23 ديسمبر، 2024 6:50 ص

يمضي معنا شارع الذكريات بتوازٍ مع حلم خطواتنا باستعادة فصول الحياة التي كانت هناك ، وحتما ذاك العالم بأشيائه البسيطة فيه ما يجعل البشر قلقين على مستوى الهدوء والقناعة في حياتهم بعد أن زال خطر الطوفان الكبير منذ زمن نوح واتت اليهم اخطار تتمثل بالنسبة لهم في صور لم يستعبروا منها ( الأمراض ، حوادث الغرق ، شهداء الحروب حين بدء ابناؤهم بالذهاب الى ثكنات الجيش والربايا والخنادق الشقية ، واخيرا لصوص الدواب ).

لكن لصوص الدواب بالنسبة لسكان دولتنا قرية ( أم شعثه ) هو الهاجس الليلي الذي يجعلهم يتمنون لسع البعوض القوية حتى يظلوا مستيقظين ليحفظوا جواميسهم من لصوص الدواب ، وربما يبتلي احدهم بتلك اليقظة الاجبارية حين يشاع بين الفرى أن جاموسته المسماة ( هدله ) هي الاجمل بين الجواميس في مشيتها وحجمها وانتاجها للحليب.

في المساء وأنا أجلس أمام بوابة بيت المعلمين يجذبني دلال مشية ( هدله ) ، التي بعد سنوات من تلك المشية الغزلية في المساء المشرق بعذوبة خيوط شمس مذهبة لربيع ينتشي فيه الدواب بسبب اخضرار القصب والشعور بلذة الماء البارد ، بعد كل تلك السنين يدعوني صديق لحضور عرض ازياء باريسي للنساء الممتلئات واللائي يطلق عليهن المعدان لقب ( المْربربات ) أتذكر بين مشية عارضات الازياء المكتنزات بالشحم الاوربي ( المْلكلك ) تلك الجاموسة التي تفيض انوثة بالنسبة لطبائع فصيلتها من الحيوانات ، وهكذا دلال حين يكتشف بين الدواب في المجتمع الهندوسي يعملون له كرنفالا راقصا تطربهم فيه موسيقى القوة الروحية لتلك الانوثة الحيوانية التي تدر الحليب والنظرات العاطفية ويكون طقس شرب بولها وكأنهم يشربون يوريا الواين المالح ، ولكن ليس بالطعم الرائع للواين الايطالي الاحمر الذي شربناه احتفاء بنهاية حفل عرض النساء البدينات.

ذات يوم اعلن في القرية ذلك الخبر الحزين عندما نجح لصوص الدواب في سرقة ( هدله ) ليسكن قلب صاحبها ( لهمود ) الحزن العميق ، وليتحول كما ماجلان وهو يدور بين القرى ليبحث عن جاموسته ، لكن اي واحد لم يشاهد هدله ولم يعرفَ من سرقها ، غير ان اخبارا خفية اشارت انهم نقلوها الى هور الحويزة الإيراني .

قلت : لقد عبرت هدله الحدود بدون جواز سفر . وبات اعادتها الى وطنها صعب جدا.

صيهود ارتضى بقدر فقدانه لجاموسته المدللة وتخيلها في المكان الجديد وهي فريسة لشهوات الذكور من الجواميس لأجل تحسين انسال اناث جواميسهم هناك.

ذات يوم وبسبب شوقه اليها قرر ( لهمود ) السفر الى هور الحويزة وبدون جواز سفر صوب قرى المعدان الذين يسكنون في الجانب الايراني لعله يعيد (هدله ) حتى لو دفع فديتها .

ذهب الرجل ولأسابيع يبحث عن الذي سلبه منه لصوص الدواب وباعوها الى معدان الاهواز ….

اسابيع وعاد ولكن بدون هدله ، وحين سألته :

أن كان وجد اثرا لجاموسته ؟

قال :ورأيتها ايضا .

قلت : ولماذا لم تجلبها ؟

قال :لا فائدة منها ، لقد حولوها لصوص الدواب الى جلد وعظم ، فهم لم يبيعوها يوم سرقوها ، بل صاروا يأجرونها ( للمكافز فقط )………!