تعودت حينما اكتب مقالا عن الواقع السياسي في العراقي اقرأ في التعليقات بيت عمر بن معدي كرب الشهير ( لقد اسمعت لو ناديت حياً … ولكن لا حياة لمن تنادي ) وهو كثيراً ما يتردد على الالسن وأصبح من المحفوظات الشعبية ويؤشر الى ظاهرة نفسية خطيرة .
هي ظاهرة يأس الناس …. ومسؤولية المثقف في المجتمع
حاولت ان اقف عند هذه الظاهرة وابحث في اسبابها .
بالتأكيد هناك نوبة احباط كبيرة تجتاح الشارع العراقي من التغيير ، فالبعض يعتبر التغيير ضرباً من الخيال ، وان كل كلام الكتاب والمثقفين هو عبارة عن ضياع للوقت والجهد لافائدة منه ، لذا تسمع دوماً ( لقد اسمعت يتردد …. )
حالة الإحباط هذه جاءت نتيجة عدم استجابة السياسيين لصوت الشعب واستمرارهم بالمحاصصة والعبث السياسي ، كما ان التراكم التاريخي لمشاهد السياسة العراقية التي تنتهي بمقتل الحاكم كرست شكل التغيير عبر البندقية لا الكلمة .
التغيير بالعقل الباطن لدى العراقيين مرتبط بالعنف والقوة ، وهذه الفكرة هي تراكم تاريخي ابتدأ بتغير النظام الملكي بالدم ، ثم اطيح بعبد الكريم قاسم بحركة مسلحة في 8 شباط وكذلك انقلاب 17 تموز الذي جاء بالبعثيين للحكم والذي اغتيل فيه عدد كبير من الضباط والمثقفين والسياسيين ، ثم التغيير الاخير في 2003 تم عبر الدبابة وسيل من الدماء .
فمن خلال هذا التاريخ اصبحت الكلمة غير ذات معنى وأصبح الإيمان بها نوع من الترف ، فلا قيمة لما يقوله الكتاب
والمثقفون والفنانون ما دامت البندقية والمال بيد السياسي. لكن هذه الفكرة لم تعد صحيحة في ظل ثورة التواصل الاجتماعي والفضائيات وظاهرة العولمة الاعلامية .
ولكن هل يقف المثقف صامتاً امام مشهد الدمار الذي يحل بالوطن والمجتمع ؟
وهل يستسلم للإحباط كما الاخرين ؟
وهل وظيفة الكاتب ان يلمع الصور أو يعش باللامبالاة ويغمض عينيه ؟
أم يعمل على قاعدة المثل الشعبي ( كثر الدگ يفك اللحام ) . لأن دور المثقف هو دور المصلح الذي يحمل الهم الإنساني ، وينشر الوعي، فالثقافة ليست مهنة بل هي مسؤولية اخلاقية .
يقول المفكر المغربي محمد عابد الجابري في كتابة القيم المثقفون في الحضارة العربية : المثقف شخص همه أن يحدد ويحلل ويعمل من خلال ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ نظام اجتماعي أفضل، نظام أكثر إنسانية وأكثر عقلانية.
ويقول الكاتب والصحافي اليمني نبيل البكيري: المثقف كباقي أفراد المجتمع سوى أنه يتحمل مسؤولية حامية قيم الخير والعدل والحرية، ويدافع عن المظلومين وحقوقهم، بحياة حرة كريمة.
يقول إدوارد سعيد: ان مهمة المثقف والمفكر هي بذل الجهد لتهشيم الآراء المقولَّبة والمقولات التصغيرية التي تَحدُّ من الفكر الإنساني والاتصال الفكري. وهذا يعني ان المثقف يتشرف بحمل رسالة التصدي للباطل والوقوف بوجه الظلم ، وان لا ينساق وراء العقل الجمعي للناس .
يقول الإمام الحسين عليه السلام عن النبي ( إن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) .
وبلا شك ان ما يكتبه ويتحدث به الكتاب له تأثير كبير يخشاه السلطويين ويرتعب منه السرَّاق.
ربما لم نتعود على التغيير عبر الكلمة والوعي لكن لابد لنا ان نعترف ان للكلمة وقع كبير في صناعة الرأي العام وتكريس الوعي داخل المجتمع .
فقد قلب بيت شعر لجرير كيان قبيلة مهمة هم بنو نمير ، حينما هجاهم وتناقلت قولته العرب وأصبح مثلاً.
حينما قال :
فغض الطرف أنك من نُميرٍ
فلا كعباً بلغت ولا كلابا
فللكلمة والإعلام تأثير اكبر من كل الأسلحة ، وفي عالمنا المتحضر لا مكان لثقافة السحل والقتل .
وسنسمعهم صوتنا ونداءاتنا وسنبعث الروح في عقول الآخرين من خلال الكلمة .
ورحم الله الجواهري :
أنا حتفهم ألج البيوت عليهم
أغري الوليد بشتمهم والحاجبا
هكذا هي صناعة الوعي ان تُسمع كلماتك من به صمم .