي وتبقى بلا التطبيق !!

ضمن متطلبات حصول الطلبة على الشهادات في جامعات العراقالحكومية والأهلية ولمختلف الاختصاصات ، ينبغي قيام الطلبة فيالمرحلة المنتهية من دراسة الدبلوم التقني والبكالوريوس بإعدادمشروع التخرج يفضل أن يكون تطبيقي ويتولى الإشراف عليهالتدريسيين من ضمن التخصص ، كما يقوم طلبة الماجستير بإعدادرسالة ويتم انتقاء موضوعها ومن يشرف عليها من قبل القسم العلمي ،و يطالب طلبة الدكتوراه بإعداد أطروحتهم على أن تكون من حيثالعنوان والموضوع والمحتوى والمنهجية العلمية ضمن المعايير ويتمالإشراف عليها من قبل تدريسيين لهم مجموعة من الصفات من حيثالشهادة واللقب العلمي والخبرة وغيرها من المتطلبات ، وكل ما ذكرناهيخضع للمناقشة والتقييم من قبل لجان علمية ( من داخل التعليم ) وأحيانا عملية ( من حقول العمل )  ، وبسبب عدد الطلبة الكبيرالمتخرجين كل عام  فان الجامعات تشهد إنجاز الآلاف من هذه المشاريعوالرسائل والاطاريح ، ورغم إن التعليم العالي تحقق هدفها في استيفاءإحدى المتطلبات إلا إن معظمها تمر بعد مناقشتها مرور الكرام فبعضهاتحفظ في المكتبات والبعض الآخر تذهب في طي النسيان وكأنهاإسقاط لفرض فحسب ، و لو تم تخصيص جهة معينة ( داخل التعليماو خارجها ) لفرز وتحليل وتصنيف تلك النتاجات لوجدنا إن عددا اونسبة منها يحمل صفة الأصالة او الاختراع او التطوير وبعضها يمكنلنتائجها وتوصياتها أن تحل قضايا اجتماعية او في حقول العملوالإنتاج بمختلف الميادين ، والمشكلة إن هذه القضية تتكرر كل عام منذعقود بلا حلول بما يشكل هدرا في الجهود وإضاعة للأفكار وربماإحباطا لمن يمتلك الرغبة و القدرة في أن يقدم شيئا جديد او مفيد ،وبعض الدول والشركات تتعاقد مع الباحثين من هذا النوع لينجزوا مايحتاجون في حل المعضلات او التطوير او التحديث ، ولا نعلم منالمسؤول عن هذا الهدر هل هي تشكيلات الجامعات أم قطاعات العملأم الجهات المعنية بالبحث والتطوير أينما تكون أم الباحثين ؟! .

وكمثال على تلك البحوث ، فقد اطلعنا على أطروحة قدمت في 2022 إلى الجامعة التكنولوجيا كجزء من متطلبات حصول الطالبة ( تأميمحميد عبيد / التدريسية في جامعة الفرات الأوسط التقنية ) على درجةالدكتوراه في علوم الحاسوب ، وموضوع الأطروحة يتعلق بإيجادتقنية لتشفير الوجه الانتقائي وتعديل الصوت لحماية الشاهد فيالفيديو الرقمي ، والنموذج المقدم ينقسم إلى مرحلتين ، المرحلة الأولىوتضم قسمين ، الأول منها هو الكشف عن وجه الشاهد باستخدامخوارزمية Viol – Jones التي لها سرعة عالية في الكشف عن وجهالشاهد واقتصاصه للحصول على  الميزات المفيدة ( المطلوبة ) فقطويتم بعدها عمل إطارات من اجل التعرف على الشخص وتمييزه بينمجموعة من الأشخاص في الفيديو وبشكل يفضي لعمل تصنيفللوجوه ، ثم يتم تتبع وجه الشاهد باستخدام خوارزمية KLT من زوايامختلفة ، وعند اختبار هذا النموذج من خلال تجربة عملية   فقد حققت دقة وصلت لأكثر من 99% ، وفي القسم الثاني تم تحسين الأمانلحماية الشاهد من خلال استخدام خوارزمية Rabbit لتشفير الوجهوأثبتت نتائج العمل بها تطبيقيا إنها قوية ضد أية ( هجمات اواختراق ) ، وتتعلق المرحلة الثانية التعرف على صوت الشاهد من خلالتدريب الشبكة على مجموعة من الأصوات المختلفة التي تضمنتصوت الشاهد و12 فئة من الأصوات المختلفة ، ومن خلال تجربةتطبيقية كانت دقة صوت الشاهد ( المخفي ) 99% وبما يساعد فيتغيير صوته من خلال التحكم في التردد والوقت وجعله مجهول الهويةويتم تنفيذ النموذج بواسطة برنامج Mat lab 2018b  ولغة python .

