ربّما ليس من المناسب ترك “أنين” السيّد الشطري في حنينه للماضي بمقالته الأخيرة في كتابات يذهب دون لفتة “فحص” أو مناقشة على الأقلّ هنا في فسحة كتابات إن ضعف صدى أبناء العراق المغتربون فلم يجدوا لهم فسحة لدى حكومات العراق المتعاقبة لانشغالهم باستمرار للتحضير للانتخابات , نعم ؟ فلا شغل شاغل لما يسمّى بالسياسيين لدينا إلاّ الانتخابات , لقد رشّحهم الشعب ليتفرّج عليهم طيلة أيّام السنة من على الشاشات ويتمتّع برؤية تجمّعاتهم وطلّاتهم البهيّة وابتساماتهم وصورهم التذكاريّة و”زعلهم” ويتفرّج على “تصالحهم” بينهم وعلى مناكفاتهم ويتعلّم منهم “كيف يتمّ التحضير للانتخابات” ولذلك ولغيره سيّد الشطري ولكلّ المغتربون نجد العراق في ذيل القائمة الدوليّة للفساد .. لكنّ الحياة ليست باتجاه واحد كما رآها السيّد الشطري أو يراها أيّ مغترب يمرّ بنفس محنته , ولأنّه فتح عينيه منذ صغره على “تلك المشاهد الّتي وصفها” بحرقة وأنين , لذلك “فهو يرى ما لا يراه غيره” وعلى الخصوص أبناء الداخل لتطبّعهم بطبيعة ما نراه نحن أبناء الغربة وتراه شعوب الأرض المستقرّة على أنّها كوارث , فالمشاعر الّتي أطنب بوصفها على أنّها “بين الحرمين” , http://kitabat.com/ar/page/15/03/2014/24615/بين-الحرمين-hellip-مسيرة-الحسين-كرنفال-الحزن-والسعادة.html , فصنّفها وكأنّها دوناً عن شعوب الأرض , وخاصّة فقط بشريحة عريضة من شعب العراق والّتي هو السيّد الشطري منهم ؛ فغيره في مكان آخر تعتريه نفس ما اعترى الشطري فيرى “دزي لاند” مثلاً موطن “حرمين” بالنسبة إليه ! , وذكريات وطفولة وصبا أيضاً , ولربّما شيء أشبه بممارسة طقوس دينيّة لدى مجتمعاتنا , لديه هو , آلهة , معبوده فيها “والت دزني” أو مونرو أو الفسّ برسلي او جيمس دين أو جيمس بوند أو سوبرمان أو فرانك سيناترا ! هي مشاعره العصريّة << هم كانوا يحملون قبل العصر الحديث نفس طبائعنا الدينيّة الحاليّةعندما كانت الكنيسة تتدخّل في كلّ جزء من حياتهم كما يحدث الآن من يحنّ إليهم السيّد الشطري والكثير من مثله >> , بل فمن البوذيّين من لا يستطيع فراق معبده البوذي بضع خطوات خارج المعبد , ليس لأسباب هيبة المكان ونفائسه المنتشرة على جدران الضريح أضعاف ما لدى مراقدنا من كنوز يتحصّر على لقمة خبز منها سكّان المزابل ولكن بسبب ولادته بقرب مكانه وذكرياته فجميعها أيضاً أنين وحنين ! وغير هذه الأمثلة الكثير لدى شعوب الأرض من المكسيك وحتّى سور الصين , قانون الحياة سيّد الشطري لا بيدي ولا بيدك , فإنّ شعر الشطري وأقرانه الآن بمللّ الغربة على ما يبدو من خلال ما بيّنته أسطر مقالته وتشتدّ عليه معاناتها يوماً بعد آخر , فمن غير المستبعد سنجده بعد بضعة سنين يطلع علينا بمقال عن ألمانيا يحقنها مشاعر من يريد العودة للغربة ويأنّ عليها ! لذلك ننصحه وننصح أمثاله العودة لتلك الأجواء الّتي فتّقت جروحه , وأنا عن