23 ديسمبر، 2024 2:52 م

لعبة الاسرار الجديدة.. إنقلاب تركيا يهين المؤسسة العسكرية

لعبة الاسرار الجديدة.. إنقلاب تركيا يهين المؤسسة العسكرية

أحبطت محاولة الانقلاب، العسكرية في تركيا، مثيرة تساؤلات عن البنية السرية الجديدة لإدارة الأحداث، إذ لا يعقل أن يتصرف عسكريون كبار، في دولة عظمى، على طريقة لعب الاطفال، معرضين أمن البلد وحياتهم لخطر الإعدام، الذي طالب به أردوغان فعلا، في إجتماع مع البرلمان، عقده عقب الانقلاب الفاشل مباشرة، طالب فيه بإعادة العمل بعقوبة الإعدام، في قانون العقوبات التركي.
فهل هي فرصة للرئيس الناجي رجب طيب أردوغان، كي يمرر ما يصبو إليه، منتهزا الإنقلاب سانحة لقطع الحوار مع معارضي الأعدام؛ وبهذا يضمن التخلص من معارضي حكمه؛ بإعتبار الإعتراض على شخصه خيانة وطنية، على طريقة أنظمة الشرق الديكتاتورية.. “من يخطئ إجراءً رئاسيا يعدم” فكيف بمن يثور على شخص الرئيس؟
ردود فعل أردوغان سريعة وغريبة، إذ تغير من خوار ضعيف، الى قوي راكز، خلال بضع ساعات.. طلب اللجوء من إيران؛ فرفضت، وطلبه من ألمانبا؛ فأحجمت عن الرد؛ ما جعله يتوجه الى قاعدة “أنجرليك” الأمريكية في تركيا، ويتكلم مباشرة مع أوباما، الذي أبلغه بالعودة الى القصر الرئاسي، وممارسة مهام عمله رئيسا لتركيا؛ والشارع سيحسم الامر.
إذن أمريكا تتحكم بالشارع التركي، الذي أحبط محاولة الإنقلاب الصبيانية، التي لم يفكر خلالها قادة عسكريون كبار بإعتقال الرئيس والوزراء والنواب، بطريقة غريبة… تدل على تخبط غير عليم بشؤون الانقلابات، ولم يطلعوا على تجارب سابقة، برغم وفرة المصادر عن الانقلابات في الشرق؛ لأن العراق وحده شهد حوالى 15 إنقلابا عسكريا، منذ تأسيس الدولة، يوم 23 آب 1921، لحد الآن، وكذا سوريا ومصر وسواهما.. “ما هكذا تورد يا سعد الإبل”.. أبجدية الخطوات الاجرائية، للانقلابات والثورات تكاد ان تكون معروفة للجميع، وفي دول العالم الثالث بالذات، ومتابعو الأخبار المصورة المتلاحقة شدهم سؤال واحد: كيف لم يعمد الانقلابيون الى اعتقال او قتل رموز النظام الكبار وفي مقدمتهم أردوغان وبقية المسؤولين الكبار، كخطوة أولى أساسية تعتمد عليها بقية الخطوات او الصفحات بالتعبير العسكري، مكتفين باعتقال رئيس الأركان فقط، وعدم فاعلية طيرانهم ودباباتهم التي استخدمت بسذاجة هي الأخرى .
أجهض الإنقلاب، لكن تداعياته تبدأ من سذاجة منظميه، مرورا بعجالة العراق وسوريا لتأييد لعب الأطفال هذا، وليس إنتهاءً بدوافع الإنقلاب، وما يترتب عليه.
الشعب أجهضه، لكن من ذا الذي أشار على الشعب بالتصدي للإنقلاب؟ الجواب: أوباما! إذن أمريكا تتحكم بالحياة اليومية للبلدان.. ولا جديد في ذلك.