والنموذج المعروض أعلاه يمكن أن يستخدم لأغراض مختلفة ، منهامنصات الشهود في مراحل الإخبار والتحقيق والمحاكمة في المواضيعوالقضايا التي يراد لها تشفير شخصية من يكون بعد إدلاءه بمامطلوب أمام الجهات القضائية وبذلك يتم الوصول لحقائق مهمة فيمواضيع يعزف فيها بعض المدعين بالحق الشخصي او العام اوالشهود الكشف عن هويتهم خشية أن يلحقهم مكروه فيما بعد  ، كمايمكن أن يتم استخدام هذه النماذج في وسائل الإعلام المرئيةوالمسموعة عندما يراد إخفاء ( تشويه ) جزء من الصور والأصوات التيتعرض وخصوصا إذا كان عرضها بوضوح مخالفا لشروط ومعاييرالنشر او إذا كان صاحب الصورة او الصوت لا يريد إظهار حقيقةهويته للجمهور ولكن الأصل يمكن الرجوع عليه عند الحاجة ، وهيوسيلة يمكن أن تؤكد حقيقة ومصداقية البيانات او المعلومات التييقدمها بما يسمى أي كان بمن فيهم ( المخبر السري ) حيث يمكن عرضما يقدمه للآخرين بتشفير الوجه والصوت الانتقائي ولكن الأصليخضع للحماية بموجب  أحكام القانون ، وبذلك تستطيع وسائلالإعلام أن تزيل الابتعاد عن الحرج والتشكيك التي تتعرض له عندماتعرض مشاهد تضطر فيها لاستخدام التضليل او التضبيب ، ففي هذاالنموذج يحجب الجزء الذي يراد حذفه لضرورات ، كما إن وسائلالإعلام باستطاعتها التخلص من عبارة ( صرح بذلك مصدر رفضالكشف عن اسمه ) ، إذ بالإمكان اخذ التصريح بصوت من يصرحوتشفيره دون أن يعرف المتلقي على صاحبه ، وقد أشادت لجنةالمناقشة والمشرفتين بجهود الباحثة وثمنت أهمية الأطروحة ومنحتعلى أثرها درجة الدكتوراه عن استحقاق .

وكنا نتوقع لمثل هذا النموذج أن يحتضن من قبل الجهات المعنية لمايمكن أن يشمله من استخدامات  او أن يطور ليمنح براءة الاختراعليتوسع تطبيقه داخل وخارج البلاد ، ولكنه بقي على حاله محفوظافي المكتبات منذ إنتاجه ( عام 2022 ) ولغاية اليوم ، وهناك حالات مثلهذه الحالة وأبحاث كثيرة ربما بالمئات او الآلاف في مواضيع تتضمنأفكار وتطبيقات لحقول وتخصصات ، تصل لحد الأصالة او الإبداع اويمكن دعمها والإضافة لها لتصل إلى تلك الحدود ولكنها تهدر وتضيع ،فنشرها في المجلات العلمية المحلية او المستوعبات العالمية غير كاف لان بعضها قابل للتطبيق ويمكن له أن يضيف للجهد البشري ، ومنالمؤسف أن نجد اغلب الرسائل والاطاريح التي توصي لجان المناقشةبتعضيدها لا تأخذ طريقها للتنفيذ ، وهناك تجارب لدى الشعوب يمكنالاستفادة منها بهذا الخصوص ومنها التجربة اليابانية التي وضعتالمورد الفكري والعملي البشري كأعلى استثمار حققت من خلالهأعلى الانجازات  ، كما إن هناك تجارب عراقية ودولية انشإت فيهامؤسسات للبحث والتطوير من واجباتها الاحتضان ، فالعبرة ليس فيالزيادة الكمية للبحوث والإشادة بجودتها أثناء المناقشات ومنحها درجة ( الامتياز ) وإنما الاستفادة من محتواها ونتائجها وتطبيقاتهافي الجانب العلمي لكي نكون منتجين فعليين للرصانة والأصالة وليسمطبقين لتقنيات مستوردة بعضها أصبحت متقادمة بفعل فارق الزمنبين الظهور والتطبيق ، والتعليم العالي لا تتحمل المسؤولية الكاملة لضعف تطبيق نتائج البحوث فهي منتج لها وأحيانا تتولى التسويقمن خلال مبادرات جامعاتها في إقامة المعارض والمؤتمرات بمشاركة قطاعات الأعمال ، ولكن اغلب فعاليات المجتمع لم تعير هذا الموضوعنصيبه اللازم من الاهتمام كما إن معظمها لاتمتلك ثقافة التعاقد مع الطلبة او الجامعات لانجاز بحوث تتولى رعايتها وإدخالها للتطبيق بمشاركة الخريج ، ونقول نعم وألف نعم إن شباب وشابات العراققادرون على الإبداع والابتكار والاختراع بشرط توفر الفرص والظرفوالإمكانيات ، وهذا سر بروز وإبداع الكفاءات العراقية عندما تعملخارج البلاد ونسمع عن إخبارهم والمواقع التي وضعوا بها من وسائلالإعلام  .