ذات يوم كنت أتجول في مهرجان ثقافي في أحد الميادين , وقد نُصِبَت الأكشاك وأقيمت الفعاليات والنشاطات الثقافية المتنوعة , وما جلب إنتباهي تواجد عدد من الأكشاك لفرق وجماعات ترفع رايات الإسلام , وكل منها قد وضع لافتة تقول أن إسلامه هو الإسلام الصحيح.
فكل مذهب وفرقة وجماعة ترى أنها تمثل الإسلام الصحيح , وغيرها تمثل الإسلام المنحرف أو الخطا!!
تعجبتُ من الأمر , وكان معي صديق فسألته: هل إنتبهت لهذه اللافتات؟
قال: أي لافتات؟
قلت: أنظر إلى هذه وتلك؟
ضحك صديقي وقال: إنهم تجار دين , ألا تراهم قد أقاموا أكشاكهم ليروجوا لبضاعتهم.
قلت: ربما تكون تجارة , لكنها مغشوشة , وهذا يتنافى مع بديهيات الإسلام.
قال: أي إسلام , لقد ذهب الإسلام مع أهله.
وأضاف: أ لم تسمع قول ” الإسلام على الرف والمسلمون في القبور”؟
توقفت متحيرا أمام ما قاله صديقي وما أشاهده أمامي من لافتات , لكنني عدت وقلت لصديقي: “لكم دينكم ولي دين” , ربما هنا مكانها؟
قال صديقي: بل قل ” لكم إسلامكم ولي إسلام”!!
ترى إذا كل فرقة وجماعة ترى أنها تمثل الإسلام الصحيح , فهذا يعني أن الإسلام مفقود , وكل منها تبحث عنه أو تريد التعبير عنه , وفي سلوكها هذا تدمر الإسلام وتمحق ملامحه , ولا تبقي من مميزاته شيئا ينفع الناس.
وبمعنى آخر , أنها وبلا إستثناء تساهم في تدمير الإسلام وعزله وتطعيمه بما هو سلبي ومشين , وبهذا تشارك في تنفير الناس من الدين وإخراجهم عن سكة سواء السبيل , والأخذ بهم إلى متاهات النكران وعدم الإيمان بما هو دين , لأن السلوك ينسف القول بدين.
وهذه معضلة سلوكية تستهدف الدين وتعمل على الإنقضاض عليه ومحقه من وعي الأجيال , وإبعاده عن الحياة وطمره في حفر الويلات والتداعيات وسفك الدماء , فيفقد طاقات الرحمة والأخوة والأمن والأمان , ويصبح مصدرا للمخاوف والرعب وعدم الإطمئنان , فيشيع الظلم والفساد وإنتهاك حقوق الناس بإسم كل جماعة تدّعي أن دينها هو الدين.
وبهذا يكون أصحاب الدين أو المدّعين به من ألد أعداء الدين , وأشدهم عدوانية عليه , وأكثرهم رغبة في تدميره وإقتلاع وجوده من الرؤوس والنفوس , وخلعه من السلوك الذي ما عاد معبرا عنه , وإنما مترجما لأمّارة السوء التي تتفاعل في أركان الوجود الإجتماعي وعلى كافة المستويات.
ويبدو أن التكرار والإنفعال وما يرافقهما من عواطف ومشاعر سلبية رسّخت في اللاوعي الفردي والجمعي آليات الإنتقام من الدين , لأنه لا يقدم ما هو نافع لبناء الحياة , وإنما يدفع بالبشر إلى العدوانية المسوغة بمنطلقات إعتقادية وتصورات وهمية , وربما هذيانية تجيز للبشر أن يقوم بأفعال مروعة وخارجة عن الرحمة والألفة , فتتسبب بزعزعة الضمير وبناء طاقات هائلة فاعلة في الضمير الذي يكتوي بالتأنيب والتعذيب والشعور بالوجع المقيم , مما يدفع بالحياة إلى أن تتحول إلى وجيع فظيع وبإسم الدين.
فالبشر لا بد له أن يستيقظ مهما توهمنا بقدراتنا على تنويمه وتخديره وإستعباده , وعندما يستيقظ تقع الواقعة ويفور التنور , ويحترق وجوده الذاتي والموضوعي.
فأين الإسلام يا أيها المدّعون بأن الدين دينكم ولا دين سواه عندكم؟ّ