18 ديسمبر، 2024 11:00 م

لكلٍّ منا دينه ولنا مواطنتنا!!

لكلٍّ منا دينه ولنا مواطنتنا!!

العلاقة بين الدين والمواطنة , أو بينها وبين أي معتقد آخر تكاد تكون مجهولة أو مشوهة في مجتمعاتنا العربية قاطبة , بينما في المجتمعات الأخرى التي تتقدم وتتصدر الحياة الأرضية , تكون المواطنة متقدمة على أي شيئ آخر مهما كان شأنه وقيمته ودوره في حياة الناس , فللمواطنة معانيها وحرمتها التي تتقدم على كل موجود في الوطن.
وبإعلاء قيمة المواطنة وتعزيزها بالقوانين والدساتير يتمتع المواطنون بحرية التعبير عما فيهم ضمن حدودها وسماتها ومعالمها الفارقة المتصلة بالوطن , فيكون التنوع قوة وقدرة على بناء المواطنة الأرقى والأقوى , ويصبح التفاعل ما بين الإختلافات من ضرورات التقوية والتعزيز لأنه سيصنع سبيكة مواطنة ذات إقتدار أعظم.
إن فقدان المواطنة لأهميتها ودورها في الحياة الوطنية لأي مجتمع يتسبب بفرقة وتصارعات تؤدي إلى تمزقه ,وميل الناس إلى كينونات بدائية للحفاظ على هويتهم وقدرتهم على التواصل والبقاء , أي أن آليات التشظي ستكون مفروضة عليهم وليست من خيارهم , لأن الآلية الجامعة قد إنفرطت أو تحطمت , وما على الناس إلا اللجوء إلى حالة إنتكاسية للتعويض عن الفقدان الهوياتي الأليم.
وقد ظهر ذلك واضحا في المجتمعات التي إنهارت فيها الدولة وضعفت السيادة والقيمة الفعالة للقانون وللوطن وضياع المواطنة , مما تسبب بإندحارات سلوكية مروعة أّدت إلى إحياء الإنتماءات العشائرية والقبلية والعرقية والطائفية , وصارت المواطنة لا تعني شيئا بقدر ما تعنيه المسميات الأخرى , التي نهضت للتعويض عنها والتعبير عن إرادة قد تقترب منها.
وبسبب ذلك تعاني تلك المجتمعات من إندحارات متوالية وخسائر متعاقبة , وتفاعلات إستنزافية وترويعية دفعت إلى مزيد من التشظي والتمزق والإحتراب الداخلي , والميل للتبعية والإنخراط في آليات تنفيذ مشاريع الآخرين الطامعين بما لا يخطر على بال المواطنين , الذين صارت المواطنة بالنسبة لهم حلما بعيدا يتشوفون لإسترداده والوصول إلى بعض معانيه.
ولا يمكن حل المشاكل العاصفة في هذه المجتمعات إلا بالعودة إلى المواطنة وإعلاء قبمتها ودورها في الحياة اليومية للناس , والتفاعل ما بين أبناء المجتمع على أساس المواطنة الصالحة المعاصرة التي تحفظ الحقوق وتصون قيمة الحياة , وتعطي لكل مواطن حقه وحريته في الإختيار والإعتقاد , وأن يكون منتميا للوطن الذي يعيش فيه ويعمل من أجل مصالحه ورفعته.
وهكذا فالمجتمعات بالمواطنة تكون وبغيرها تهون , وإن المواطنة بمعانيها وخواصها تصنع الوجود الوطني السعيد!!