18 ديسمبر، 2024 9:45 م

لقاء العراق ومصر .. تقارب عربي؟

لقاء العراق ومصر .. تقارب عربي؟

بداية لم تظهر مصر حماس كبير للتحالف العربي في اليمن. قد يكون بسبب تجربة سابقة لها في الستينات من القرن المنصرم. وقد تكون بسبب أزمتها الاقتصادية الصعبة، ولم ترد أن تتورط بحرب تزيد فيها الموقف كأبة. أو إنه جاء إنعكاس للتصدع الذي أحدثه الرئيس الإخواني محمد مرسي، وبطانته، الذين حاولوا التحول من الوطني، ومحيطه الطبيعي العربي، الى الإسلامي، وهو محيط يغلب عليه طابع دولي، يلغي فيه الوطني، وحتى القومي. وبهذا بقت مصر قريبة من تصدع حقيقي لشكلها البنيوي المعروف، بفعل حرب مفتوحة على الإرهاب، تستزف قدراتها. والعراق، كما هو الحال، منذ فترة يرسل إشارات قد تفسر أنه لا يرغب بالتورط في إشكالات الأقليم ذات الإمتداد الطائفي، أو العنصري، ولا مصلحة له في الإنشغال، هو الأخر، بمثل هذه المشاكل الجدلية. ولا يعتقد أن المشاكل التي تحدث في الإقليم، تعود عليه بالخير، أو بالنفع. كما مشاكله فيها ما يكفيه، تماماً ويزيد على مقدرته. فحرب داعش قد إنجرفت به الى حافة إعلان الإفلاس، إن لم يحسّن التدبير. مثلما سحب الفساد منه بساط البحبوحة المالية، التي هبطت عليه من السماء، بالزيادة الهائلة لسعر النفط، والتي لو قدر، اللمتصدرين لقيادته، حسن التصرف بها، لأغنت شعبه، لأجيال مقبلة، عن هذا العوز، وهذه الفاقة. مثلما لو أحسن ساسته الإعتبار، وتقدير عواقب الأمور، لما وصل بالعراق الحال الى ما هو عليه. هذا هو مجمل الوضع، بهذين البلدين، العريقين، الذين يعتبران جناحي العالم العربي، حالة من التراجع، ومن حافة شبه الإفلاس المالي، والتراجع الإقتصادي.

شيء لا ينكره القاصي، ولا الداني، إن مصر قلب العالم العربي، وحاضرة الأمة، وهذا كلام يعرفه العرب جميعاً. وإذا ما قدر لها أن تستعيد مكانتها، التي خطفت منها نتيجة عوامل ذاتية بأغلبها، وأسترجعت هيبتها، من بعد صدمة الربيع العربي، وما قبله، الذي لم يقدما لمصر إلا النكصوص، في أن تضع إصبعها على موضع الألم، الذي تعاني منه، وهو، معالجة حقيقية لأزمتها الإقتصادية، ووضوح في تحالفاتها الإقليمية، بعيداً عن شبح المساعدات التي تقدم لها، نظير مواقف معينة، معروفة، مثل ما كانت تفعل بعض دول الإقليم بها، أزاء تلك المواقف التي كانت بالنتيجة تضر بمصالحها في نهاية المطاف، ومن غير المفيد إعادة التذكير بها، وخاصة فيما يخص المواقف المعروفة الخاصة بدول الأقليم. والعراق، هو أيضاً، لم يكسب شيء عندما زج نفسه بمشاكل أقليمية ليس له مصلحة حقيقية بها، وتم إستنزاف طاقاته الإقتصادية، والبشرية، هدرت من جرائها إمكانياته المادية، دون مبرر، أو دون أضرار حقيقية كانت تمسه، بل كان من السهولة أن يتفاداها، أو يحيد عنها، وأن يعالج ما حدث بتصرف هادىء وبحكمة سياسية، ولو أنه أبعد الغير عن إستدراجه لمستنقع الحرب. مثلما هم فعلوا وجنبوا شعوبهم، وبلدانهم، من أن يتعرضون للكارثة. وكان قادرٌ أن يحمي أرضه، وشعبه، وأن يمنع الأخرين من أن يتمكنوا من تقديمه ككبش فداء.

الآن، الدولتان تمران بظروف متشابهه. من ناحية تردي وضعهما الأقتصادي، والمالي، والإجتماعي. ومن ناحية إهتزاز مكانتهما الإقليمية، والدولية. لا نبحث عمن يحاول المزايدة، ويرفع الشعارات. بل الحقيقة التي يحتاجها كليهما، هي، في أن يجري البلدين تقييماً لوضعهما. وأن يتكاشفا في مواضع الخلل، وأفاق المستقبل، وأن يجدا البحث عن القواسم المشتركة بينهما. وأن يعترفا لبعضهما البعض، حتى ولو بحوار لا يخلو من الدبلوماسية الهادئة، حفظاً لماء الوجه، عن كل الأخطاء التي إكتنفت علاقتهما الثنائية، وإنعكاسها على مجمل الوضع العام للمنطقة. بصراحة، ودون مجاملة. وأن يرسما طريقاً للتعاون الفعّال. يكون بداية لأن يتلمس الأخرين الطريق معهما، أن كانت الغاية سلامة الأقليم. فالمرحلة، وظروف المنطقة لا تتحمل العمل غير الجاد، وغير النافع. سيما وإن المنطقة تشهد رسم خرائط لتحالفات، مشبوهة، لا تنسجم وإرادة دول الأقليم، ولا تمثل طموحات شعوبها. وإن مرتسماتها قد تطيح بمستقبل الإقليم، وبطموحاته، وبأمانيه. سواء كان ذلك بدراية، أو من غير دراية. بتصميم وبإرادة، أم نتيجة للظروف التي أحدثها صراع لاعبين رئيسين في الإقليم، لا يجدان طريقاً للتفاهم، في عالم تغلب عليه التفاهمات. أن شعوب الأقليم قد تجد بالتقارب بين العراق ومصر بارقة أمل، وبالتعاون فيما بينهما بداية لرسم طريق جديد للمنطقة، بعد أن يأست هذه الشعوب مما يرسم لها من خارج الحدود. وحسناً فعلت مصر عندما لم تشارك بالنزاع الجاري في اليمن، لأنها مهاترة عربية عربية بغض النظر عن دوافعها، يمكن حلها بوجود الإرادة الواعية. وإن الدخول كطرف فيها لا يعمق الجرح فحسب، بل يحدث القطيعة بين الأشقاء. وكذلك في موقفها من الحرب السورية العبثية، عديمة الجدوى. وكذلك العراق الذي كان له على المستوى الرسمي ذات المواقف، وذات النظرة. والمطلوب الآن، هو تطوير الرؤية العربية، من هذين الحدثين، لمجمل المنطقة. وقد تكون زيارة أحمد ابو الغيط الأمين العام للجامعة العربية الى بغداد مؤخراً، وقبيل إجتماع القمة العربية التي ستعقد في عمان، مساهمة في إيجاد رؤيا جامعة تناقش على جدول أعمال القمة. وقبلها زيارة وزير خارجية مصر سامح شكري. قد تصبان بذات الهدف.
______________