بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين ، حكاية قديمة مطروقة ومتداولة بين عامة الناس وتشير على من يرتكب جريمة قتل بحق أنسان ما وبريء ومهما تكن الاسباب والدوافع تبقى عقدة الضمير تأنب صاحبها طيلة العمر وشبح الموت يطارده . أستوقفتني تلك الحكاية وأنا أقرأ نتفاً من كتاب صدر حديثاً في أسرائيل حول أغتيال خليل الوزير ( أبو جهاد ) في العاصمة التونسية يوم ١٦ أبريل/ نيسان في العام ١٩٨٨ ، والذي يعد الشخصية الثانية بمنظمة التحرير الفلسطينية بعد الرئيس ياسر عرفات ومن الرجال المهمين في مسارات القضية الفلسطينية وتعرجاتها .
الكتاب … يروي قصة وحياة ممن ساهم بشكل فعلي بإغتيال أبو جهاد ونهايتهم المأساوية الى حتمية الموت بطرق بشعة ومختلفة . ويتسأل مؤلف الكتاب بين المزح والجد . هل لعنة إغتيال أبو جهاد هي التي قادتهم الى هذا الموت ؟. فيشير مؤلف الكتاب قتل أبو جهاد بهذه الطريقة وأمام زوجته وأبنته هي التي قادتهم الى هذا الموت البائس والمحتوم . الروح المظلومة تطارد قاتلها .
وحدة عسكرية خاصة تابعة لهيئة الأركان العامة يقدر عددهم بالمئات الذين شاركوا في الأعداد للاغتيال من أجهزة الموساد والشاباك والمخابرات العسكرية في أستهداف بيت أبو جهاد في العاصمة التونسية ، الذي يقع في منطقة ( سيدي بو سعيد ) على بعد بضعة كيلومترات من شاطيء البحر ، والذين تسللوا من خلاله بزوارق تحت جنحة الليل . كان يسكن بجوار بيته محمود عباس عضو اللجنة المركزية لحركة فتح . وأبو الهول رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية وعدد من القادة والدبلوماسيين معززة بالحراس وشرطة النجدة لكنهم الجميع صحوا وعرفوا بعد وقوع الجريمة وإختفاء الجناة . لعنة الشهيد أبو جهاد والثأر له لاحقت المنفذين الفعليين وقادتهم الى الموت المفجع وهم في ريعان شبابهم ، لم تمنحهم الحياة فرصة ولم تتركهم أثار تلك الجريمة أن ينعموا بنشوة التكريم والاهتمام .
شاحوم ليف .. وهو مخطط العملية وقائدها الفعلي وهو من أطلق الرصاص على أبو جهاد . ولقد مات في حادث مروع عام ٢٠٠٠ في شارع وادي عربة حيث سقط من دراجته النارية وهو يقودها بسرعة جنونية مما أدى الى تقطيع جثته الى عدة أجزاء .
إياك رغونيس .. مهندس وضابط كبير في وحدة هيئة الاركان وأحد المشاركين في اقتحام بيت أبو جهاد واغتياله ، وهو من صمم بيتاً من كارتون مطابقاً لمواصفات بيت أبو جهاد لسهولة أقتحامه . وقد مات نتيجة جلطة في الدماغ .
الجنرال عوريد رووم .. الذي مات أيضاً بالسكتة القلبية .
ويتسأل مؤلف الكتاب ؟. عن تلك العملية التي أستغرقت خمسة دقائق وثمانية رصاصات في الصدر ، لكنها سبقتها شهور في الاعداد والتخطيط بمشاركة ثلاثة ألاف شخص . ويتسأل مؤلف الكتاب عن تلك الحتمية الحياتية التاريخية في مصير هؤلاء المنفذين . هل هو القدر أم الأنتقام لدم أبو جهاد ؟.
في العراق لقد وقعت قصة مشابهة بتفاصيل نهايتها المأساوية في أحداث ثورة تموز ١٩٥٨ أي في صبيحتها حول ما جرى بواقع مؤلم ومأساوي لاينم الا عن جهل وحقد وتخلف في أبادة العائلة المالكة والتي حكمت العراق ما يقارب أربعين عاماً عبر الإحتلال ( الأنتداب البريطاني ) . في خضم الصباح الباكر من ذلك اليوم والبيانات والأناشيد تعزف بنجاح الثورة من مبنى الصالحية والمطالبة برجال العهد السابق أن يسلموا نفسهم الى ثوار الثورة ، حيث توجهت أكثر من قوة عسكرية أخذتها حماسة الأنتصار ولعلعة البيانات الى قصر الرحاب حيث تقييم العائلة المالكة الشاب الملك فيصل الثاني وخاله ولي العهد عبد الآله وأفراد عائلتهم نساء وأطفال ، وأثناء خروجهم من الباب الخلفية وصل على رأس قوة عسكرية مدججة بانواع السلاح من معسكر الوشاش ضابط المشاة عبد الستار العبوسي . وفي لحظة خروجهم من الباب حاملين على رؤوسهم المصاحف ولافتات الاستسلام ملك ووصي ونساء وأطفال وخدم . وفي لحظة جنونية ودموية ضغط الضابط العبوسي بأصبعه على زناد سلاحه ليلقي بهم جثث هامدة في حديقة باحة القصر ولتتلقفهم الجماهير الغاضبة للتمثيل بجثثهم وسحلها في شوارع بغداد بين صدى البيانات التي تدعو الى نظام وطني جديد للانسان والحياة في مشهد تاريخي بائس ومدان ومقلوب .
من تلك اللحظة التاريخية الفاصلة في تاريخ العراق السياسي يحمل الضابط العبوسي عبأ فعلته وندم جريمته طيلة حياته حيث عاقبة الضمير ولعنة الخوف تطارده في رحاله وترحاله في منامه ويقظته ، الكوابيس تطارده في أدق تفاصيل حياته الا أن أنتهى به المطاف النهائي عام ١٩٧٠ أن يدخل الى دورة المياه ويطلق رصاصة الرحمة على رأسه المحمل بالعذابات لتنتهي حياته منتحراً . ففعلها وخلص .
أستوقفني هذين الحدثين الى رواية الجريمة والعقاب لدستوفيسكي وبطلها الشاب الطموح واليافع راسكو لينتوف لينتهي به المطاف الى قتل النفس البشرية العجوز المرابية وأختها بآلة الفأس ويسرق حاجاتهما ومن تلك الليلة لم يتمتع بطعم ليلة هانئة حيث يعيش في صراع نفسي يومي على أثر فعلته مما يشعر المجتمع ومن حوله رافضيه بعد أن أنفصل عنهم أخلاقياً وضميرياً والعيون تطارده ، مما يتهم بالجنون يؤدي به الى التفكير بالانتحار بعد عذاب نفسي قاسي وخوف مستديم يتمنى الموت بكل لحظة من حياته .