-1-
صدرت مؤخراً جملة تصريحات غريبة وغير منطقية من بعض مسؤولي الحكومة الاتحادية ، تريد القفز فوق الأحداث والأشياء ، لتذكرنا بالحركات البهلوانية التي لا تنتج على الدوام بطلاً.
صدور هذه التصريحات في وقت تنزف البلاد ألما، جراء الارهاب الداعشي وفلوله الارهابية ، التي تريد زراعة الموت في كل شبر من البلاد أمر يتنافى وحقائق الاشياء ومتطلبات المجابهة ، التي من أولى مقتضياتها وجود تفاهمات وطنية واستراتيجية للوصول الى أعلى مستويات التنسيق .
من المؤسف ، أن تعوّم البلاد في التداعيات بدلاً من الاستدراك ، وبناء استراتيجية مواجهة ترقى الى مستوى الاخطار المحدقة ومراميها الموجهة، ولعبة التصريحات الفجة ، حين يكون الامر متعلقاً بقضايا حساسة ومصيرية ، إذ لا تلعب دوراً في أي حراك مفيد ، فضلا عن إن طابع التصريحات على مختلف المستويات تغيب عنه مرجعياته الاساسية ، وهذه هي إشكالية الفهم والمفاهمة.
إن البيشمركة الذين يتصّدون للارهاب في أوسع جبهة مجابهة عرفتها المنطقة والعالم ، حيث إن امتدادها يزيد على الألف كيلومتر ، فضلا على التعقيدات اللوجستية ونقص التسليح وأشكال الدعم الأخرى ، وبرغم ذلك إستطاعت كسّر شوكة الارهاب واحالته الى قصة خرافية ، في وقت لم تف فيه الحكومة الاتحادية بالتزاماتها ازاءها.
إن التاريخ الكفاحي لنضال البيشمركة ، شكل قاعدة صلبة لمختلف القوى الوطنية ، التي كافحت من اجل قضية الانسان والحرية في البلاد.
فقد اتخذ كفاح الكورد شكل التصّدي البطولي، لشرور الانظمة القمعية المتعاقبة وسياساتها الطائشة الشوهاء، التي نخرت في جسد البلاد، وأهدرت مقدراتها البشرية والاقتصادية، بمشاريعها المغلفة بأشكال الشعارات الزائفة، التي لم يكن لها الى جانب اساطيل الاعلام المسّخرة سوى محاولات تزييف الوعي الجماهيري ، بما يجعله أسير حالة ضبابية، يسهل معها تضييع الحقائق وقلبها، حتى مع مديات الرؤية الواضحة للاشياء وعناوينها.
منذ ذلك الوقت ، أكتسب نشاط مجمل الحركة الوطنية المتطلعة للحرية والانعتاق قوة وطاقة حركية متنامية، فتوالي قصص الانتصار التي صنعها البيشمركة ، مزق نسيج أكاذيب السلطات وإستحكاماتها الزائفة ، لتخلق حالة مّد معنوي إمتد الى كل ناحية وزاوية في البلاد ، لتوقظ حيوية التصدي مجدداً بعد حالات الانكسار والقمع للقوى
الوطنية في معاركها مع السلطات. كوردستان المحررة والمحصّنة ، بسواعد البيشمركة غدت ملاذا للوطنيين الاحرار من مختلف المشارب، والمراحل.
فالبيشمركة هذه القوة المقتدرة التي تعلمت من مدرسة الكفاح الكوردي قوة المبادئ القومية والاخلاقية وصفات التضحية بالنفس ، ليس من أجل الكورد وحدهم ، بل من اجل الآخرين ، وتلك أرفع خصال الشجاعة.
إن تاريخ الكورد الحديث والمعاصر، يعبق بقصص انتصاراتهم حتى في أحلك الظروف، حيث يستطيع هؤلاء قلب المعادلات دائماً فعلى مختلف المراحل حاولت الحكومات السابقة تجييش الجيوش المدعمة بصنوف الاسلحة الفتاكة والمتطورة ، وأشكال الدعم اللوجستي الخارجي لشن الغارات على مواقع الثورة ، ولم تستطع تلك التحركات العسكرية ، برغم زخمها وكثافتها النيل من أرادة البيشمركة او زحزحتهم .
واليوم يدافع البيشمركة عن البلاد وعن كوردستان ، التي تحتضن أكثر من مليوني نازح من مختلف مناطق البلاد طلبا للأمن والطمأنينة ، التي تتحقق بفضل صمود وتضحيات البيشمركة وسائر المنظومة الأمنية الكوردستانية .
