23 ديسمبر، 2024 10:07 ص

دارت صورة الطائرة الامريكية التي نقلت المتعاونين الأفغان مع الاحتلال الأمريكي وحكومته العالم بأسره وبلغت مشاهداتها الملايين لتكون واحدة من أهم الصور، بعد صورة هزيمة فيتنام، التي سيخلدها التاريخ لأفجع الهزائم التي منيت بها الولايات المتحدة الامريكية والحلفاء من أعضاء حلف الأطلسي المشارك بفعالية في عملية احتلال أفغانستان وتدميره وسرقة خيراته . كما خرجت مانشيتات الصحف الغربية معنونة صفحاتها الأولى “بسقوط كابل” التي تحررت ولم تسقط وأسترجعها شعبها من براثن احتلال غاشم يقوم بتدميرها منذ عشرين عاما. وليس هناك من سيتأسى على هزيمة الدولة التي تقول بنفسها ان العالم يكرهنا رغم ان حركة طالبان هي حركة قبلية محافظة تعيش منسجمة مع تقاليد بيئتها وأوضاع بلدها الذي دمرته وخربته غزوات القوى العظمى المتعاقبة منذ أكثر من أربعين عاما والتي من شأنها ان تعيد أي بلد مهما كان متطورا الى الوراء لعقود، وما تركته هذه العقود هو الفوضى والحرب بين الفصائل التي ساندتها الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتحالفة معها لسنوات.
لهذه الحركة ولرجالها يعود اليوم تحرير أفغانستان الذي يفرح شعوب المنطقة ويسجل لها ليس دحر اكبر قوة عسكرية عرفتها البشرية بل دحر دول الحلفاء في حلف شمال الأطلسي التي تشارك عدوان الولايات المتحدة على هذا البلد، كما ان عودة طالبان هو هزيمة لإيران التي أفتخر فيها مستشار الرئيس محمد خاتمي المدعو أبطحي بأنه لولا ايران لما سقطت كابول وبغداد! كان غزو أفغانستان مرتبط أساسا بغزو العراق حسب خطط المحافظين الجدد
لكي يطلقوا مفهوم الإرهاب الإسلامي عالميا ولتكون حربا شاملة على المنطقة لإعادة رسم حدودها بالدم تحت مسمى الشرق الأوسط الكبير. وتم بكثرة تداول جملة تنسب الى “بول وولفيتز” نائب وزير الدفاع رامسفيلد وأحد مهندسي خطة غزو العراق من المحافظين الجدد
ان “أسرعوا بضرب العراق واتركوا أفغانستان”! لم تترك الولايات المتحدة لا أفغانستان ولا العراق بل ان جورج بوش ألقى خطابات متشابهة حول غزو البلدين رغم ان الاحداث كانت مختلفة ولم يلقى غزو العراق بسبب كذبة أسلحة الدمار الشامل تأييدا دوليا ولا أمميا من قبل الأمم المتحدة. لكن الأسباب المعلنة التي جعلت الولايات المتحدة الامريكية تغزو أفغانستان لم تكن اقل كذبا من كذبة وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، فالتفاهمات مع طالبان تعود حتى الى قبل الغزو السوفيتي لأن منظري السياسية الخارجية الامريكية وعلى رأسهم زبينغيو بريجنسكي يعتبرون هذا البلد “الباب” للهيمنة على كل جغرافية ” أوراسيا ” المكونة من جمهوريات اسيا الوسطى والشرق الأوسط وبالأخص العراق. وعندما تمكن “احد فصائل طالبان” من السيطرة على غالبية أراضي أفغانستان وما تبقى تهيمن عليه “تحالف الشمال” بقيادة مسعود شاه، كانت الولايات المتحدة مطلعة على تقارير “أمنستي انترناشونال” و”هيومن رايتس ووش” بشأن انتهاكات هذه الجماعة وغيرها في القمع والتطهير العرقي واستعمال طرق التعذيب. لكن وبسبب المصالح الكبيرة تم التغاضي عن كل هذه الانتهاكات ، لا بل قامت علاقات قوية مع “بعض فصائل طالبان” بمساعدة الحليف الباكستاني الذي درب للإدارة الامريكية أولى الدفعات التي تقدر بثلاثة وثلاثين الف مقاتل وذلك بالتعاون مع السي أي ايه وتحت اسم جذاب هو لقب “المجاهدين”. لقد اعتقد الامريكان وهم يفعلون ذلك أن بإمكانهم تكوين اتباع من فصائل طالبان ومن أفغان مدربين في معاهدهم وتحويلهم الى حكام مطيعون يدينون بالولاء الكامل للمصالح الغربية. لكن حقيقة عمليتهم السياسية بعد غزو البلاد تشبه تماما نوع علاقتهم بالأحزاب الدينية وميليشياتها الولائية الاجرامية الفاسدة وغيرها في العراق.
