23 ديسمبر، 2024 6:00 م

لكنّ الوجوه تنطق

لكنّ الوجوه تنطق

لم نقرأ أو نسمع عن أمّة من الأمم تعتزّ بعرقها وتفتخر مثل الأمّة الفارسيّة , مع أنا ضدّ أيّ عرقيّة أو طائفيّة لكنّي أقدّر كثيراً المبدأ كمبدأ , فمع تجاربنا مع الجارة إيران نجد , أهمّ ما يميّز الفُرس صمودهم الراسخ بوجه الاغتراب وإن ابتلعهم ولو لقرون طويلة , عكس باقي القوميّات الإيرانيّة تتنازع أهوائهم الانتماءات الدينيّة خارج بلدهم , ولنا في عراقيين كثر ولدوا وتربوا في العراق وأعينهم تّجاه بلدان أخرى , وهي حقيقة لا يستطيع إنكارها مثل هؤلاء ؛ جرّب أن تستفزّه ببلد يهواه كالسعوديّة أو إيران , أو تركيا ! , وحالة مثل هذه مشابهة لحالة أخرى : إن سبّ الله مُتطيّر أمام أحدهم أو الرسول نعم يستغفر الله مع امتعاض , لكنّك ما إن تسبّ أيّ رمز من رموزه الدينيّة أمامه ستجده فوراً يكشّر لك عن أنيابه ! .. حدث مرّة سبعينيّات ما مضى بينما نتناول وجبة غداء معتادة وكان عمّال الكافتريا من المصريين وما أكثرهم آنذاك , وكان حديث الناس يدور عن رحلة السادات إلى الكيان الصهيوني والناس في استنفار نفسي شديد , فأثناء ما اقترب منّا النادل “مصري” ونحن ننال من السادات “لخيانته” , فإذا به يصفح بوجهه عنّا مع “تمتمة” أحسسناها عدم قبوله ما نتحدّث وإن كان هو بداخله أشدّ تحاملاً منّا ضدّ رئيسه ! ..  فليجرّب احدنا النيل من محمّد مرسي أمام أي مصري خارج مصر , لن يقبلها منك ما يقبله هو ضدّ رئيسه ! ..

