23 ديسمبر، 2024 9:51 م

لبنان وتحديات مابعد الازمة السورية

لبنان وتحديات مابعد الازمة السورية

لبنان البلد الذي عرف الحرية والديمقراطية ومارسها منذ عقود  تتجاذبه المحن و الخلافات الحادة، ولأسباب عديدة ومتشعبة وليست غامضة على أحد ومن المؤسف  ان بعض القادة والساسة في لبنان يتناسون ان جمرات الحرب الاهلية مازالت تستعر تحت الرماد، ولبنان اليوم بين مطرقة السياسات الاسرائيلية وحلفائها وسندان التطاحنات والمصالح الاقليمية  التي جعلت القادة والساسة اللبنانيين في الخنادق المتقاطعة والمتناحرة التي  تفرضها هذه الظروف المفتعلة والمراد منها تحقيق عوامل ديمغرافية على الارض اللبنانية ، ومحاولة تجذيرها وجعلها من الامر الواقع الذي يحقق المخاطروالمتاعب ويضع القيادات اللبنانية امام الطرق  والابواب المغلقة وخلق الحساسيات التي يراد لها ان تكون  مزمنة بين اللبنانيين بكل طوائفه ومذاهبه.
والاخطر من ذلك رهان بعض هؤلاء الساسة والقادة على الدعم الخارجي الذي يراد به تمزيق لبنان ووحدتة ارضا وشعبا، اما الذين لم يخفوا مشاعرهم ورهاناتهم على التدخلات الدولية  راحوا يتحدون بعضهم البعض في هذه المباريات الخاسرة واعداء لبنان من الدولة الاجنبية والاقليمية تشجع على ذلك لأن في ذلك منفذ لضرب القوى التي تشكل التهديد الحقيقي للمشاريع المشبوهة المراد تنفيذها ضد المقاومة اللبنانية وقواه الوطنية الرافضة للمشروع الاسرائيلي ومن يتبناه من الدول الكبرى وهو وضع لبنان ضمن مشاريعها التقسمية للوطن العربي، وتقسيم لبنان هو الهدف.
من المحزن  ان بعض القادة والساسة في لبنان يتهمون المقاومة والمعارضة نفس الاتهامات الاسرائيلية  وحلفائها التي تفتعل الاحداث لاسقاط  شرعية سلاح المقاومة والكل لايقبل التنازل للآخر ويتمسك بمطالبه ويعدّها مشروعة او الاكثر شرعية واعداء لبنان في الداخل والخارج يعملون على تحقيق اجندتهم في لبنان  وتعريض سلمه الاهلي الى المخاطر، والتي شجعت عليها تصريحات بعض الساسة والمسؤولين من اللبنانين انفسهم  لتوسيع مساحة الاحداث وتأجيجها كما هي عليه اليوم، فعلى اللبنانيين تجنبها من خلال اعطاء البعض للبعض الآخر الاذن الصاغية والتمسك بمبادئ التعايش السلمي الأخوي،  بعيداً عن بعض التصريحات الاقليمية والدولية التي تتحدث عن ضرورة دعم لبنان ولكن لمن هذا الدعم وما هو نوعه؟
ومن هم الداعمين أليس انفسهم، الذين خربوا لبنان وكل شيئ بتدخلاتهم المشبوه ودمروا التجربة  الديمقراطية اللبنانية؟ وكل هذا يتطلب من اللبنانيين تحقيق التوافق الوطني الصادق الذي يلتزم به الجميع وامامهم تشكيل الحكومة الجديدة التي يجب ان يغطي سقفها جميع الاحزاب والكتل السياسية من دون استثناء احد، بعد ان تم تكليف تميم سلام بهذه المهمة التي تتطلب التهدئة والوعي السياسي الذي عرف به اللبنانيون لانهاء هذه التداعيات والاحتراب واخماد نار الفتنة ومغادرة المكابرة وتجنب العمل بردود الافعال ونبذ  العنف وتوجيه السلاح للعدو لا للمقاومة اللبنانية، من خلال بعض الاصوات المعروفة بتاجيجها للصراعات وهي تدعوا إلى عدم مشاركة حزب الله في الحكومة التي كلف سلام تميم بتشكيلها.
كان من المفترض ان يعلى صوت هذه الدعوات من اجل لم الشمل الوطني وحماية حدوده والتوجه إلى اعادة الحياة للمؤسسات الديمقراطية وان ينتبه من يريد تعطيل الحياة في لبنان وزجها في اتون الفتنة واختيار الطريق الذي يدفع بلبنان إلى مجهول التصرفات الخطرة والصعبة التي تحقق الارادات المعادية للشعب اللبناني و تطلعاته المشروعه، لذى يتوجب على جميع اللبنانيين ومنظماته الديمقراطية والدستورية والشرعية العمل على التهدئة والخروج من عنق الزجاجة بسلام، والعودة الى المؤسسات الوطنية الديمقراطية وفك الارتباط من كل المرجعيات التي لاتريد للبنان الأمن والاستقرار والازدهار والرخاء والتقدم.