طوال عشرين عاما لم تتوقف المقاومة الأفغانية لفصائل طالبان عن محاربة الاحتلال الأمريكي وتكبيده خسائر فادحة سواء في جنوده او في معداته العسكرية وكذلك جنود ومعدات دول حلف الأطلسي المتواجدة لتجبرهم على الجلاء من بلد مقبرة الغزاة وهو ما أكده جو بايدن بكل صراحة في خطابه الذي أعلن فيه انسحاب جيش بلاده. ليس ذلك فحسب بل ان بايدن كرر في خطابه هذا ان حكومة أشرف غني والقوات العسكرية والجيش الذي دربته القوات الامريكية وانفقت عليه المليارات قد هرب وبسرعة غير متوقعة فاجأت الإدارة الامريكية نفسها.
مثلما خططت الولايات المتحدة للانسحاب من العراق بعد خسائرها الفادحة امام المقاومة العراقية الوطنية عقب تقرير النائبيين الجمهوري والديمقراطي بيكر- هاملتون مجدولة الانسحاب الى عام 2011 مع أبقاء جزء من قواتها في بضعة قواعد، فقد اتخذ قرار الانسحاب من أفغانستان منذ عهد أوباما وتم ترحيله الى إدارة ترامب الذي اتخذ قرار الانسحاب من أفغانستان والعراق رغم غضب واستياء بعض دول حلف شمال الأطلسي لينفذه جو بايدن هذه الأيام. قبل سنوات التقى المسؤولين الأمريكيين الكبار بعدد من قادة طالبان المحليين ومن هم خارج البلاد حتى ان بعضا منهم قد ذهب للقاء مفتي القاعدة المنشق عنها للتنسيق معه وايقاف الهجمات على القوات العسكرية وتسهيل خروجها من البلاد.
لقد افشلت مقاومة طالبان غزو بلادها وعملية الدخول الى ” آوراسيا ” التي ارادت الولايات المتحدة عبرها الهيمنة على كل دول المنطقة لوضع يدها على موارد الطاقة والمعادن النادرة وخاصة معدن الليثنيوم في أفغانستان الذي قدرت البحوث وجوده في البلد مثل وجود النفط في السعودية واهمية هذا المعدن في التقنيات الحديثة ووجود النحاس والحديد وحتى الذهب بكثرة، كما افشلت المقاومة العراقية مخطط الشرق الأوسط الكبير وتفتيت الدول العربية كما نظر لها بريجنسكي والمحافظين الجدد اتباع حزب الليكود الاسرائيلي.
بأنتظار أخراج المحتل الأمريكي ووكيله الإيراني، لا بد لثورة الشعب العراقي التي اندلعت في تشريم 2019 ان تستمر بكل الوسائل لاستعادة العراق وارضه وسيادته وخروج الاحتلال الأمريكي من أفغانستان هو فرصة جديدة لإنهاء عمليته السياسية الفاسدة التي تتعكز على هذه الدولة وتلك كي تستمر في الحياة على مسرح المنطقة الخضراء. لن يكون مشهد مطار كابول بعيدا عن مطار بغداد يوم خروج المحتلين، لحظة كابول ستتبعها لحظة بغداد ان عاجلا ام اجلا وسنرى اتباع المحتلين في فوضى عارمة ربما لن يتمكنوا حتى من صعود طائرة او عربة تقلهم الى أمريكا او ايران ليقتص منهم أبناء شعبنا الذي اكتوى بجرائمهم وفسادهم وتدميرهم لدولة العراق ولأرضه.

أفغانستان أنهارت أسرع مما توقعنا … ومهمتنا لم تكن بناء دولة او خلق ديمقراطية، هكذا صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن بخصوص وجود قوات بلده في أفغانستان