17 نوفمبر، 2024 1:42 م
Search
Close this search box.

لطف من الله-3

قلت في لقائي الاخير ان للموضوع بقية …………
ها انا اكتب :
كانت ام سما قد اخبرتني بانها عدلت عن الانتحار الى امر آخر لذا بادرتها السؤال الاتي:
وما هو هذا الامر ……………؟
كنت اتوقع ان يكون استسلامها لإرادة الاهل هو الامر الذي اختارت بديلا عن الانتحار وقد كنت مخطئة في ذلك إذ اجابت :
ربما كان الانتحار ايسر بالنسبة لتلك الظروف الاجتماعية مما اقدمت عليه…!!!
اثار جوابها دهشتي وحيرتي فأي شيء اكثر من الانتحار آذى وازهاق روح بريئة فهو قتل متعمد مخالف للشرائع السماوية والقوانين الارضية الانتحار وما يسببه من الم وضرر وهو ما ستثار حوله الاحاديث وتختلق القصص سيما والمنتحرة طفلة في مرحلة المراهقة وهذا اكثر ما يمكن الاشارة اليه بل وربما الغمز واللمز فهتفت مستفسرة :
وماذا يمكن ان يكون ذلك …؟
اتكأت بكوعها على مسند الكرسي وتلجلجت كلماتها بنبرة الم وغضب ربما امتزجتا بندم بل وندم كبير وانبرت قائلة:
كان قراري كفتاة متمردة هو الهروب…………………!!!!!
فغرت فاها وندت عني آهة عظيمة تنبه لها البعض من الحضور فأسقطت كراستي من يدي متعمدة لأشغل الملتفتين نحوي واوحي لهم بأن تلك الآهة صدرت عني بسبب سقوط كراستي فعادت الانظار الى حيث خشبة الاحتفال واستدارت الرؤوس فهتفت بنبرة خوف وقلق:
وهل فعلت ذلك حقا………………؟
اجل …..حققت الامر بعد مشادة عنيفة وقررت ان اترك البيت …نعم قررت الرحيل عن بيت اهلي وما تعني هذه الكلمة الكبيرة بالنسبة لأسرة محافظة وفي بيئة محافظة الا ان نفسي وماهي عليه من طهر ونقاء وعفة اضافة لقوة ارادتها وذلك الكيان الكبير من التمرد في اعماقها كل ذلك جعلني امضي بالأمر ترافقني شقيقتي الصغرى فمضينا وركبنا الحافلة الى مدينة اخرى غير مدينتي ولم يكن متاعنا الا بضع كتيبات ومبلغ زهيد من المال لايكا د يسد الرمق ليومين.
كان قلبي يختلج خوفا مما سيأتي من الحديث وراحت صور كثيرة تتزاحم في مخيلتي والسؤال الكبير هو ماذا حدث بعد ذلك…؟
هتفت دون ارادة مني وكانت عيناي متسعتان على مداهما دهشة وخوفا وحيرة …
ماذا حدث بعد ذلك …………….؟
قالت :
كان الله معنا رقيبا وحافظا …نعم انه لطف الله تعالى ورحمته فحين ركبنا الحافلة جلست الى جوار النافذة ورحت اعد على اصابع يدي الاشجار ومنعطفات الطرق وفي اعماق نفسي الم كبير وتتلاحق صور شتى عما يمكن ان نفعل بهذا الهروب …الى اين …وماذا سنعمل …وكيف سيكون موقف الاسرة من هذا الهروب…؟تساؤلات كبيرة تدور في خلدي ولكن الغضب يزيح هذه التساؤلات ويصور لي فكري انني قادرة على التحدي ولابد لي ان احقق حريتي التي اريد.
لماذا الهروب ….انه امر خطير في تلك السن الخطرة…؟
كنت اريد ان اعيش انسانيتي وان اكمل طريقي واعمل دون اي تدخل من اي احد فأنا ابحث عن انسانيتي الضائعة في بيئة ظالمة وفي بيت ظالم وهذا وحده كان هو يقيني وهو هدفي الوحيد وايماني الحقيقي.
نعم وماذا بعد ذلك …؟
تهدج صوتها وكأنها تستعرض كل ذلك بينما كان الحاضرون يصفقون لأحدى المشاركات الجميلة لفتاة اخرى غير (سما ) وقد حصلت على شهادة تقديرية في التصوير اذ كانت لها صورا جميلة حازت اعجاب المختصين بهذا الفن فن التصوير الفوتوغرافي.
ومن جديد عاد الهدوء الى القاعة ولكني لم اترك الحديث فطلبت الى أم سما ان تكمل حديثها وكان الاتي:
كما قلت انني هربت وكنت اريد ان اجد نفسي قبل كل شيء واثبت اني قادرة على مواجهة اية عاصفة واية صاعقة وكنت بريئة براءة الحمام وطيبة كما الورد ولكن من كان سيصدق ذلك ومن سيصدق بأنني لم أذهب
لسبب آخر غير طلبي لمعرفة نفسي واثبات انسانيتي ….هنا شعرت بمزيد من القلق واستطيع ان اقول ربما الرعب لما سيحكمون عليَّ على الرغم من اني في قرارة ضميري كنت مطمئنة بأن ذلك التمرد كان جزءا من ثورة عارمة ضد تلك العبودية التي تحتويني مذ ولدت بل وتكبل كل بنات جيلي .
وطوال الطريق كنت احاول ان اجد لنفسي موطئ قدم اسير به نحو ما اريد.
