17 نوفمبر، 2024 5:49 م
Search
Close this search box.

لسنا ملائكة!

رغم ان احداً منا لم يرهم او يعرف عنهم اي شيء عياناً ولم يدعي احد ذلك الا نبي او ولي من اولياء الله الا ان ذلك لم يمنع الكثير منا من الادعاء بأنهم ملائكة في القول والفعل ورغم ان افعالهم لا تدل غالباً على اي صفة شبيهة بالملائكة الا ان اغلبنا يصر على تبرئة نفسه من كل تهمة ومن كل عيب ونقص حتى يكاد يصف نفسه بالكمال والملائكية السلوكية ولكن هل هذا صحيح؟ وهل هو ممكن؟ ان يصبح البشر ملائكيين قولاً وفعلاً وعبادة وطاعة لله ومعرفة له وتفانياً في امتثال اوامره تعالى؟ لنناقش ذلك ونحكم!
من هم الملائكة؟
ان اول سؤال يتبادر الى الاذهان حين الكلام لأول مرة عن الملائكة مع طفل صغير او شاب مراهق او باحث عن الحقيقة، هو من هم الملائكة؟ وما صفاتهم؟ ولأي شيء خلقوا؟ وما وظيفتهم؟ وغيرها من الاسئلة التقليدية الكثيرة التي يثيرها المبتدئون في عالم البحث في اللامرئيات او الغيبيات بصورة عامة، وفي معرض الجواب على هذه الاسئلة تأتي الاجوبة التقليدية ايضاً من انهم مخلوقات نورانية تختلف مادة وتكويناً وتركيباً عن بقية المخلوقات العاقلة (الجن والانس) من حيث انهم كائنات عقلانية وعقلائية لا تمتلك غريزة ولا شهوة ولا جوعاً ولا شبعاً ولا عطشاً ولا تكاثراً ولا تزاوجاً ولا اي صفة جسمانية مما يمتلك البشر والجن وانهم خلقوا اصنافاً وانواعاً شتى فمنهم البناء للجنان والقصور التي فيها بناءاً على اوامر الجبار العظيم مالك السماوات والارض او استجابة لعمل صالح لأحدنا يوجب له بناء قصر في الجنة او غرس شجرة او حديقة او روضة في الجنان او غيرها ويقوم البعض الاخر بالاستغفار للمؤمنين والاستشفاع لهم عند الرب الغفور الرحيم في حين يقوم اخرون بإحصاء الحسنات والسيئات لبني البشر (والجن ربما) ويقوم اخرون بتعذيب الجاحدين في نار جهنم التي وعد بها المجرمون واخرون يسبحون ربهم بالعشي والابكار وعلى مدى الدهور والايام لا يفترون ولا يتوقفون واخرون واخرون وما يميز كل هؤلاء انهم كما وصفهم ربهم في كتابه العزيز (لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون).
ومن نحن؟
نحن بنوا ادم النبي الاول والاب الاكبر لهذه السلالة من الاوادم وقد سبقنا عدة سلالات ادمية وستلحق بنا ربما عدة سلالات اخرى وما يميزنا اننا دم ولحم وعظم وجلد وروح وعقل وغرائر وتكوبن معقد شائك متعدد الابعاد نصفه (روح الله) (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) ونصفه الاخر طين من حمأ مسنون اي من تراب ممزوج بالماء والمواد العضوية المترسبة في التربة وقد امرنا ان نعبد الله وحده لا شريك له وان تكون بوصلتنا في الحياة والهدف من وجودنا ان نعرفه تعالى ونسعى للتقرب منه بإرضائه بعمل بما امر والابتعاد عما نهى حيث يقول تعالى (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) وفي هذا الطريق نواجه مصاعب ومتاعب يسببها ابليس اللعين والنفس الامارة بالسوء والجسد بغرائزه والذي يحن الى اصله الترابي السفلي المتباعد عن الروح والسمو الى الاعلى وتواجهنا ايضاً مطبات وعثرات وامتحانات لأثبات جدارتنا بالتقرب من الله واستخراج افضل ما فينا كما يستخرج افضل ما في المعدن بتسليط النار عليه لتخليصه من الشوائب التي تعلق به من هنا وهناك وابتلاءات نخضع لها لتساعد على غفران الذنوب وجوهرة الروح وصقلها.

