الفرق مابين الثورة والانتفاضة ، الثورة تصعيد عمودي بمعنى انه تحتَل موقع بعد موقع وبعدها تحقق هدفها النهائي ان تهيمن على مفاصل الدولة بعد احراق مرحلة و ولادة مرحلة جديدة ، اما الانتفاضة فهي تصعيد افقي يتوهج مرة ويخبو احيانا ، وهكذا ، انتفاضة تشرين تمركزت بسوح التحرير ولم تتقدم ولم تحتل موقع اخر ، في بغداد ، الناصرية، النجف ، كربلاء ، البصرة ، الكوت والديوانية كل منها تمركزت بساحة واحدة بكل محافظة، استمر الحال لعدة اشهر لانها مشغولة بتهيئة الضرف الموضوعي لنشوء الثورة الا وهي الثورة الاجتماعية التي تؤدي لثورة سياسية واقتصادية ، لايمكن القيام بثورة سياسية بدون ديمقراطية ولايمكن ان تنجح الديمقراطية بدون اقتصاد متين ذو قاعدة صلبة ، اذن الانتفاضة تختلف عن الثورة .
كومونة باريس ، الكومونة بمعناها اللغوي جمعية او رابطة او بلدية ، هذه شغلت العالم وأُشٍبَعت دراسة وتحليل لغاية يومنا هذا مع العلم أنها استمرت ٧٢ يوم فقط وتم قمعها واسقاطها بمساعدة سلطة بسمارك انذاك اي بتدخل خارجي ثم أنطفئت ، بينما انتفاضة تشرين منذ بداية الشهر العاشر لغاية اللحظة مازالت تمور ، انتفاضة تشرين منعطف تأريخي بغاية الاهمية ، البعض يسميها ثورة ، أذن هل نجحت الثورة ام فشلت ام تم الغدر بها ، حاولوا الغدر بها مرة بساحة الوثبة و مرة حاولوا القضاء عليها بحادثة المطار باعتداء امريكي آثم ، ومرات عديدة حاولوا الالتفاف عليها ولكن جميع محاولاتهم فشلت ومازالت الانتفاضة مستمرة ومتوهجة .
انتفاضة تشرين ، اول انتفاضة سلمية تستمر لعدة أشهر رغم طوفان الدم ، اول انتفاضة سلمية يصل عدد شهداؤها مايقارب ٦٠٠ شهيد وعشرات الالاف من المصابين اول انتفاضة تسهام بها المرأة مساهمة فعالة وتقف جنب الى جنب مع اخيها الرجل وتعرضت للخطف والاعتقال والاغتيال ولم يقتصر دورها على تهيئة الطعام والطبابة ، اول انتفاضة كأنها جبهة قتال ، فيها المرابطون على حاجز الصد الامامي وفيها مفارز طبية منتشرة على طول ساحة التحرير ، شباب وشيب داعمون ومتواجدون بالساحة ، دعم لوجستي شعبي شاركت فيه فئات مختلفة من المجتمع ، فنانون حولوا ساحة التحرير والنفق الى معرض وثقوا فيه اسماء الشهداء واهم فعالياتهم ، اول انتفاضة تتحول فيها عجلات التكتك الى سيارات اسعاف لنقل المصابين مجانا يصاحبها اناشيد حماسية تحث الناس على الثبات .
الانتفاضة تعرضت لإرهاب مبرمج قتل واختطاف واعتقال وتغييب و تسقيط وطعن بالسكاكين ، استمرت الانتفاضة بكل عنفوانها وبرزت شريحة مهمة بالمجتمع ، انهم الطلبة ، ايقونة الانتفاضة .
الخطف شمل الفتيات وهذه اول مرة بتاريخ العراق تتعرض الفتيات للاختطاف بمظاهرة او انتفاضة ، الفتيات والنساء تعرضن للاغتيال وهذه اول مرة تتعرض النساء للاغتيال في الشوارع وفي البيوت ، اول انتفاضة شبابها كاشفين وجوههم بينما ازلام السلطة مقنعون يخشون على انفسهم .
احزاب السلطة غير قادرة على ايجاد مخرج للازمة السياسية فكيف وهي اليوم امام ازمات جديدة صحية واقتصادية ، اللجوء للعبة تشكيل حكومة وتكليف مرشح جديد لرىاسة الوزراء لن تستمر طويلا سيأتي يوما تُحل كل هذه الازمات بعيدا عن رغبات احزاب السلطة ، الانتفاضة ستجبرهم بالنهاية للحلول الواقعية وليست الترقيعية .
ما نريد ان نقوله ان الانتفاضة قوية وصلبة ومازالت ركائزها موجودة بساحة التحريرفمازالت الخيم منتشرة بساحة التحرير ،الاهم من ذلك الانتفاضة موجودة بقلوب وضمائر المنتفضين ، الانتفاضة تتميز بالوعي الصحي ايضا عندما تفشى فايروس كورونا استجابت لخلية الازمة ومكثوا المرابطون بخيمهم وعاد المنتفضون لبيوتهم منتظرين انتهاء الازمة الصحية لكي تعود اكثر قوة واكثر تنوع .
الحظر الصحي هو بمثابة فرصة لأعادة ترتيب الاولويات للمنتفضين ولاحزاب السلطة سوية ً، نتمنى من احزاب السلطة قد وعت الدرس وان الشباب ليس اعداؤهم الاعداء الحقيقيون هم الفاسدون والقتلة ، لاتخافوا على الانتفاضة ، المنتفضون مازالوا يقاومون لم ولن يهزموا .