وتوقف الباص وهبطنا منه ولكن الى اين…؟ لا ادري…وبعد لحظات من التفكير قررت الاتجاه الى احد الاماكن العامة التي كنت اسمع بها وقررت ان اراها حقيقة فدخلت الى تلك الحديقة العامة وكان الوقت ضحى فجلست مع شقيقتي ورحنا نتساءل اين سنمضي وماذا سنفعل وعاودني السؤال مرة واخرى ثم داخلني شعور بعدم الاطمئنان والخوف من عدم ايجاد عمل وسؤالي الكبير هو اي عمل اي عمل سأقوم به وفيما انا في تأملاتي وافكاري ايقظني صوت شقيقتي وهي تشير الى سيدة في المكتب الاداري لتلك الحديقة العامة وكانت تشير الينا ان نمضي اليها وفعلا مضينا اليها والقينا عليها التحية وسالتها
نعم ماذا تريدين يا سيدتي …؟
رفعت السيدة وجهها اليَّ كانت جميلة ورقيقة وابتسامة طيبة تزيدها رونقا وجمال ولكن كان هناك سؤال يلح ويظهر على ملامحها ولا تريد ان تهتف به ربما لأنها ترى امامها مجرد طفلة …نعم مجرد طفلة وربما كانت طفلة كبيرة .
هتفت السيدة قائلة ومتسائلة:
اراك هنا جالسة تتأملين …تبدو عليك الحيرة…ماذا هناك تحدثي قد استطيع مساعدتك.
في الحقيقة ابتهجت لسؤالها ولأنني لا أعرف الزيف او الادعاء فقد حدثت تلك السيدة بحقيقة الامر فبانت عليها الدهشة وربما القلق وربما عدم تصديق هذا الامر.
اقول الصدق سيدتي وهذه هي حقيقة الامر.
كانت نظراتها تخترق اعماقي كأنها تستعين بذلك لتصل الى الحقيقة لذا قلت بنبرة صادقة:
نعم اريد ان اعيش واعمل بلا قيود ومن غير استعباد لأنني اعتبر ضميري وضميري فقط هو خير رقيب.
هتفت السيدة :
ذلك امر بسيط من يمنعك عن العيش بحرية مع احترام التقاليد والقيم الاجتماعية.
اجبتها بثقة وهدوء:
ان الاهل يضيقون عليَّ وهم يمنعوني الكثير من الاشياء التي احبها واعتقد انها اساس الحياة الانسانية.
اجابت السيدة وهي تتأملني مليا:
انك ما زلت طفلة ومن الصعب عليك ان تميزي الجيد من السيء في هذه الدنيا.
واستطردت قائلة:
انظري لي انا سيدة متزوجة ولي اطفال ومثقفة وارملة ولكن حين قررت اكمال دراستي في الخارج رفض اهلي الامر فما استطعت ان اقاومهم او اخالفهم ,فكيف تستطيعين وانت الصغيرة ان تحققي لنفسك ما تريدين بهذه الطريقة التي تضر بك وبمصلحتك ,لا يا ابنتي عليك ان تعودي من هذه اللحظة فأنا مرشدة اجتماعية هنا واحمدي الله تعالى على انك لم تتعرضي لأي سوء وتذكري بأن الاخرين سوف لا يفسرون تصرفك هذا الا….
كان لهذه (الا) معنى استطعت ان ادركه من خلال نظرة الخوف والقلق التي ارتسمت على وجه السيدة ومن ثم احسست بها فامتقع وجهي بلون الدم واحسست نارا تحرقني وخوفا وهلعا يحتوياني فكدت اسقط ارضا وصرخت مرغمة …لا…لا.. وكأنني أمام وحش جبار يهاجم كبريائي وانسانيتي وعدت اردد لا…لا ارجوك وانت شاهدة على ما اقول فقد خرجت من البيت قبل ساعة ونصف من الان ودخلت هذا المكان وانت اول الشاهدين.
ابتسمت لي وشاركتها الابتسامة سيدة اخرى كانت تشاركها المكتب وبعد لحظة من الصمت هتفت السيدة:
ان ما سأقوله لك ليس طلبا يا عزيزتي بل هو امر وعليك ان تنفذيه وان تقدري ما سأقول وتثقي به وهو انني سأزورك في بيت اهلك وسأعمل على جعلهم اكثر قربا من افكارك …نعم ان افكارك طيبة وما ترومين يدل على وعيك وثقتك بنفسك فأنت لم ترتكبي خطأ ما يشين كرامتك ولكن هناك من الامور التي لا يستطع ان يحققها المرء بين ليلة وضحاها.
ولكني لا أطلب المستحيل فقط اريد ان اعبر عن ارائي واوضح وجهة نظري واخطط لمستقبلي ما ارتضيه لنفسي وليس الذي يريده لي الاخرون.
نعم يا صغيرتي كل ما تأمليه طيب وجميل ولكن عليك ان تعذري عائلتك فهم يحبونك ويخافون عليك لذا واجهوك بما تسميه انت القسوة وفي الحقيقة انهم حريصون على حياتك وسعادتك لانهم لا ينفصلون عن الاخرين ولابد لهم من ان يلتزموا بالتقاليد والاعراف ويحترمونها ولا يرضون لك ان تكوني كبش فداء التحدي والتمرد فتنالك من الاخرين سهام غادرة ,
وهل انا اخطأت في هذه الافكار وهذه التطلعات وهذه الرغبة في تحقيق ما اريد…؟
لا…انك لم تخطئي قط …ولكن كان عليك ان تكوني اكثر صبرا وأكثر تحملا فالمزارع الذي يرمي البذور في الارض لا تنبت وتثمر بالدقائق والساعات ولكن لكل بذرة دورة للحياة والنمو والاثمار, نصيحة تقبليها مني واستمعي اليها جيدا ,عليك ان تعودي الان واوكد لك انني سأزورك في بيت أهلك ..
وبنبرة ملؤها الحنان عادت تسألني…؟
ها ماذا تقولين …أجيبي…؟

أحدث المقالات