الّذي أعجبني كثيراً ولا أزال حبّ الإيرانيين المستميت لبلدهم , لم ينسوه يوماً رغم مرور قرون على هجرة أجدادهم منه ! ولم يسمحوا لأحد النيل منه أمام أيّ منهم حتّى لو كان أحدهم مطلوب رأسه لسلطة الوليّ الفقيه أو للشاه , حتّى أنني كنت أحدّث نفسي “قبل الاحتلال” كان حينها الكثير من العراقيين يتطلّع لعمليّة تغيير نظام بلده بين لحظة وأخرى علّه ينال قسطاً من كنوز بلده الّتي حرم منها يقرأ عنها ويسمع بها لكنّه لا يستطيع الوصول إليها ! لكنّنا لم نكن نتوقّع آنها أن يسبق عمليّة التغيير “أو الاحتلال” هذا , كمّ من الابتذال الأخلاقي من عراقيين بكمّ من التفنّن في انتقاء الألفاظ النابية والأكاذيب ورشقها “أمام الغرباء” ضدّ رئيس بلده , فقد وصلت لمستويات مُخجلة جدّاً لدرجة أنّك تكره نفسك وتعنّفها بشدّة أنّك عراقي وبالأخصّ بجلسة بيننا يحضرها عرب! فقد كانت أعداد العراقيين الّذين يلقون آذاناً صاغية , ومن دون قطع ! لا تُعد , تتلقّفها تلك الفضائيّات , وبكامل تلك الأساليب الفاضحة الّتي هي من سهّلت برأيي تحييد الشعب العربي ممّا سهّل ذلك على قوّات الغزو “الشريفة” احتلال العراق ؛ احتلال بلد شعبه تبيّن فيما بعد أنّه من أذكى شعوب العرب ! , في الحقيقة أثناء تلك الحملة الاعلاميّة دائماً ما كان يحضرني نموذجين من بلدين أقارنهما بآدميّة الكثير من بيننا عراقيين ؛ المصري والفارسي , والأخير لا مثيل له في الوطنيّة حتّى ولو كان أجداده كانوا لا يعبدون النار فقط بل يعبدون الزنابير أيضاً ! , تعلّقهم ببلدهم جعلني أكثر احتراماً لحضارة الفرس الّتي حكّمها العرب , صحيح نحن العراقيّين نالنا النصيب الأوفر من مصائب البشريّة تحت ضل النظام السابق , لكنّننا كنّا نفتقر المعلوماتيّة السياسيّة الحقيقيّة الّتي سبّبها لنا إعلام ذلك النظام المُنفّر والفاشل , نسينا فيه معمعتها من كان يبدأ العدوان وكيف ومن , ومن دون أن نلوم أنفسنا أيضاً ! فكثيراً ما نلقي نوازعنا الذاتيّة برقبة من نجده مسؤولاً كما يحصل اليوم أيضاً , نُكثر التصفيق دون أن نعي لماذا ! , وإذاً ؛ فهل نحن عباد صالحون والنظام  هو وحده فاسد؟ فأيننا من الآية “لا يغيّر الله ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم” ؟ أليست عجينة المالكي مثلاً من هذا العجين ؟ وأين منّا , ونحن المتديّنون من : “ومثلما تكونوا يولّ عليكم” ؟ أليس الّذي يتولّانا اليوم كان شتّاماً لعّاناً كذّاباً قبل الاحتلال وبعد الاحتلال ! لقد رأينا وسمعنا عراقيّين ولدوا أباً عن جدّ في العراق واعتلوا أعلى المناصب فيه طيلة عهود مختلفة , تجده يتحاور معك عن الشأن العراق بكلّ صراحة ووضوح وشفّافيّة لكنّك لك الويل إن ذكرت إيران أمامه باتّهام , ستجده يقفز قفزة من جلس بثقله على مقعد أعلى سطحه نتوء ! فلا يغرّنك عزيزي القارئ ملبسهم “الاسلامي” أو لحاهم “أو سعيهم للصلح بين المجتمع العراقي” أو من منهم من يتحدّث من فضائيّة بهدوء ونعومة وخشوع وكأنّه يريد أن يذوب من مقعده من شدّة إيمانه ولا يدري أنّ وجهه ينطق من أين هو وإن أصبح نجم نجوم فضائيّات عراقيّة ينال من رئيس حكومته ليل نهار ويفضح فساد حكومته لكن سرعان ما يستخدم كلّ تلك التقوى إن تطرّق النقاش إلى قرار رئيس الحكومة حول الأنبار فيبادرك وملء وجهه خشوع قائلاً : “إنّه يحارب داعش وعلينا الوقوف معه لأنّه يحارب الارهاب” ! .. نحن بالطبع نعرف أنّه يعرف أنّنا نعرف أنّه يعرف هو من ومن أين ولمن ! .. كلّ الموبقات ارمها على أميركا , هي تطلب منك ذلك شرط تكون معها من تحت ! ..

ادعوا للتصالح وما إلى ذلك ولكنّك لا تنسى أنّ دعواتك هي من نصيب إيران! ..

قف ضدّ رئيس حكومتك واصطف مع الاخرين ضدّه لكنّك مسموح لك فقط لتعرف ما يضمرون تجاه “خصمك” ثم اقلب الطاولة عليهم في اللحظة المناسبة لتفوز معه بالضربة القاضية ..

فمتى يتعلّم البعض من العراقيين الدروس من الغير حبّ الوطن ؟ .. متى يتعلّم البعض منّا من بعض الّذين يعيشون بيننا منذ قرون وولائهم خارج العراق .. للسعوديّة مثلاً ؟ .. إلى متى ينس البعض منّا العراق ما أن يضع قدمه على سلّم الطائرة سرعان ما يرمي “سجّادته” من نافذتها ! ؟ ..