23 ديسمبر، 2024 9:48 ص

لعنة الكهرباء والعبث القاتل

لعنة الكهرباء والعبث القاتل

تعاني إدارة قطاع الكهرباء في الكثير من بلدان العالم من تعرض مكونات المنظومة الكهربائية إلى حوادث السرقة والعبث وبوسائل مختلفة وغالباً ما يعود ذلك إلى الأسباب الآتية:
١- الفائدة المادية المتأتية من بيع المسروقات، ويتقدم هذا السبب على غيره في البلدان التي تعاني من ارتفاع نسبة الفقر بين مواطنيها.
٢- دوافع عدائية تجاه ممتلكات الدولة .
٣- التخريب المتعمد والموجه (غالباً) لخلق موقف عام معادٍ للنظام السياسي القائم.
٤- العمليات العسكرية أثناء الحروب وتعد من الأسباب التي تؤدي الى أضرار كبيرة .
واجهت دوائر الكهرباء في العراق، منذ زمن بعيد عندما بدأت بإنشاء وتوسيع الشبكات الكهربائية، الكثير من حوادث العبث والسرقة والتخريب، التي شملت جميع مكونات هذه الشبكات الخارجية وحتى الداخلية منها (المسيجة والموجودة داخل الابنية)، وفي جميع المراحل الزمنية فكان لهذه الحوادث تأثيرها في عدم استقرار تجهيز التيار الكهربائي في مناطق وأحيان كثيرة بالإضافة الى ما تفرضه عمليات الاصلاح والتعويض من هدر لأموال كبيرة لا يمكن تخمينها بدقة عند تضمينها في الموازنات المالية الخاصة بقطاع الكهرباء.
مما لاشك فيه ان انعدام حالات التجاوز على ممتلكات المنظومة الوطنية أو انحسارها يعتمد بالأساس على العديد من العوامل يمكننا إيجازها بالآتي:
١- مستوى الوعي العام للمجتمع ومدى تفاعله مع مفاهيم المواطنة السليمة في تحديد المسؤولية تجاه المحافظة على الممتلكات العامة.
٢- مدى فعالية القوانين السائدة في محاسبة العابثين والسراق ومستوى جدوى الاجراءات الضامنة لسلامة عمل جميع أجزاء الشبكات الكهربائية ومنع ما يسبب الإضرار بها.
٣- وسائل المراقبة المتبعة والمختلفة في جوانب تطبيقاتها مع وجود منظومة حراسة فاعلة.
٤- مدى توافر العلامات التي تشير إلى عائدية المعدات والأجهزة الى دوائر الكهرباء والتي تستخدم في القطاع الحكومي والأهلي معاً كمصابيح الانارة والأنواع المختلفة من القابلوات وقواطع الدورة الصغيرة… الخ مع قيام المعنيين بمراقبة عملية تداول هذه المواد في الاسواق المحلية وتدقيقها.
يتبع هذا العديد من الاجراءات لتشمل الاهتمام بدور الإعلام الموجه الى المواطنين في حثهم على الاهتمام بسلامة مكونات الشبكات الكهربائية ودعوتهم للمشاركة في جوانب الحفاظ عليها بوساطة المراقبة والأخبار عن حوادث العبث مع تأكيد دورهم في منعها لضمان تحقيق الانسيابية في تجهيز الطاقة الكهربائية، كما إن وضع علامات تحذيرية قرب المعدات الكهربائية المختلفة والتي تنبه الأشخاص إلى خطورة الاقتراب منها أو ملامستها له الأثر في الحد من التجاوزات المتوقعة.
من المؤسف إن الكثير من حوادث العبث والسرقة تعرض مرتكبيها الى حالات الصعق الكهربائي أو الحاق أضرار جسيمة بهم وعلى وجه التحديد العابثين من الأعمار الصغيرة أو الذين ينقصهم بعض من متطلبات المعرفة في التعامل مع الأجسام المكهربة.
في أثناء عملي السابق في دوائر الكهرباء شاهدت الكثير من حالات تضرر الفاعلين من أبطال حوادث السرقات والتخريب، ففي منتصف ثمانينيات القرن الماضي كانت بقع الدماء قرب إحدى قواعد أبراج نقل الطاقة الكهربائية بجهد ١٣٢ كيلو فولت المخربة تشير الى الإصابة البليغة التي تعرض لها أحد الأشخاص من القائمين على تفجير الأبراج في منطقة جمجمال قرب مدينة السليمانية والتي كانت بدوافع العداء للنظام السياسي القائم، آنذاك، وإلحاق الخسائر المادية بالممتلكات الحكومية وعلى وفق وجهة نظر منفذي مثل هذه الحوادث.
وفي منطقة التاجي إحدى ضواحي العاصمة بغداد تعرض ثلاثة أشخاص إلى إصابات مختلفة منها الحروق إثر تعرضهم للصعقات الكهربائية ورضوض وكسور في أماكن مختلفةً من أجسادهم نتيجة لمحاولتهم سرقة أجزاء من قابلوات كهربائية (تحت الفولتية)، عندما لجأوا الى استخدام جارفة كبيرة (شوفل) لقلع هذه القابلوات من مساراتها تحت الأرض فكان لالتصاق النتوءات الامامية لهذه الماكنة بإحدى القابلوات المستهدفة بشدة وتكرار محاولاتهم الفاشلة لفض هذا التشابك (غير المتوقع) سببًا في إلحاق الضرر الجسدي بهم وسوقهم الى ساحة القضاء تاليًا.. كان هذا في نهاية التسعينيات، وفي تلك الحقبة نفسها أدت مثل هذه الحوادث الى وفاة شخصين لدى محاولتهما قطع أسلاك نحاسية مكهربة (بهدف سرقتها ) بخاصة في شبكة توزيع الكهرباء في إحدى مناطق الزعفرانية ببغداد عندما تعرض خط التغذية الكهربائية الخاص بها إلى توقف مفاجئ وجرت محاولة إعادته إلى العمل يدويًا على وفق تعليمات التشغيل المتبعة حيث ادى ذلك الى حدوث صعق مباشر تسبب في نهايتهما المؤسفة غير المحمودة.
ومن الحوادث النادرة تسلق أحد الأشخاص من ذوي الاجسام الرياضية على أعمدة الإنارة بهدف سرقة مصابيحها من دون واسطة (السلالم أو الرافعات) فكان سقوطه أرضاً من أعلى العمود سببًا لإحداث العديد من الكسور في هيكله العظمي أدت به الى المشفى والمحكمة لاحقًا.
هنا أرى أن الأطراف الفاعلة في المجتمع تقع على مسؤوليتها توفير ودعم عوامل منع انتشار وتفاقم مثل هذه الظواهر والعمل على الحد منها باتجاه تحقيق سلامة الأفراد ومعدات الشبكة الكهربائية والتي تعد من الممتلكات العامة للمجتمع.