23 ديسمبر، 2024 9:53 م

لجعل السياسة الخارجية محصلة السياسة الداخلية الوطنية

لجعل السياسة الخارجية محصلة السياسة الداخلية الوطنية

لانقول ان وزارة الخارجية فشلت خلال العقد الماضي في سياستها بسبب فقدان التوازن وثبات الهيكلية التنظمية فقط انما بالاعتماد على خط اللعب على حبل المحاصصة وتعدد مصادر القرار والتصريحات والاجندات المحتلفة التي تشابكت مصالحها ولم يحصل نجاح ملموس في عملها خلال السنوات العشرة الماضية على الاقل ويمكن عبور المرحلة اذا تم اصلاح الخلل ورفع مستوى الخطاب والارتقاء بالاداء الوطني والمحافظة علية وضخ الوزارة بدماء شابة جديدة ناضجة الافكار ومنفتحة وتغيبر الوجوه التي تشبعت بسياسات النظام الشوفيني السابق وسلوكياته في العمل.

المجتمعات على اختلافها تمربتحولات سياسية وثقافية وحضارية مستمرة نتيجة للتطورات الحاصلة في ثقافات افرادها والحاجة الملحة للتغيير ، و لا بد ان تكون  هناك قيادة اجتماعية تعزز مسيرة تلك التنظيمات والمؤسسات لتفعيلها ،ولايختلف المجتمع العراقي عن تلك المجتمعات وقد مر بتحولات مهمة منذ نشوء الدولة العراقية والى الوقت الحاضر ، لا شك أن ظهور الأحزاب في البلدان الديمقراطية كان مقترنا بضرورات سياسية واجتماعية واقتصادية والعراق لم يكن بعيداً عن هذه المعادلة .

إلا أن ما نلاحظه في هذه التحولات هو أن الأحزاب لم تكن صاحبة المبادرة للتغيير في بلدنا على الاقل، بل تأثرت شأنها شأن الأفراد من حيث الحرمان او المكاسب وحسب طبيعة التغيير ، فلم يكن لها مثلا دور يذكر في اختيار نوعية النظام  الذي كان يقود البلد وفرض على العراق خلال الحكومات المتتالية التي حكمت في العقود الماضية، ولم يكن للشعب اي دور في اختيار الشخص او النظام الذي كان يريده ، ولم يكن له دور في تغيير مجمل الانظمة التي تعاقبت على البلد و كانت هناك أحيانا عقبات حالت دون هذا التغيير وأعطى بسلوكياته إلى العسكر لقيادة تغيير ملئ بالعنف والدماء والدمار ، ولم يكن الوضع احسن بعد ثورة 14 تموز 1958  واستمر على هذا الحال منذ قيام العهد الجمهوري وحتى الوقت الراهن رغم المنجزات الكبيرة التي تحققت في الاربع سنوات الاولى منها، يعيش العراق حالياَ مرحلة ازمات سياسية متعاقبة بفعل عوامل داخلية وخارجية لارتباط اكثر الاحزاب بتلك العوامل وبرزت مظاهرها في تصعيد المعضلة الامنية ووسعت من الازمة الاقتصادية والاجتماعية كما واجه النظام السياسي المنشأ حديثاً ببعض الرفض القائم على اساس السياسة المجتمعية.

وحمل معه مظاهر العنف المسلح واستخدام العنف السياسي لبيان رفض التغيير الحاصل وقد شل من  اداء الحكومة في تنفيذ الخدمات وساهم على غياب الاداء الخدمي وظهرت فية معضلات سيادة الاحزاب ومصالحها على  مصلحة الوطن والمساومات التي تطرح من اجل تمرير المشاريع الفئوية والحزبية على المشاريع الوطنية لاعتمادها على  العوامل الخارجية التي لعبت وتلعب على الساحة السياسية . ان الإرهاب هو احد التحديات الأساسية التي يعاني منها العراق كدولة تسير في خطى التحول والانتقال للاستقرار وبناء مفاصل جديدة لإدارة الحكم والسلطة في العراق الجديد ما بعد دستور العراق الدائم لعام 2005 والتي تخشاها بعض دول المنطقة  ،مما حدى ان تتعامل مع العراق على أساس المكونات في بعض الاحيان . وعلى هذا المبدا ومن هذا المنطلق ومنذ انطلاق التجربة الديمقراطية في العراق لم نشهد توحيدا للخطاب الخارجي العراقي فكل مكون كان يتبنى خطابا مختلفا بما يتوافق مع رغباته ومصالحه، ومن الغير المتوقع ان تستقر الاوضاع  دون توحيد المواقف الداخلية والاتفاق على منهج واحد لمصلحة الوطنية ، ذلك ان تصور بناء سياسة خارجية تعيد للعراق مكانته بين الدول وتجعله لاعبا اقليميا متميزا ، يبدء من صياغة هذه السياسة والاتفاق على مضامينها و منظورها في الداخل ، فالسياسة الخارجية في النظم الديمقراطية تكون امتدادا للسياسة الداخلية ويقر رجال السياسة على ان السياسة الخارجية للدولة لاتنفصل عن سياستها الداخلية والسلوك الخارجي للدولة هو محصلة لمجموعة عوامل مادية ونفسية تعيش داخلها، ومن هذه العوامل يشكل طبيعة النظام السياسي ، والذي يؤثر بصورة مباشرة على صياغة وطبيعة السياسة الخارجية . ولابد ان ندرك من ان لدول المنطقة  دوراً ومسؤولية في استقرار العراق وأمنه بحكم الموقع الجغرافي والصلات التاريخية والحضارية والاجتماعية وإدراكهم  ان ضعف العراق بمثابة تهديد لدول المنطقة.