من هو الداعم للإنقلابيين؛ كي يقدموا على عملية كبرى، لم تستوفِ مستلزماتها ولا إجراءاتها ولا… أي شيء؟ وهل المحرض الخارجي.. والتكهنات تدور حول أمريكا.. لم يزودهم بالخطة الكاملة، ووجههم الى تلك الخطوات المبتورة.. غير المكتملة؛ كي يسهل عليه توريطهم ومن ثم إفشالهم؛ ليظل أردوغان رهين الفضل الأمريكي من جهة، ومهزوز.. يقلقه جيشه من جهة أخرى، فتتحول السلطة الى الإنموذج العراقي: “حكومة ضد شعبها” وهو مصطلح معروف في قاموس السياسة، طبقته بريطانيا على العراق، في أعقاب ثورة العشرين، وما زال ساريا.
حال الإعلان عن الانقلاب، سارع العراقيون والسوريون الى الإحتفالات العفوية في الشوارع؛ لأنهم متضررون من رعاية أردوغان لـ “داعش” وقبلها سلفها الذي نسلت من رحمه.. “القاعدة” وهما فقاعتان لتنظيم “الإخوان المسلمون” العالمي الذي يعمل بالتوازي مع “البناؤون الاحرار – الماسونية”.
إستفادت أمريكا من هز عرش “عصمان بك – أردوغان” قاطعة عليه طريق التقارب مع روسيا، الذي بدأت ملامحه؛ فأبطلته تماما.. وهذا واحد من أسباب تعزو التحريض على الإنقلاب الساذج، الى أمريكا.. وهو شأن غير مستغرب؛ لأنه ليس جديدا عليها.
دوافع الانقلاب معروفة، هي الإستيلاء على السلطة، أما تغيير السياسة، فمستبعد؛ لأن الانقلابيين، إسلاميون أيضا، وربما كانوا سيوغلون بالتنكيل الطائفي، أكثر من أردوغان.
بانت تداعيات الانقلاب، بضمان أمريكا، أن اردوغان، لن يتمرد عليها ثانية، ولن يتقرب لروسيا بعد ئذ، وسيحمل الفضل شاكرا، يترجم مشاعره الى إجراءات بخدمة المصالح الامريكية، ورهن إرادتها.
داخليا، سارع اردوغان الى مفاتحة البرلمان بالعودة الى حكم الاعدام! والآتي أخطر! إعتقل ١٠٣ جنرالات وادميرالات و30 محافظا و50 فردا من الدرجات الخاصة وإقالة ٨٠٠٠ شرطي و15000 موظف في وزارة التربية وعزل 2700 قاضيا و ١٥٧٧رئيس جامعة وعميد كلية و٦٠٠٠ عسكري من رتب أدنى وإغلاق فضائيات، مع إبقاء الاعتقالات والتسريح وباب العقوبات مفتوحة.. إنها فرصة لتصفية الحسابات! تدل على أن القوائم معدة سلفا قبل الانقلاب، الذي خطط له أن يفشل.
تمكن من إهانة الجيش، وهو يهزم أمام ميليشيات حزب أردوغان والشرطة، التي لا تعد قوة ضاربة، في أي من دول العالم، بل هي أقرب للعمل البلدي منها للمواجهات العسكرية؛ فغالبا ما لا يتخطى دورها محاصرة عصابة، وإلقاء القبض على أفراد مجرمين، وما هو أكبر من ذلك تستدعى له الجيوش، في كل العالم.. وإذا بالشرطة تهزم الجيش التركي!
فهل طبخت اللعبة بين أردوغان وأمريكا؛ ليتفرد بالحكم، مهمشا الجيش والقضاء والبرلمان والتعليم، سائرا بتلك المؤسسات الى أن تكون طوع قراره الشخصي.. متفردا بالسلطة!؟
وبهذا أجهزت إسلامية أردوغان، على علمانية مصطفى كمال أتاتورك، ولم يعد يبالي بظهور ذوي اللحى الذين لا يحملون صفة محددة رسميا، وهم يذبحون قادة الجيش؛ لإرهاب البلد كله، حتى الشعب الذي دافع عن بقائه في السلطة.. رئيسا.