22 ديسمبر، 2024 7:49 م

لعنة السياسة عندما يَحين موعدها

لعنة السياسة عندما يَحين موعدها

تصوّر عزيزي المواطن أنَّ (نور زهير) بطل مُسلسل سرقة القرن في العراق تلتف حول مِعصمه ساعة تُقدّر قيمتها بـ(3,5) مليون دولار تكفي لإطعام محافظة عراقية بكامل عوائلها ولإكثر من شهر من شهور التقويم الميلادي، أو بناء مدرسة أو حتى جِسراً في قضاء مَنسي، وزعيماً يمتلك آباراً للنفط، وقائداً سياسياً له من القصور والڤلل التي تتوزّع على أحياء بأكملها في مُدن الضباب.

تصوّروا أنَّ مسؤولاً تشريعياً يمتلك من الطائرات الخاصة إثنتين تجثُمان في المطارات العراقية تُستخدم للترفيه وفي تنقّلاته حيثُ يشاء حول العالم مع زيجاته المُتعدّدة .

تخيّل مشهداً واقعياً وليس تمثيلياً يُصوّر تلف مبلغ ستة ملايين دولار في مجاري الصرف الصحي للبنك المركزي بعد أن أتلفها سوء الخزن وغرقها بمياه الأمطار.

بعد كل ذلك لِيتّسع فضاء خيالك أنَّ بلداً مثل العراق تحكمه الشريعة الإسلامية التي أقرّها الدستور تتناسل وتتكاثر فيه جرائم الإنتحار والإغتصاب وتجارة المُخدرات والأعضاء وإنتشار المثليّة والإلحاد وأحاديث كان مُجرّد الخوض في عناوين مُسمّياتها يُشعرك بِقرف وخوف من الخوض في تفاصيلها تدخل من باب الخطايا التي لاتُغتفر، فإعلم أنَّ الموازين قد إنقلبت في هذا البلد وضاع وجه اليقين.

سياسة التجهيل والإستغباء وخلط الأوراق التي تُمارسها السُلطة وهي تُبرّر أفعالها وأخطائها بوجود نظريّة المؤامرة وتحالف دولي إمبريالي عالمي يُريد إسقاط المنظومة السياسية وكأنَّ ذلك التحالف لايوجد مايشغله سوى العراق وشعبه.

نظريّة المؤامرة وإيجاد التبريرات والحِجج هو كل مايتقنه هؤلاء في عملهم السياسي لإنَّ مُخيّلتهم المريضة توحي لهم بضرورة إقناعنا أنَّ النظام العالمي ليس له شاغل سوى فتافيت مصائب هؤلاء الحُكّام بالنسبة لذلك النظام.

لذلك يكون بقائهم في قصور السُلطة يوماً إضافياً آخر يعني نصراً مؤكّداً لهم، تجدهم يُحاولون تأجيل المشاكل والأزمات إلى إشعارٍ آخر أو حتى يشاء القدير.

من مُفارقات زمن العجائب أن يكون الفاسد الذي يُحارب الفساد والخائن الذي يدّعي الوطنية واللص الذي يرتدي ثوب النزاهة الذين أدمَن الجمهور مُشاهدتهم بكامل أناقتهم تعلوهم الأوداج والكروش المُنتفخة وهم يتحدّثون عن تجاربهم وخُلاصة خِبراتهم في فضائيات تتقاسم الفساد واللصوصية معهم وكأنَّ المواطن هو سبب البلاء والخراب.

تخيّل أنك ترى أباً يبيع أطفاله، ويحرق الأبن أمه، ومُتقاعد ينتحر، وقاصر تضيع في متاهات الإنحراف والضياع في بلد منهوب لم تعد أرقام سرقاته تُقاس بالملايين بل تعدّت إلى المليارات.

المُعادلة أصبحت بالشكل الآتي، كُلّما ساد الفساد والنهب وإغتصاب المال العام قابله إزدياد في الإنهيار والإنحطاط المجتمعي، وبعد كل هذا يُطالبون المواطن بالصبر والسلوان وأحاديث لايملّون منها عن حياة الزُهد والتقشّف للسَلف الصالح ومُكابدة الأولياء الصالحين وهُراء الحديث عن الوطن والوطنية وهم يعلمون جيداً أن هذا المواطن لم يعد يهتم بِمن يشتري أو يبيع هذا الوطن أو يكترث لإغاني الوطنية بدليل أنك تجد بيوت ومساكن الشعب نظيفة في حين تكون شوارعهم مليئة بالأوساخ.

عندما ترى وتسمع أيُها المسكين في وطنك أنَّ بطلاً من أبطال الفساد يرتدي ساعة بملايين الدولارات وأنت لاتملك قوت يومك ولاتستطيع تدبير أمور عائلتك وتقف عاجزاً أمام تآكل صحتك مع إنعدام توفير الدواء اللازم لِشفائها، وترى تلك النفس البشريّة التي قدّسها الله وهي ترمي بِثُقلها من أعلى الجسر إلى النهر بسبب عدم حصوله على وظيفة تُعيله وعائلته، فإعلم أن كل مُقدّسات السياسة وقِدّيسي الحُكم يسقطون وتسقط إعتباراتهم وتتهاوى عناوينهم.

حتى الشريعة الإسلامية التي أقرّوا قوانينها وقراراتها في نظامهم السياسي أوجَبتْ طاعة المرؤوس لِولّي الأمر حين يوفّر له الأخير كُل مُستلزمات الحياة الكريمة والعيش الرغيد، عند ذاك تكون الطاعة، لكنك أيُها المواطن تعيش في زمن الإنهيار والانحطاط وما أقساه من زمن.