22 ديسمبر، 2024 6:54 م

لحية برنادشو أم لحية بن لادن ؟؟

لحية برنادشو أم لحية بن لادن ؟؟

من مُميّزات الرَجْل الشرقي (أو العربي) تحديداً, هو رجْل عاد (أو تعاود) على تربية لحية عالية سوداء حالكة, كثة أو فيها لمسة سحرية للحياة العصرية, أي أنه يواظب على ممازجة التراث بالحداثة في موضوع اللحية, وهي سمة قلما نجدها في غير العربي, والتي تعطي للرجل معنى ودلالة للأناقة العصرية وللرجولة, وصار اكتمال اناقة أو شيكاة الرجل العربي مقرونه أو مرهونة بلحيته, وأصبح العربي معروفاً بلحيته, إيجابياً وسلبياً, لكن هذه النعمة ربما تحولت إلى نقمة (!!) خصوصاً في ظل التوظيف الدعائي السلبي لها في وسائل الإعلام المأجورة التي تحاول دائما تشويش وتشويه صورة الأخر (العربي), والتنكيل بقيمه الحضارية, وثقافته وتقاليديه العربية الأصيلة.
   أنْ اللحية بالنسبة للشخصية العربية تعطي ثلاث مدلولات أو ملاحظات والتي هي بمثابة اعتبارات وإيحاءات تدفع الشخص لتربيتها, وقد ارتبطت بشكل أو بأخر في الرجل العربي, أول هذه الإيحاءات: إنها تعني بلوغ العربي درجة عالية الوقار نتيجة الإيمان والتقوى والاعتقاد الديني _ خصوصاً وإنْ العربي رجل نرجسي ورومانسي بأقسى ظروفه _, والثانية: تعطي معنى “ستايل” أو “موضّة” تبعث للرجل العربي رجولة ووسامة الرجل الشرقي بعيون العصر وسرعته, أما الدلالة الثالثة: فهي دالة الحزن, أي إن اللحية تعد أداة للتعبير عن حُزن الرجل العربي, فغالبا ما نجد الانسان حينما يمر بأزمة أو يَفْقد ذويه أو أحد اقربائه فهو يعكف على إطالة لحيته تعبيراً منه عن حزنه ووجعه بفقد قريبة أو مواساته بالإهمال لذاته!!
  لكن المعمول بالدلالات هنا في كل دول العالم (حتى في الوطن العربي ذاته) هو المدلول أو المعنى الأول فقط, الذي اختصرت فيه كل ملامح وصور الإيحاءات والدلالات الأخرى للحية الرجل العربي, حتى صار العربي مُتهم على لحيته باعتباره متشدّد ديني راديكالي عنفوي متطرّف, وصار منبوذ, ومكروه, ومقصود في كل عيون العالم نظرة تحقير وازدراء, بل وصارت “اللحية العربية” قضية رآي عام, وعقيدة مُخلة بالشرف, يسعى الأخرون لاستئصالها!!
 وصار خطر اللحية بالنسبة للأخرين إنها لا تختلف كثيراً عن المتفجرات, أو المخدرات, أو القنابل الذرية السامة, وهنا “تأشكل” مفهوم “اللحية فوبيا” على إنها مرض يريد أن يُصيب العالم والجماعات, ويغزو وجوههم بالقوة المفرطة, حتى صار في كل مطارات العالم يحدقون فينا, يمعنون النظر في وجوهنا, صرنا نرتاد المرايا أكثر من ارتيادنا للصلاة, صرنا نحاول اكتشاف العاهة فينا, ونمثل وجوهنا أمام المرايا, نتساءل لماذا يحدق في وجوهنا الأخرين بهذه الحماقة والسذاجة, وبهذا الأسلوب الفج, وبهذه النظرة التحقيرية, إنهم يُثيرون رُعبنا في داخلنا (!), يزعزعون الثقة فينا, يستفزونا, يبثون القلق في مفاصلنا, يثيرون حفيظتهم بكل فجاجة, يسألوننا عن هوياتنا, عن بطاقاتنا الشخصية, يمدون ايديهم في جيوب لحايانا بحثاً عن قنابل سامة وعن متفجرات دينية !!
  تستوقفنا أغلب مراكز الشرطة, ونقاط التفتيش, تصوب أسلحتها ضدنا, صارت ذاتي مرحوجة تداعبها رياح الاتهام تهتز خوفاً من اللا خوف, مهزوزة مفاصلي, صرت احدق عشرات بل مئات المرات في المرايا, واسأل ذاتي بخيبة أمل تساورني, هل أنا أحد منفذي تفجير برج التجارة العالمية, أم احد مدبري حادثة لوكربي, أم حادثة تفجير (قطار أتوشا) في مدريد .. بل صار الأخرون يحاولون أن يجدوا صلةٍ عائلية أو عقائدية تربطني بأسامه بن لادن أو أيمن الظواهري أو أبو عزام المقدسي.
   الجميع هنا في هذا العالم المرعوب من التخْويف, أو المُبالغ بالخوف, صاروا يطلبون هوياتنا بين لحظة وأخرى يعرضونها على سونار الكشف, خشية إن يتم تحديث سجْلها أو العثور فيها عن مواد متفجرة أو ممنوعة اخلاقياً, يحاولون بأي طريقة إثبات تهمتنا بجريمة ملفقة, مزيفة, بل صار التزييف والتلفيق في عالمنا لا يحتاج إلى أموال طائلة, أو ثروات هائلة, فقط ما يحتاجه هو “تغييب الضمير”.
لا أدري صرت في كل محطة تفتيش أو فحص أمني مُعرض لسؤال روتيني اعتدت عليه, كلهم يسألوني عن بن لادن وعن الظواهري, ولا أحد يسألني عن مارسيل خليفة أو محمود أبو العباس, أو عبد الجبار الشرقاوي, مع إنهم كلاهما مُلتحْين, وكلاهما عرب !!
  ما أضحل هذا العالم يُحجب عقله, ويُقيم تصوراته على “ثقافة الديكور” في تفكيره, يحكم على المظاهر, ويغفل الجواهر, أمر دفع الكثيرين هنا يشككون بأفكاري, ينظرون إليّ على إني إرهابي متشدّد, وعلى صلة ببن لادن, ولا أحد يتوهم أو يخطأ في حساباته فيتهمني على لحيتي بصلة أو الارتباط ببرنادشو أو دستوفسكي, أو مكسيم غوركي, أو تولستوي !!