ان من يريد فرض حالة الطوارئ على لبنان ويدفع  به إلى المجهول الذي لاتحمدعقباه و تبقى اثاره المدمرة والسلبية لعقود لاتحقق للبنان الا الخراب والتمزق والتقسيم، وهنا الطامة الكبرى لأن اي تدخل في لبنان يعني تدميره، وعلى اللبنانيين ان لايقبلوا الدخول في الانفاق المظلمة لانهم سوف لايتمكنوا من الخروج منها  بسهولة وبوقت مبكر، وامامهم ما يحدث في عالمنا العربي والاسلامي بسبب هذه التدخلات  المشبوهة، وعلى من يريد التعاون مع لبنان ومن الدولة العربية الشقيقة، ان تكن مبادراته شريفة نظيفة اجابية تقترن، بفعل حقيقي اخوي ملموس على الارض بعيدا عن الميل الى اي طرف مهما تكن الظروف والعمل بموضوعية  ترتقي الى المسؤولية العربية والاسلامية التأرخية في هذا النزاع  مدركين ان اللبنانيين اساس الحل ومفتاحه المركزي وعليهم ايجاد آليات جديدة لترطيب الاوضاع في لبنان وان نتذكر ومن دون حرج ان الجامعة العربية لم تتمكن بتقديم منجز حقيقي رسمي  في الكثير من المواضيع العربية الساخنة الملتهب على الساحة السورية واللبنانية ودول ما تسما بالربيع العربي.
اعود للتأكيد ان ازمة لبنان داخلية والحل يجب ان يكون داخلي والاطراف الخارجية  التي تدعم طرف على  حساب الطرف الآخر يجب تحجيمها والحد من تدخلاتها، لان من يريد ان يضع الصراع اللبناني في خانة المذهبية والطائفية هو غير دقيق، لان الصراع في لبنان صراع  سياسي  اقليمي دولي تؤججه مصالح الاضداد المتصارعه وحرب تصفية حسابات مسرحها  الاراضي اللبنانية، وهكذا الحال يتطلب من اللبنانيين وقبل كل شيء الحفاظ على وحدة جيشهم من الانقسام، وهذا هو الكابوس المخيف الذي      يريد تحقيقه اعداء لبنان، ان الحفاظ على المؤسسة العسكرية ومفاصلها التعددية التي تمثل كل المذاهب والطوائف والذي لايصلح للاستعمال الداخلي ، ولبنان على مفترق طرق اذا بقي على هذا الحال وحروب السبعينيات في الذاكرة والخارطة الطائفية في لبنان معقدة والسلاح موجود لدى الجميع.
اللبنانيون لديهم الخبرة في الحرب الاهلية وعندها ماذا سيكون اذا اندلعت هذه الحرب، و على القيادات اللبنانية والاعلام العمل على تهدئة الاوضاع وعدم تضخيم الاحداث وتأجيج المشاعر التي يراد لها ان تتضخم وتصبح اكبر من القيادات نفسها وان يتخذون العبرة مما يدور على الساحة العربية والربيع العربي، ومنع انزلاق الخلافات الى الشارع وبالسلاح، لان الداعمين لهذه الخلافات يريدون وضع لبنان  في رحا مطحنة الموت وبلا ثمن، وعلى الساسة الذين اوصلوا اللبنانيين الى هذه الظروف ان يغادروا تصريحاتهم النارية الت تعبء اللبنانيين با تجاه الخلافات والتناحرات، ويتعاونون لاصلاح ما افسد من احوال السياسة والسياسيين.
على اللبنانيين ان  يحكموا السيطرة على توازنهم ومشاعرهم،  وعدم الخروج عليها والتمسك بخياراتهم الوطنية وحل ازماتهم  ومشكلاتهم الداخلية بانفسهم  فماذا يتوقعوا ان يحدث في حال انفلات الامور من ايديهم لتصبح بايدي اعدائهم عندها لا  يعم  غير الخراب والدمار وشق الصفوف وتقسيم الوطن والمثل يقول (النار لاتحرق الا رجل واطيها ) ان الدفع باتجاه التناحرات بين اللبنانيين  يعني تدمير لبنان الى زمن غير مسمى لان المؤامرة على لبنان كبيرة وخطرة ومنزلقات الحرب الاهلية متعددة والمتبرعين والمخططين لدعمها وانتاجها وصناعتها معروفين.
