18 ديسمبر، 2024 8:34 م

“تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم , ولا تسألون عما كانوا يعملون” 2:141
الدنيا في مساراتها الصاعدة , والعديد من كراسي الأمة متقهقرة في مغارات الماضيات الفاعلات في الحياة.
أذهلني خطاب أحدهم وكأنه منقطع عن الدنيا , ومتلبس بأوهامه , ويريد أن يثأر للأموات من الذين غادروا منذ عشرات القرون!!
إنه لأمر مذهل ومحير , وتعبير عن الخواء والعداء السافر للحاضر والمستقبل , وتدمير للوجود الذاتي والموضوعي للأجيال.
لو كان الكلام بلغة يعرفها الأجنبي أو لو ترجم الخطاب إلى لغات أخرى , لإندهش السامع , ولتوهم بأنه يستمع لمقطع من فلم وثائقي تأريخي لا أكثر , أما إذا قلت له بأن المتكلم من أصحاب الكراسي السلطوية الفاعلة في مجتمع ما , فأنه لن يصدقك!!
وهذا يقدم برهانا قاطعا على أن علة دول الأمة تكمن في الكراسي , وإنها جوهر جميع العلل والمآسي , فلا يحق لأحد أن يلوم الشعب المقبوض على مصيره بالكراسي , لأنها تستمد قوتها من غيره وتدعو للإفتراس.
تُرى ما فائدة الإنشغال بالماضيات ونبش قبور السالقات , والتوهم بأننا في لحظة زمنية خالدة توقفت عندها الأرض عن الدوران , وعلينا أن نتوطن دوائرها المفرغة المناهضة لبديهيات الأفهام؟
لا يوجد تفسير إلا أنها متاجرة , وآلية تدر أرباحا طائلة على مروجيها والعاملين بموجبها , ولهذا يكون من الضروري تعزيز التغفيل والتجهيل وتمرير الدجل والتضليل , وبموجب ذلك لن تتحرر المجتمعات المستهدفة من القهر بأبسط الحاجات اللازمة للحياة , وعلى الفساد أن يكون دستورا , والحكومة بلا هيبة , والقانون حبر على ورق , والكيل بألف مكيال ومكيال , يؤمن مسيرة الإضطراب والضحك على رؤوس البرايا , وتحويلها إلى قطعان ضاوية في ميادين الخطايا.
وتلك معادلة محق الناس بالناس , وتفريغ المجتمعات من نخبها ذات النظر البعيد والرأي السديد , فالشعوب كالأسماك السابحة في غدير الويلات المبيد.
فعن أي حياة يتحدثون ؟
وبأي مستقبل يترنمون؟
الزمن بلا أبعاد , فهو عندهم نقطة داكنة , عليها أن تبتلع الأجيال تلو الأجيال , بقدرات تتفوق على بالوعات الثقوب السوداء!!
و” الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون”!!
د-صادق السامرائي