لـم أكـن أخـفـي فـرحـي وسـعـادتـي عـنـدمـا تـم عـقـد الـقـمـة الـعـربـيـة فـي بـغـداد مـطـلـع الـصـيـف الـمـاضـي ، عـلـى الـرغـم مـن الـمـبـالـغـة فـي الـمـصـاريـف الـهـائـلـة الـتـي أنـفـقـنـاهـا ، والإجـراءات الـمـشـددة الـتـي رافـقـتـهـا ، ولـكـن الـشـعـور الـسـائـد آنـذاك كـان مـآلـه أن الـوطـن بـدأ يـتـعـافــى ويـضـمـد جـراحـاتـه وتـنـدمـل أخـاديـد الـنـزف رويـدا ً ، وأنـه عـاد كـسـابـق عـهـده إلـى حـاضـنـتـه الـعـربـيـة ، وتـحـمـلـنـا كـل تـلـكـم الـمـشـقـات فـي سـبـيـل إنـجـاح ذلـك الـعـرس الـكـبـيـر ، ولـكـي تـعـود بـغـداد ( الـجـواهـري ) إلـى ألـقـهـا وتـحـتـضـن مـمـثـلـي قـريـنـاتـهـا مـن الـعـواصـم الـعـربـيـة ، وبـقـيـة الـضـيـوف .
أمـا أن يـريـد الـبـعـض طـوي سـنـوات الـجـهـل والـتـجـهـيـل الـجـديـد الـمـقـصـود ! والـقـديـم الـمـوروث بـهـذه الـسـرعـة ، ويـسـمـو بـعـاصـمـتـنـا فـي أمـنـيـات ضـالـة ، وأحـلام تـائـهـة ، لـيـجـعـل مـنـهـا بـكـل زيـف ( عـاصـمـة للـثـقـافـة ) فـهـذا قـفـز فـوق الـواقـع وريـاء .
عـن أي ثـقـافـة يـتـكـلـمـون ؟
عـن بـغـداد الـتـي هـجـرهـا قـسـرا ً مـثـقـفـوهـا ومـطـربـوهـا، ومـمـثـلـوهـا، وفـنـانـوهـا التـشـكـيـلــيون ، والـمـسـرحـيـون والـسـيـنـمـائـيـون ؟
عـن بـغـداد الـتـي لا تـوجـد بـهـا دار عـرض واحـدة للأفـلام الـعـالـمـيـة الـجـادة والـرصـيـنـة؟
عـن بـغـداد الـتـي لا تـوجـد فـيـهـا دار للأوبـرا والـبـالـيـه ، ولا فـرقـة واحـدة للـرقـص الـفـلـكـلـوري ، ولا فـرقـة سيمفونية تـصـدح بـالـسـيـمـفـونـيـات بـحـق وحـقـيـقـة وليس بالاسم فـقـط ، وطـال الـخـراب والـغـلـق أنـديـتـهـا الـثـقـافـيـة والاجـتـمـاعـيـة والتـرفـيـهـيـة ؟ أم عـن بـغـداد الـتـي بـحـاجـة مـاسـة لـتـشــيـيـد ألـفـيـن مـدرسـة جـديـدة ومـئـات الـمـكتـبـات الـعـامـة ، ومـنتـديـات الـفـكـر الـحـر ، والـمـراسـم ، وخشـبات الـمـسـارح .
إذا كـانـت الـثـقـافـة مـفـردة ذات مـعـانـي وعـنـاويـن كـثـيـرة ، فـأفـتـونـا يـرحـمـكـم الله عـن أي ثـقـافـة تـتـحـدثـون ؟