23 ديسمبر، 2024 1:30 ص

لفظ مثواه – قرآنا ولغةً – للجنة أم للنار؟

لفظ مثواه – قرآنا ولغةً – للجنة أم للنار؟

ملاحظة:
الموضوع مفاهيمي وليس بدرجة بالغة من الأهمية ، لكنه مهم لأنه جاء ردا على من يحاول أن يقلب المفاهيم الصحيحة، فينشر جهله على الخاص والعام في مواقع التواصل الإجتماعي، حول عدم جواز القول باللهم أحسن مثواه إنطلاقا من القرآن لكونه حصر معنى اللفظ بتسعة آيات فقط ولايعلم وروده في غيرها.
ويساعده أغلب الناس لأنهم بسطاء تنقل وترسل من باب ثقة المصدر المتقي المؤمن الغيور على دينه وبهالة العلمية، والحقيقة هالة الجهل هي السائدة وتبقى الأعمال بالنيات.

مقدمة:

يحاول البعض التفلسف في لفظ مثواه ، بغير هدى ولاكتاب منير فيأتي بتسعة آيات تؤكد إستخدامها القرآن بقرينة الجحيم والنار، فظن أن اللفظ لايصح أن يستخدمه الناس بقولهم الله أحسن مثواه، لأن المثوى لفظ لايستخدم إلا للجحيم، مستندا الى تسع آيات، وكأن اللفظ لم يرد بآية آخرى غيرها.

لقد غفل عن غيرها لعدم قراءته القرآن بجدية، وشغلته فلسفة إعجاز اللغة العربية والاستخدام القرآني اللفظي، فهذا همه الأول والأخير، وهذه فلسفة عقيمة يتبعها من يبحث عن الأعجاز الإلهي في اللغة، وكأن الله في خلقه لمخلوقاته وكونه، لا إعجاز له، فهب نحو الإعجاز اللغوي ليتبارى لغةً مع الجهلة الأميين.
هذا التباري هو من نسيج عقول الجهلة، والتراث الأجوف هو المسؤول الذي أورثها هذا المرض، فباتوا يبحثون عن معجزات الله في لغته ونسوا أكبر معجزاته، هو الهدى النفسي لنفوسهم في كتابه، ولكن أكثر لايتفكرون.

يقول الله تعالى:-

وَرَ ٰ⁠وَدَتۡهُ ٱلَّتِی هُوَ فِی بَیۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَابَ وَقَالَتۡ هَیۡتَ لَكَۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّیۤ (أَحۡسَنَ مَثۡوَایَۖ) إِنَّهُۥ لَا یُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾ [يوسف ٢٣]

اذن فليس من الخطأ ان يقول الناس اللهم احسن مثواه/ مثواهم! فهذا نبي الله يوسف يقول (معاذ الله إنه ربي احسن مثواي)!

والآية الأخرى من سورة يوسف تقول:

وَقَالَ ٱلَّذِی ٱشۡتَرَاهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦۤ( أَكۡرِمِی مثواه) عَسَىٰۤ أَن یَنفَعَنَاۤ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدࣰاۚ وَكَذَ ٰ⁠لِكَ مَكَّنَّا لِیُوسُفَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِیلِ ٱلۡأَحَادِیثِۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰۤ أَمۡرِهِۦ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [يوسف ٢١]

من قاموس المعاني وبإعتماده على معجم لغة القرآن يقول معنى أكرمي مثواه:
“أكرمي مثواه :
اجعلي محلّ إقامته كريما مرضيّا
سورة : يوسف ، آية رقم : 21
المعجم: كلمات القران.

ويذكر ايضاً بيت من الشعر دعماً له:

عَلَيْهِ تَاجُ جَلَالٍ فَوْقَ مَفْرِقِهِ … مُنَعَّمٌ فِي جِنَانِ الْخُلْدِ مَثْوَاهُ”. إنتهى.

فالشاعر طوع المثوى للجنة فكيف يختزل المدعي معناه للنارِ؟

واستخدم اللفظ في القرآن للرسول والمؤمنين.

إذ قال تعالى:

فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۗ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَاكُمۡ﴾ [محمد ١٩]

فالآية أعلاه، تخبرنا عن المثوى في الآخرة، فهو إما جنة أو نار، لأن معنى (متقلبكم) هوالتقلب في الحياة ففيه حراك والمثوى لغةً رقود ونوم وسكن أُستعير وطوّع لبيان الثبوت في الآخرة وفق ميزان الأعمال.

فمثوى هو المقام والمنزلة، يتناسب إنتخابه ومحله كلفظ في النظم وفق المعنى المراد له، فكيفما صيغ جاء بالمعنى المراد منه سواء بقرينة الجنة أو النار، كقولك اللهم أحسن مثواه، أو قولك أنزله الجحيم مثواه، فالمثوى هو السكن والمرقد والثبات، فاللفظ ذاته لاعلاقة له، لأن الله يقول في لفظ التبشير، وبشرهم بعذاب أليم، ابو بشرى للمؤمنين، فهل سنبحث عن عدد الآيات التي ذكرت لفظ التبشير لنستنتج من أنها سلبية الأستخدام ولاتستخدم إيجابيا؟ هذا النحو من التفكير أسميه الشذوذ العقلي على نحو الشذوذ الجنسي إن صح التعبير.