يعلم الجميع أنّ الأطماع التركية في الموصل وكركوك ليست وليدة الساعة , فهي تعود إلى عشرينات القرن الماضي بعد ترسيم الحدود العراقية التركية في 16 / كانون الأول / 1924 , بموجب قرار مجلس عصبة الأمم المتحدّة آنذاك الذي جعل خط بروكسل خطا فاصلا بين الدولتين , وبموجب هذا القرار بقيت الموصل مدينة عراقية باعتراف المجتمع الدولي المتمّثل بعصبة الأمم المتحدّة , وعلى هذا الأساس تمّ التوقيع في العاصمة التركية أنقرة على معاهدة بين بريطانيا والمملكة العراقية من جهة وتركيا من جهة أخرى في حزيران عام 1926 لتثبيت الحدود العراقية التركية , حيث نصّت المادة خامسا من هذه المعاهدة أنّ هذه الحدود نهائية وغير قابلة للخرق , وفي 15 / آذار / 1927 أعلنت تركيا اعترافها الرسمي بالدولة العراقية , إلا أنّ هذه الأطماع عادت من جديد في عهد السلطان العثماني الحالي اردوغان الذي لم ينفّك يوما من التهديد بإلغاء اتفاقية عام 1926 , ليصرّح كلّ يوم وبكل صلف ووقاحة أنّ تركيا لن تتخلى عن ولاية الموصل .
ولم يعد لأحد في العراق أن يشّك في خطورة الوجود العسكري التركي في شمال العراق على وحدة وسيادة العراق , خصوصا بعد تفويض البرلمان التركي للوجود العسكري التركي في شمال العراق وتصريحات السلطان التركي أردوغان والمسؤولين الأتراك , بحقوق لتركيا في ولاية الموصل والتهديد بإلغاء اتفاقية عام 1926 التي بموجبها تمّ ترسيم الحدود بين البلدين وفقا لقرار مجلس عصبة الأمم المتحدة في 29 / تشرين الأول عام 1924 , ورفض حكومة أردوغان لكافة المناشدات الدولية والإقليمية بسحب قوّاتها من العراق , ورفض مطالبات الحكومة العراقية باحترام سيادة العراق وسحب القوّات التركية فورا من شمال العراق , ومما يزيد من خطورة الموقف أنّ جهات وأطرافا عراقية تشترك في هذه المؤامرة القذرة على وحدة التراب الوطني العراقي , وهي من طلبت ومهدّت وفتحت الطريق للوجود العسكري التركي واستخدام هذا الوجود للتهديد والابتزاز وفرض إرادة تركيا على حكومة وشعب العراق .
ولا شّك أنّ الساسة العراقيون وقادة الحشد الشعبي يشعرون بجدّية وخطورة التهديدات التركية المحدقة على وحدة وسيادة البلد , فليس من المعقول أن تبقى الجبهة الداخلية مفككة وغير موّحدة وهم يواجهون هذا الخطر الداهم , فكان لقاء الحنّانة يوم أمس رسالة العراقيين شعبا وحكومة وحشدا ومرجعيات دينية إلى السلطان العثماني المتغطرس أردوغان , ليفهم أنّ العراقيين ساعة الخطر والمحنة هم يد واحدة ضد كل من يفكر أو يحاول أن يعتدي على بلدهم ويمسّ سيادته , وبالرغم من أنني لا أثق كثيرا ولا أطمأن لثبات موقف زعيم التيّار الصدري مقتدى الصدر , بسبب مزاجيته وسرعة انقلاب مواقفه , إلا أنّ لقاء الحنّانة الهام جدا , هو رسالة سياسية مهمة جدا لأروغان والسعودية وكل من يريد الشّر للعراق وشعبه , وهذه الرسالة جائت في الوقت المناسب , وأتمنى أن يكون هذا اللقاء فاتحة خير لإزالة كل العقبات التي تقف عائقا أمام وحدة الموقف الداخلي وتجاوز الخلافات والأحقاد الشخصية .