18 ديسمبر، 2024 7:39 م

لــذة الــذكــر عند العباس (عليه السلام)

لــذة الــذكــر عند العباس (عليه السلام)

يحكى عن أحد الموالين لأحد أصحابه أنه قال: عليك بخمس ذكر الله، ثم ذكر الله، ثم ذكر الله، ثم ذكر الله ،ثم ذكر الله، فقلت هذه واحدة، فقال لي: بل خمس فقلت كيف؟ فقال: الأولى فتح، فلقد مَنَّ البارئ عز وجل على أهل البيت (عليهم صلواته تعالى) بمنزلة عظيمة، فذكروا الله كثيراً إبتغاء مرضاته، فكانت الشهادة جلَّ ما يتمنونه، وأحد أُسُود البيت العلوي قمر بني هاشم، أبو الفضل العباس (عليه السلام)، فجاء نصر الله والفتح.

الثانية شرح حيث مثلت ولادة أبي الفضل العباس (عليه السلام)، أول مأتم لما سيجري عليه هو وأخوه الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، رغم أنهما فرحينِ ببيعهما الذي بايعاه لله ولرسوله، لكن والده الإمام علي بن أبي طالب شرح بالتفصيل، معنى الأخوة والوفاء والذوبان في عشق كلمتين تجتمعان معه، بكونهما من صلب أمير المؤمنين ويعسوب الدين، وهما الحسين وزينب (عليهما السلام) فبات رأسه المخضب بالدماء، وعينه والسهم نابت فيها، وكفاه المحتضنتين للراية نِعمَ الفداء والشرح.

الثالثة طرح حين رمى الماء من كفيه، وذكر عطش النساء والأطفال، وإرتجز ليقول يا نفس من بعد الحسين هوني، وبعده لا كنتِ أن تكوني، هذا الحسين وارد المنون، وتشربين بارد المعين، تالله ما هذا فعال ديني، ولقد ضاق صدر أبي الفضل العباس بالمنافقين المحطيين بالخيام، ومشرعة الفرات ومنعوه من الوصول لنهر العلقمي، وأراد أخذ الثأر منهم، فدمدم عليهم كالليث الغضبان وكالشهاب الثاقب، ليكون العمود الحاقد، والسهم المسموم، والقربة الفارغة، واللواء الذي إحتضنه، عنوان القضية في الطرح.

الرابعة إمتحان وجرح، حيث صاح الإمام الحسين (عليه السلام)، بعد إستشهاد أخيه ابي الفضل العباس وهو بين يديه، وحمله لينادي: الآن إنكسر ظهري، وقلت حيلتي، وشمت بي عدوي، وهمَّ بذكر الله كثيراً ليصل خيمته، فما كان من العقيلة زينب إلا تلقي بنفسها عليه، لتطلب منه حق الكفالة التي وعدها إياه، فكان رحيل حامل لواء معسكر الحسين، وكافل العيال والنساء أبي الفضل العباس، إمتحاناً عظيماً إبتلى به أهل البيت العلوي في عاشوراء، وكم عظيم هو ذلك الجرح!

الخامسة رضا ومنح، فلقد إستشهد أبو الفضل العباس (عليه السلام) بعد أن لهج لسانه بالشهادة، وفرحة اللقاء بجده وأبيه وأخيه، وذاق طعم الهيام والجمال فرضي الله عنه، وإرتضوا له هذه الفعال الهاشمية الخالدة، في إيقاظ الأمة من سباتها ومواجهة الظالمين والفاسدين، فمُنِحَ باباً من الفضل والرفعة والشأن، واليقين بإستجابة الدعاء تحت قبته وفي حضرته، فلنا كل الرضا بثواب زيارته، وفيض مكانته، ولذة ذكر حاجتك عند باب الحوائج، فكانت مواقفه وبطولاته مزيجاً من الرضا والمنح.