للسياسة الخارجية دورا مهما في تكوين صورة عن المشهد الداخلي بما يسهم في اتخاذ المواقف الدولية تجاه البلد، لان العالم الحر يتعامل على أساس العراق الموحد وليس على أساس المكونات كما تعمل عليه الولايات المتحدة الامريكية والقوى الغربية .

الخلافات السياسية الداخلية تضعف الدولة امام العلاقات الخارجية ، الوحدة الوطنية هي أساس القوة في تنفيذ سياسة الدولة وبالتالي الدفاع عن نجاح السياسة الخارجية يعتمد على الاستمرارية والمرونة، فعندما نضع سياسة ثابتة لمرحلة من المراحل ونسير على نهجها بشكل منظم وندافع عنها في الأوساط الدولية كلها بصورة مستمرة نضمن بذلك نجاحها ، على  العراق الجديد اتخاذ منهجاَ سياسياً يسعى لتحقيق تغييراً جذرياً للعلاقات و التي انتهجها النظام الشوفيني السابق و وضع العراق بأكثر من مأزق دولي من خلال توجهاته المنغلقة والعدائية، وذلك بالانفتاح على العالم بهدف ضمان عودة العراق الى وضعه الطبيعي ومكانته المرموقة في المجتمع الدولي الذي لازال يشك بقدراته، تطور العملية السياسية والأمنية في العراق سيكون بإمكان السياسة الخارجية ان تشكل عاملاً رئيساً في تحقيق الازدهار الاقتصادي من خلال الإسهام الفاعل باستقدام الاستثمارات الأجنبية في إطار عملية أعمار العراق التي بدأت تتضح بوادره في هذه المرحلة التي يمكن ان تؤسس انطلاقة اقتصادية تجعل حضور العراق في الاقتصاد الدولي فعالاً وأساسياً نظراً لما يمتلكه من موارد نفطية ومعدنية تؤهله لذلك الدور، وهذا أيضاً يمثل جانباً آخراً لنجاح الدبلوماسية العراقية، مع تأكيد الصعوبات المحيطة إقليمياً ودولياً. وبخلاف ذلك تصبح مصالح البلاد عرضة للأهواء والتغيرات. المصالح الخارجية  كانت وراء الضغط على الكتل السياسية العراقية لتتجاوز المخرجات الديمقراطية ونتائج الانتخابات واللجوء الى المحاصصة لتحقيق ما تراه هذه القوى شراكة وطنية جاءت بديلا عن مشروع الأغلبية السياسية.

 وهذا ما يجعل على عاتق السياسيين كافة ان يتجنبوا الخلافات الحزبية الضيقة ويتفقوا على سياسة وطنية موحدة. لاشك ان الخلافات في المواقف السياسية هي صورة من صور الديمقراطية، إلاّ أن المبالغة فيها يضعف الموقف السياسي الخارجي للدولة ويضعف موقف المفاوض العراقي الواقع الذي تشهده العملية السياسية التي تعاني من المحاصصة الطائفية والقومية والمذهبية منذ انطلاق التجربة الجديدة بعدعام 2003 ((كما تسمى بالديمقراطية )) حيث تشارك جميع المكونات حسب نسبها في المجتمع وتتقاسم المناصب الحكومية مما شل حركة مسيرتها لابتعادها عن الكفاءة والقدرة على ادارة الدولة .وتقع المسؤولية الكبرى اليوم على عاتق المكونات العراقية الأصيلة ان توحد صفوفها وأن تغادر سياسية العزف على اسطوانة التهميش والإقصاء على اساس العرق والمذهب والقومية في محلها  لكي تتمكن من بناء علاقات متوازنة فيما بينها ومنها الانفتاح نحو دول العالم على أساس المصالح المشتركة التي تضمن حقوق ومصالح الجميع ووضع الكفاءات في محلها دون استثاء  .