ناضل البيشمركة الابطال وزهدوا بدمائهم من اجل رفعة الوطن والمواطن ، وقاتلوا بضراوة كبيرة لم يعرف لها مثيل ، والأهم إنهم حرروا نصف الاراضي بمفردهم ، ومن دون الاعتماد على أي احد ، بل قاتلوا الارهاب نيابة عن العالم في ظل ظروف
أقل ما يقال عنها انها بائسة ، حيث العداء من كل حدب وصوب ، ذاك العداء المرضي النابع من الغيرة والحسد والعُقدّ من قدرات قواتنا ، وليس بالأمكان محاولة التقليل من شأنها بحسابات الواقع والوقائع ، لأن الدلو في هذا المجال تعني وضع قدم في وحل الهزيمة .
على جميع الاطراف المعنية بمستقبل المنطقة ، ممن يتدافعون عبر ممثليهم أن تعي حقيقة الوجود العسكري على الارض الآن ، وفي المستقبل لأن ذلك يعني الدخول في التفاصيل وإنتزاع الحقوق ، ودماء الشهداء غير قابلة للمقايضة على أشياء زائلة ، لذا نعيد قولنا بأننا لسنا بنادق للإيجار .
-2-
عقد في واشنطن مؤتمر دولي لمكافحة الارهاب ، حضرته نحو سبعين دولة متحالفة بقيادة الولايات المتحدة ، ويأتي انعقاده في حالة سباق وحشد امريكي – اوربي في الشرق الاوسط بعد التهديدات التي طالت القارة الاوربية. المجتمع الدولي لم يعد يتحمل المزيد من جرائم الارهاب ، والمشكلة هي إن الاغلبية الساحقة من الارهابيين هم من بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا ، ما يضع مسؤولية كبيرة جداً على عاتق هذه البلدان والرأي العام والاحزاب والمنظمات السياسية فيها ، وتدفع حاجة ماسّة هذه البلدان ايضاً الى خلق رأي عام قوي مناهض للعنف وافكار التطرف وسائر اعمال العنف من اجل تغليب منهج المشاركة السياسية السلمية.
تواجه شعوب ومكونات هذه البلدان موضوعياً ، قوى ومجموعات معادية لأي تطور نحو إشاعة الحريات والديمقراطية والتعددية ، التي مهما اختلفت في عناوينها وأسمائها فهي تشترك في هدف ممنهج واضح يتجلى في مقاومة التحول نحو الاصلاح والتغيير.
إيلاء المؤتمر أهمية غير مسبوقة في بحث إنتشار ظاهرة التطرف ، تشي بمدى الثقل الذي ينفر تحته المجتمع الدولي ، لحثه الخطى لوضع حد لها ، فالوضع في عموم الشرق غدا وخيما ، وكما إن أمن الشرق الاوسط ضمانة للأمن الدولي وعلى الخصوص الأوربي. وعلى المجتمع الدولي وهو يواجه هذه المشكلة ، أن يعمد الى تحسين وتفعيل آليات عمله التنفيذي لمختلف القرارات التي يتخذها.
شارك العراق بالمؤتمر في حين غُيِّب عنه الاقليم ، لأسباب هي ديدن وضعنا الراهن في إثارة الخلاف في وقت أحوج ما تكون البلاد فيه الى جهود جمعية ، تصب في مصلحة أمنه وسلامة أبناء ، فما من شك إن إقليم كوردستان حطّم إسطورة الارهاب برغم قلة الامكانات ونقصها تسليحا ، وقد أشاد العالم كله ببطولات البيشمركة والاقليم ، وعّد مقاتلته للارهاب نيابة عن العالم بأسره.
إن مشاركة الاقليم من شأنها منح قوة أكثر فعالية ، وتحقيق المزيد من التضامن والمساعدة الدولية للبلاد ، فضلا عن حجم المواجهة وأشكالها .
إن إطلاع المجتمع الدولي على واقع المجابهة الكوردستانية من شأنه ، تشديد الأصوات الدولية بضرورة تقديم المزيد من المساعدة للإقليم ، وهذا ما يفهمه الشارع الكوردستاني من إن الحكومة الاتحادية لا تتحمل المسؤولية الدستورية والقانونية ازاء شعب كوردستان ، ولا تريد الآخرين يساعدونه ، وهي معادلة لا تصب في مصلحة الشراكة على الأقل من منظورها الجماهيري ، فضلا عن ان الإقليم يجابه الارهاب منذ سنوات بحرب ضروس ومؤتمر كهذا ، يقتضي مشاركته بحكم الضرورة والأهداف .
وحتى متى نخطو في مشروعنا الديمقراطي نصف خطوة للأمام وخطوتين للوراء؟.