نحن والملائكة:
بدأت قصتنا مع الملائكة حين طلب منهم قال لهم الله تعالى انه جاعل في الارض خليفة فاستفسروا عن هذا الخليفة وعن عمله في الارض وانه سيفسد فيها ويسفك الدماء بطريقة جعلت البعض يعتقد انهم قد رأوا انفسهم احق بالخلافة من بني ادم او انهم قد علموا ما فعل الاوادم قبلنا من افساد وسفك للدماء وغيرها من التفسيرات التي دفعت البعض الى اعتبارهم اعداء للبشر كما يعبر عن ذلك بعض القصص والروايات العالمية بل وحتى الافلام التليفزيونية وواضح ان هذا التصور خاطئ جداً فهم فضلاً عن كونهم ليسوا اعداءً للإنسان ولا يتصرفون بملء ارادتهم كما ذكرنا سابقاً بل يفعلون ما يؤمرون اقول اضافة الى كل هذا فهم رسل الوحي وشفعاء بني البشر من المخطئين التائبين وهم بناة جنات الخلد لمستحقيها من بني البشر.
الافضلية لمن؟
رغم ان كلامهم عن افسادنا في الارض وسفكنا للدماء كان في محله على الاقل لحد الان وعبر الالف السنين التي تفصلنا عن ابونا ادم ونزوله للأرض بل ان الامر لم يستغرق غير وجود اربعة نفر من البشر حتى سفك بينهم الدم وقتل الاخ (قابيل) اخاه (هابيل)، رغم كل هذا وكوننا ندمر بعضنا البعض وندمر الطبيعة حولنا واننا يستعبد القوي فينا الضعيف ويسحق فينا الغني الفقير ويتسلط بعضنا على بعض ويدس الدسائس ويكيد المكائد ووو غيره الكثير مما لا يحصيه الا الله تعالى الا ان استفساراً يطرأ هنا وهو رد الله تعالى  عليهم بقوله (اني اعلم ما لا تعلمون). فما الذي قصده تعالى بذلك؟ هل انكر عليهم قولهم او كذبهم؟ قطعاً لا فقولهم اثبت صحته نسبياً (لحد الان) ولكنه تعالى قصد ان منهم (البشر) من سيخالف ها ويعمل بما خلق لأجله بل ويكون بمنزلة تجعل الملائكة يسجدون له سجود تكريم وتعظيم وشهادة بالأفضلية وهذا ما خلقنا لأجله ان نعمل بما يرضي الله الى الدرجة التي توصلنا الى مرتبة تفوق الملائكة بكثير فهم عباد الله المكرمين والمقربين ولكنهم غير قادرين على معرفة الله تعالى بأكثر مما جبلوا عليه اما بني البشر فأفاق عقلهم تمكنهم من الوصول الى معرفته تعالى بدرجات تجعل الله تعالى يباهي ملائكته ببعض عبيده العارفين العالمين العابدين له بحق حتى قال الرسول الاكرم محمد (ص) انه لم يعرف الله تعالى حق  معرفته الا (محمد وعلي) صلوات الله وسلامه عليهما والهما وقال تعالى في حديث قدسي معروف (عبدي اطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون) وهذه درجات لا يبلغها اي ملك مقرب مهما كثرت عبادته وزاد قربه من ربه تعالى. اذا نحن الان اسوأ بكثير من الملائكة قولاً وفعلاً وعملاً ولكننا خلقنا لنكون افضل منها بكثير فهل نعمل لذلك؟ اتمنى ذلك.

أحدث المقالات