22 نوفمبر، 2024 11:40 م
Search
Close this search box.

لعبة الخروج والبقاء

لعبة الخروج والبقاء

من وقت لآخر ترتفع الاصوات المطالبة باخراج القوات الامريكية من العراق ، على الرغم من انّ ذلك لايعبّر ، في المرحلة الراهنة ، عن رغبة شعبية حقيقية ، فلا الكورد يرغبون به ، ولا السنّة تسعى اليه ، ولا الشيعة تريد ذلك . المطالبون به هم حلفاء ايران من الاحزاب الدينية ، الشيعية والسنّية، لاغير . والملاحظ انه كلما تزداد الضغوط الامريكية على ايران حدّة ، تزداد تلك الاصوات المطالبة بخروج تلك القوات ارتفاعا .
في هذا الوقت تصعّد الادارة الامريكية من ضغوطها السياسية والاقتصادية والعسكرية على ايران بشكل غير مسبوق . سياسيا تخطط لعقد مؤتمر دولي في وارشو خلال الاسبوعين القادمين ، سيكرّس لكيفية الحد من نفوذ ايران في الشرق الاوسط .. واقتصاديا تصعّد من اجراءاتها العقابية الى اعلى درجة ممكنة ، ولا تتردد بالضغط على دول العالم والشركات الكبرى التي تتعامل مع ايران على اختلاف انواعها والمؤسسات المالية الدولية للسير معها بهذا الاتجاه . وعسكريا فانها تحشّد قواتها في المنطقة وقريبا منها ، بل وفي العراق ايضا ، وتعطي لأسرائيل الحرية الكاملة لضرب تواجد ايران وحلفائها في اي مكان في سوريا واذا اقتضى الأمر في العراق ايضا .
هذه الضغوط ليست امريكية فقط بل هناك ضغوط دولية واقليمية ايضا ، وان تبدو أقل حدّة من الضغوط الامريكية . فالمجتمع الدولي بما في ذلك روسيا ينظر بقلق الى تمدد ايران وما يشكّله ذلك من تهديد لأمن الشرق الاوسط واستقراره .
ان المشكلة الحقيقية ليست في بقاء القوات الامريكية في العراق أو الخروج منه ، بل في استمرار الفوضى والنزاعات في المنطقة . ان المجتمع الدولي بات يدرك تماما ان الفوضى التي عّمت المنطقة خلال السنوات الاخيرة شكّلت ظرفا موضوعيا استفادت منه ايران بشكل كبير لتصدير ثورتها الى ابعد من العراق بعد ان مكّنها سقوط النظام السابق في بغداد من الاستحواذ عليه . وقد ادرك الروس قبل غيرهم انّ عودة الاستقرار الى المنطقة سيساهم بشكل كبير في الحد من نفوذ ايران وتمددها ، وان بقاء الرئيس الاسد في سوريا ودعمه سيساهم في عودة الهدوء ليس في سوريا وحدها بل الى عموم الشرق الاوسط . وعملت روسيا كثيرا من اجل اقناع امريكا والغرب والعرب بذلك ،وقد نجحت الى حد كبير في هذا المسعى ، وسنشهد قريبا عودة سوريا الى حاضنتها العربية . عند ذلك لن يكون الرئيس السوري بحاجة الى دعم ايران العسكري وسيكون وجود ايران مع حلفائها المحليين على ارض سوريا عبئا أمنيا وأقتصاديا كبيرا عليه. ستكون سوريا بحاجة الى الدعم المالي والاقتصادي لأعمار ما دمرته الحرب ، وهذه ليست موجودة عند ايران بل ستجدها عند امريكا والغرب والدول الخليجية العربية . وكذلك الأمر بالنسبة الى اليمن التي تشهد حاليا دعما دوليا كبيرا من اجل انهاء الصراع ، ستكون ايضا بحاجة الى المال الخليجي لأعمار مادمرته الحرب وليست الاسلحة الايرانية . انّ استقرار المنطقة وعودة الهدوء اليها هو الذي سيحد من نفوذ ايران وتمددها ، وليست قوة السلاح التي ستكون خيارا مكلفا ومحفوفا بالمخاطر ومشكوك في نجاحه ايضا .
لا احد يريد قوات اجنبية في بلده ولكن للضرورة احكام . فوجود قوات التحالف الدولي وأمريكا على راسها لحين عودة الامن والاستقرار الى العراق والى المنطقة يمثّل عامل توازن ان لم يكن رادعا يحول دون انفراد ايران بها . وفي الوقت نفسه لايوجد من يقف عائقا امام مساهمات ايران السلمية وان تكون واحدا من اللاعبين الاساسيين في الشرق الاوسط وليس اللاعب الاساسي كما تطمح اليه . هذا لن يكون مقبولا دوليا قبل ان يكون اقليميا او عربيا . ويبدو ان ايران بدأت تستشعر هذا الامر .

أحدث المقالات