نفسي متأكّد تماماً سيملّ هذا النوع من الناس عندما يتواجد في موطن حنينه وسيتذكر بحسرة أيّام نعيم الغربة وابتسامات بناته المصطنعة ! , صحيح رتيب وأغلبه “مصطنع” لكنّه أفضل من العابس والدنيا تكاد تطبق عليه , لكنّه الملجأ الآمن اليوم بعد غياب عراق الخمسينيّات والستينيّات والسبعينيّات الخ ولغاية الاحتلال , ولو كنت مكان “من نصحه بالبقاء” وذاك يتلوّع يطلب منك مساعدته الهروب , لأحسّ بحقيقة ما يعانيه العراقي الآن , سيطلب منه قائلاً : أبدلني مكانك وخذ جميع أضرحتنا ! .. أصحاب أموال وعقارات باعوها “صفّوها” حدث ذلك قبل بضعة أشهر في قلب بغداد قرب إحدى السفارات وجدّتهم يبحثون عن اليونان لينطلقوا من هناك ! , الحياة تحتاج من هذا وذاك وهذه , ومصيبة العراق الطائفيّون وهم يرون ما يراه الشطري وامثاله على أنّه “رائع وخبّازة جعل لهيب التنّور أنفها يسيل! وأبو الفرّارات ولمّات المتمددّون وسط الأضرحة وأكياس بقايا طعام ونفايات وبصاق حولهم وبينهم الخ” هم شريحة الداخل تلك يرونه “ثأراً” ! ومن المعروف أن لا حياة وسط ثارات ولا تمدّن ولا بغداد ! , نسوا ذلك المغتربون على ما يبدو؟ .. نسو من يسرق العراق ومن يدمّره حاليّاً ؟ وفوضى “الأنهر البشريّة” مليئة بأمثالهم وهم خرّيجو تلك الأنهر الّتي اشتاق “المغتربون” لرؤيتها , بينما المتحضّر يرها جزء من حطام بلد كان منتعشاً منعشاً في يومٍ ما , راسلني صديق عزيز مع مجموعة من الفنانين من مدينة “الصدر” يطلب منّي وهو في رومانيا “نجدتهم” وأنا في ليبيا , يطالبني بعقد أو عقود تدريس! وفعلاً وفقّني الله فحصلت لهم على عقود تدريس وهم في رومانيا في خطوة لم تحصل من قبل في ليبيا “عقود تدريس” بينما المتعاقد خارج ليبيا ! كما أخبرني “رئيس مثابة ثوريّة” فما بالك بخمسة عقود ! يعني ألله والمرحوم القذافي سهّلوا الأمر , وللأمانة , فالقذافي أمر بتوظيف جميع العراقيين الوافدين حتّى وأن كانوا يحملون شهادات مزوّرة ! , نعم ! وعراقيّي ليبيا يعرفون تلك الحقيقة أيّام الحصار , المهم أنّ صديقي المسرحي المصاب ب”هومسك” شديد في رومانيا حين عبّر برسالته قائلاً : فقد اشتقت حتّى “للخيسة” وسط “دربونتنا” ! يعني <دربونته بما فيها أصبحت مقدّسة وهو في حالته تلك> ويواصل : “يمكن لن تصدّق إن قلت لك اشتقت حتّى لعفونتها !” يقصد الدربونة! .. كما ومن المؤكّد , وهنا نطمئن السيّد الشطري وكلّ من يمرّ بنفس ما يعتريه , أكيد الّذين يبكون ويلطمون أو المتصوفون “وعبدة النصوص” جزء كبير منهم مستعدون لسرقة العراق مبرراً في نفسه وللآخرين وهو يسرق “مال الدولة حلال” ! بالضبط كما يبرر أيّ أعرابي ابن صحراء أراد الرسول إصلاحه فلم يفلح ل”أنّ الله لا يهدي من أحببت إنّ الله يهدي من يشاء” أي إذا شاء العبد نذكّر من يجنح به خيال الكهانة! .. بعض العراقيين اللاجئين لأوروبّا , متديّنون بطبيعة الحال , وبينهم من الّذين