وهذا يتطلب من اللبنانيين النهوض للدفاع عن وطنهم لبنان ضد هؤلاء الاعداء الذين يصنعون لهم الدمار والموت وبشكل الذي بدا يلوح  في الافق، ان الحل هو العودة الى المؤسسات واسناد رئيس الوزراء المكلف لتشكيل الحكومة من دون استثناء احد من اجل الحفاظ على المؤسسة السياسية في لبنان وعلى نسيجه الاجتماعي  ليعود لبنان الى حياته الطبيعية والعمل بكل موضوعية ووطنية مع المؤسسة العسكرية ومساندتها وعدم زجها في اجندات السياسة وان يبقى الجيش بعيدا عن هذه اللعبة وكما ذكرنا  ليتمكن من اداء دوره الوطني والمحافظة على رصيده المتمثل بحب اللبنانيين جميعا واحترامهم له ولتبقى المؤسسة العسكرية مهنية تحافظ  على خصوصياتها الوطنية.
ان التصدي للعاصفة و هبوبها على لبنان تحتاج الى حكمة الممارسة السياسية والاداء السياسي للسياسيين وان لايذهبوا الى المغامرة بلبنان والشعب اللبناني والمنطقة وعليهم ان يحسنوا في هذه اللحظات التارخية في حياة لبنان اللعبة السياسية وهم يحسنونها بعض الاحيان على ما اعتقد وكما عرفوا  في الازمات، وعليهم قبل كل شيء ان يتعاونوا ويتفقوا على وقف الاعلام الذي يضخم الاحداث ويريد صنع المعارك، ولبنان واللبنانيين اساتذة الاعلام وخبرائه وعليهم الاستعاضة بالاعلام البنّاء وعدم خلق الخنادق الاعلامية الخطرة والمتداخلة ويجب ان يبدء دور التهدئة من الحكومة بعد الانتهاء من تشكيلها  والعمل على عدم اخراج القضية اللبنانية من اطارها الوطني وان لاتتورط المؤسسات الوطنية بالاحداث التي تنعكس سلباً على أوضاع البلاد التي لا يمكن اصلاحها بعد فوات الاوان، وعدم اطلاق العنان لتعميق الخلافات التي تؤدي بالنتيجة الى نكأ الجراح القديم التي تركتها الحرب الأهلية اللبنانية في سبعينيات القرن الماضي.
يعرف الجميع ان لبنان يراد له ان يجلس ويتربع على برميل من البارود، الذي يجب ان لا يحدث من خلال امتلاكهم لقرارهم الوطني والحفاظ عليه ليكونوا في مناعة كبيرة لمقاومة كل القرارات والمواقف والسيناريوهات الاجنبية المشبوهة، ومن اي طرف كانت وهذا التنفيذ يحتاج الى السيطرة على الاعصاب السياسية، وفتح الآفاق الوطنية والقفز فوق جراحهم.
اعداء لبنان يريدون اشعال فتيل الفتنة من جديد، وحرب السبعينات في لبنان نجحت صناعتها بيد صناع وصاغة الطائفية والمذهبية نفسها، ان المرحلة السياسية في لبنان اليوم  تحتاج إلى اجواء سياسية جديدة وكما نرى اصبح بعض الساسة يشكلون عبئ على لبنان بسبب التورط بالمواقف والقرارات التي تريد جر اللبنانيين الى المنعطفات والمنزلقات الخطرة عن طريق الضغط على المقاومة اللبنانية التي تشكل المناعة والقوة والدرع الحصين للبنان واللبنانيين جميعاً، وعلى القادة السياسيين ان يتنازل بعضهم للبعض الآخر من اجل الوطن ومغادرة الرهانات الخارجية الاقليمية والدولية وان لاينزلقوا في مذهبة الاوضاع والصراع ونحن نشهد ونلمس ان المعارضة والأكثرية اي الطرفين فيهم السنة والشيعة والمسيحيين ومن كل الطوائف وعلى اللبنانيين رفض توظيف هذه المسائل الطائفية سياسيا لتتجذّر وتعشعش وتنثر بذور الفتنة والاحداث التي تمر بها المنطقه.
الان تعاني من ذلك وهذا يلزم اللبنانيين بكل مذاهبهم واطيافهم واعراقهم ومكوناتهم العمل على بناء اسس وثوابت للعيش اللبناني المشترك ووضع آليات عملية ناجحة للوقوف بوجه هذه المخاطر.
في لبنان  يوجد من يريد ان يخلق من الظروف السياسية ظروفاً مذهبية وطائفية وهذا ما تشجع عليه الاجندات والسيناريوهات المعادية لحياة الشعوب واستقرارها ولبنان احد هذه الاهداف ان فيروسات المذهبية والطائفية البغيظة التي نعاني منها يجب ان تعالج وتكافح ونقضي عليها ونخلص شعوبنا منها ونتخلص في الوقت نفسه من صانعيها  وموزعيها علينا، ان كل هذه الامراض فخاخ طالما تحدثت عنها واليوم علينا  تجنب نصب هذه الفخاخ التي ابتلينا بها وبأصحابها منذ عقود، ان الازمة في لبنان سياسية لكن هناك من يريد الباسها لباس الطائفية والمذهبية  وعلى الساسة اللبنانيين ان يتمسكوا بقراراتهم الوطنية ليعود وجه لبنان المشرق.