قبل تقديم المسابقة بخمسة عشر يوما وبعد إنجازي للفكرة التصميمية قررت دائرتي إيفادي إلى صوفيا، عاصمة بلغاريا لمدة اسبوع للمشاركة في المؤتمر الحولي للهندسة المعمارية، وبالرغم من تأخر وصول موافقة وزارتي سافرت إلى صوفيا ولكني لم أستطع اللحاق بجلسات المؤتمر إلا في اليوم الأخير منه.
بعد حضوري للجلسة الختامية وزيارتي لمعرض المشاريع المعمارية الذي أُقيم بمناسبة إنعقاد المؤتمر قفلت راجعا إلى الفندق.
قضيت اسبوعا في صوفيا وكانت بلغاريا ثالث دولة أزورها بعد تركيا والكويت، والأخيرة أوفِدت إليها سابقا من قبل وزارة النفط للإشتراك في معرض المواد العازلة المستعملة في البناء لكوني عضوا في إحدى اللجان الفرعية المنبثقة من اللجنة الإستشارية للطاقة المشكلة في وزارة النفط، وفي خلال عملي في هذه اللجنة أعددنا بمشاركة عدد من المهندسين المعماريين ومهندسي الميكانيك كتاب ” دليل العزل الحراري ” الذي تم طبعه في الكويت وعلى حساب وزارة النفط العراقية.
قضيت أسبوعا في صوفيا محاولا التعرف على المعالم العمرانية والسياحية والتراثية لهذا البلد الذي كان يرزح تحت وطأة حكم الحزب الشيوعي البلغاري في حقبة حلف وارشو الذي كان يضم عددا من دول شرق اوربا وبقيادة الإتحاد السوفيتي.
خلال ذلك الأسبوع اشتركت في عدة جولات سياحية كانت معلنة في صالة مدخل الفندق. إنّ الإنطباع الذي خرجت به من حصيلة جولاتي في صوفيا أنّ هذا البلد لا يسبقنا في التطور ويعاني من تدهور في حالته الإقتصادية، فالنسيج العمراني للعاصمة صوفيا كان يعكس هذا الواقع.
بعد عودتي من صوفيا كُلِفت بتصميم مبنى إتحاد مجالس البحث العلمي العربية وهذا الإتحاد هو إحدى تشكيلات جامعة الدول ا لعربية وكان مقره في بغداد. تم إختيار موقع للمشروع في جهة الكرخ من العاصمة بغداد وفي منطقة علاوي الحلة.
بعد إنجازي لتصاميم المشروع تم تنفيذه من قبل شركة ميتسوبيشي اليابانية وبمشاركة شركة فودو وهما نفس الشركتان اللتان نفذتا مشروع ساحة الإحتفالات الكبرى في بغداد ضمن عدة مشاريع أمر بإنشائها الرئيس صدام حسين، كقصر المؤتمرات وفندق الرشيد ونصب الجندي المجهول ونصب الشهيد كتهيئة لإنعقاد مؤتمر دول عدم الإنحياز في بغداد، ولكن إنعقاد المؤتمر أُلغي بسبب ظروف الحرب العراقية الإيرانية.
كان من ضمن مهامي بعد إنجاز التصاميم الإشراف على تنفيذ المشروع الذي استغرق تنفيذه عاما كاملا وفي أثناء الحرب العراقية الإيرانية ألتي سُمٍيت بمعركة القادسية الثانية.
بعد هذه المرحلة من عملي في وزارة الإسكان والتعمير، اشتركت في مسابقة لتصميم دار إستراحة لرئيس الجمهورية صدام حسين في مسقط رأسه في قرية العوجة التابعة لمدينة تكريت ضمن محافظة صلاح الدين وعاونني في تصميم هذا المشروع زميلان معماريان من المجموعة المعمارية التي كنت أرأسها في الدائرة.
قبل ظهور نتائج المسابقة التي اشترك فيها اثنان وعشرون مكتبا حكوميا وخاصا، تم إستدعائي من قبل المنظمة الحزبية في منطقة سكني في محلة راغبة خاتون للإلتحاق بإحدى قواطع الجيش الشعبي وهي ميليشيا للحزب الحاكم، حزب البعث العربي الإشتراكي، ولكن نظرا لظروف الحرب مع إيران أصدرت القيادة أوامر بتجنيد الغير الحزبيين أيضا لحاجة جبهات القتال للرجال بغض النظر من أعمارهم أو وظائفهم، فكوني غير منتمي للحزب الحاكم لم يكن يشفع لي في هذه الحالة الطارئة.
شرحت لهم في المنظمة الحزبية كوني كنت ضابطا مجندا في الجيش وبأنّي رئيس مهندسين في وزارة الإسكان والتعمير ولكن لم ألقى آذانا صاغية، فرحى الحرب الضروس المشتعلة كانت محتاجة للوقود لإدامة زخمها.
كان الإستدعاء في اوائل من شهر كانون الأول عام 1985 اي بعد إنقضاء خمس سنوات عجاف من الحرب، حيث كان القتال مستمرا على اشده مع الإيرانيين والجبهة الطويلة كانت بحاجة ماسة إلى جنود للدفاع عن الوطن، إضافة ألى تدهور الوضع الأمني في شمال العراق، فالأكراد بقيادة جلال الطالباني كانوا يشنون غارات متواصلة على المدن والقصبات الشمالية من العراق منطلقين من قواعدهم الجبلية.
بعد إنقضاء فترة التدريب البالغة خمس وأربعون يوما في معسكر النهروان، تحرك قاطعنا لإحتلال مواقعه في شمال العراق.
من مسودة كتاب (لعنة الذهب الأسود)
يتبع