اعتادوا السير وسط “الأنهر البشريّة” كما وصفهم الشطري , كان هذا البعض يسرق من المحال التجاريّة تلفونات وملابس وعطور وغيرها وعندما نسأله لماذا , يجيبنا “سرقة الكفّار حلال”! .. تعلّقنا بالماضي مدمّر للحاضر , دمّروا العراق ويريدون تدمير أوروبّا الّتي احتضنتهم كأنّهم أبنائها !,والشيطان لا يقول لك أنا شيطان بل يقول لك انا “أمّ ليلى” ! , لذا استوجب على كلّ الذين “اعتادوا السير وسط الأنهر البشريّة أن لا يعيشوا بعد اليوم داخل المدن ؟ ! , لأنّهم سيدمّرونها , الشروگ مشكلتهم أصبحت (( دين )) ! أبناء القبائل العربيّة في السابق ليس لديهم هذا التوجّه المبالغ فيه للانتظام داخل أنهر بشريّة , بل كانوا في السابق يزورون مراقدنا المقدّسة ولكنّ زيارة جندي لقائده الشهيد ! وكثيراً منهم يؤدّون له التحيّة كما كان يفعل “عمّي” أخ أبي , يعني أشبه بمراسيم زيارة نصب الجندي المجهول ! ولذلك كانت الزيارات تكتسب الوقار قبل أن تفيض عليهم “الأنهر” بفيضانات مدمّرة ! , فقط الشروك , ومصطلح الشروك ليس عيباً كما يظنّ البعض بل فشة عراقيّة فعّالة , لكن هم الشروك , الجهلة منهم وهم كثر حتى بعض المثقفين منهم لظروف كثيرة مرّت بهم , من جعلوا العراق بهذه التفاهة , ولعدّة أسباب , أهمّها عدم استطاعتهم الانصهار في المجتمع العراقي منذ هاجروا إليه قبل مئتين إلى ثلاثمائة سنة ولغاية اليوم , أو هم لا يريدون الانصهار , خاصّةً مع المجتمع البغدادي , فلو يلاحظ أبناء الغربة أنّ الأتراك في أوروبّا مثلاً لم يحسنوا لغاية اليوم الانصهار في المجتمع الألماني , رغم أنّ ألمانيا رغبت باحتوائهم وفتحت لهم ذراعيها , لذلك يلاحظ لربّما الكثير من عراقيّي الغربة أنّ الأتراك لهم تجمّعاتهم , أسمّيها أنا “منعزلاتهم” ! , الخاصّة بهم , ممّا يثير انطباعات متعدّدة من الاستهجان ومن الشكوك لدى الألمان هي برأيي نفس الشكوك الّتي أحاطت “الشروك” بنظر البغادلة سابقاً ! , زد اليوم جاليات من بلدان مختلفة منهم اللاجئين العراقيين يعانون اليوم نفس المعاناة المتبادلة بين الأتراك وبين الألمان ! , وللمعلوم ’ فإنّ الأتراك تواجدوا في ألمانيا منذ الحرب الكونيّة الأولى ! ولو لاحظنا أن جاليات مختلفة بينهم العراقيين حالاتهم أشبه بحالة الأتراك , في حين كان العراقيّون فيما مضى أيّام البعثات والزملات الدراسيّة , كانوا ينصهرون في المجتمع الألماني والمجتمع الغربي عموماً بسهولة ويسر ولا زال من أولئك حيّ يرزق نعرف بعضهم , ولعدّة أسباب , لا يتّسع المجال لذكرها هنا في مقدّمتها أنّ مستوى العلاقة المتبادلة بين طالبة أو طالب الجامعة العراقي وبين الجامعيّون الغرب علاقة مفهومة لكليهما مقدّماً , لذلك كان لا يوجد بين الطرفين أيّ مجال لأيّ “استعلاء” أو مشاكل عنصريّة .. ويا ليت الظروف جعلت المهاجرون الشروك إلى العراق حينها بدأوها بإيفادات طلاّبيّة أو زمالات دراسيّة ..