18 ديسمبر، 2024 9:31 م

لا ينهي حرب اليمن الا .. نزار قباني !

لا ينهي حرب اليمن الا .. نزار قباني !

عشت في اليمن عامين كاملين ، فوجئت بجمال الطبيعة .. بتضاريسها القاسية والطقس الرائع ، كونت صداقات واسعة مع يمنيين من مختلف المحافظات ، قابلت مسؤولين ووزراء .. وبعد العامين عرفت لماذا ان اليمن ( وخصوصاً القسم الشمالي منها ) لم يستعمرها او يحتلها احد .. وفي نفس الوقت لمست حجم التخلف والفقر والفساد الاداري الذي يعيشه الشعب اليمني لاسباب عديدة .. وخلصت الى ان اليمني مواطن قوي وعنيد رغم نحافة الجسد ، وهو مستعد لان يضحي بكل شيء الا السلاح و….القات !

عاش شمال اليمن عقوداً تحت حكم الامامة المتخلف حتى ثورة العام ١٩٦٢ وانشاء الحكم الجمهوري ، وعاش الجنوب تحت الاحتلال البريطاني حتى الاستقلال وسيطرة الشيوعيين ( الحزب الاشتراكي ) منذ اكثر من خمسين عاماً وحتى الان . وكان الفقر والتخلف عاملاً مشتركاً بين الشطرين حتى في ظل الوحدة (١٩٩٠ م ) والفقر هنا ليس متاتياً من قلة الموارد بل من الطبيعة القبلية للشعب اليمني والفساد الذي ليس له مثيل الذي قال عنه شاعر اليمن الكبير عبد اللهالبردوني : انه اكبر فساد في العالم .. حيث كنت اجد بعض اليمنيين يتقاضى خمسة رواتب او اكثر ، والنفايات في كل مكان والفوضى لا مثيل لها ، والدولة تعتمد في موازنتها على الاغلب على المساعدات الخارجية وبعض الموارد الاخرى البسيطة في حين انها تمتلك سواحل بحرية تمتد لالفي كيلومتر على البحر الاحمر وخليج عدن لو استغلت ثروتها السمكية ، اضافة الى النفط والسياحة لاصبحت اليمن من اكثر البلدان ازدهاراً .

لقد وجدت غالبية اليمنيين يمقتون جارتهم الشمالية السعودية ويعتبرونها مصدر فقرهم وتخلفهم ، حيث كانت علاقة الدولتين متازمة منذ قيام الجمهورية وحتى اليوم ، ويعتقد غالبية اليمنيين ان السعودية اقتطعت منهم اهم مناطق ومحافظات الشمال وهي ابها وجيزان وعسير وبعض الجزر في البحر الاحمر ، وهي جغرافياً امتداد طبيعي لتضاريس اليمن .. حتى ان اليمنيين يروون ان الرئيس الاسبق ابراهيم الحمدي سُئل وهو يؤدي مناسك الحج : متى ينتهي الخلافالحدودي بين السعودية واليمن فاجاب : حتى ترسيم حدودنا .. ولما سئل ثانية اين هي حدودكم فاجاب : حيث اقف الان !!!!!! وقد قتل الرئيس الحمدي في تشرين الثاني اكتوبر ١٩٧٧ ببشاعة بعد عودته الى اليمن .. وقد اختلفت الروايات فيمقتله وان كان بعضها يزعم ضلوع السعودية بذلك .. والحقيقة ان الاغتيالات في اليمن مسالة مالوفة في الشطرين للتخلص من الخصوم لوفرة السلاح والمبررات والصراع القبلي ومن ثم الايديولوجي بين الشمال والجنوب .. وجاءت فورة مايسمى بالربيع العربي ، وهو برايي ( خراب ودمار بامتياز ) لتصل الى اليمن وتبدا كالعادة بتظاهرات واعتصامات ومطالبات ، لتنتهي بتنحي الرئيس الراحل علي عبد الله صالح ( قُتل على ايدي الحوثيين عام ٢٠١٧ ) وتولي نائبه عبد ربه منصور صالح الرئاسة ..بعد ان برزت حركة انصار الله كقوة ميدانية سيطرت على مرافق الدولة كافة وعلى العاصمة صنعاء واغلب المدن اليمنية واطلقت بعد حين سراح الرئيس المؤقت ( منصور هادي ) الذي لجا الى السعودية والتي بدات بتحشيد حلفاء لها بدعم امريكي وغربي واسست مايسمى بـ ( تحالف اعادة الشرعية ) وكان من ابرز اعضائه الإمارات العربية المتحدة والسودان والبحرين ومصر وقطر والمغرب ودول اخرى ، واعلنت الحرب على جماعة انصار الله ( التي يسيطر الحوثيون على مفاصلها القيادية الرئيسة ) في اذار / مارس من العام ٢٠١٥ معلنة ان اعادة الشرعية ستتحقق خلال وقت قصير ، وهو مالم يحدث بعد قرابة السبع سنوات وحتى الان ، ويبدو جلياً انه لن يتحقق في وقت قريب كما تقول منظمة العفوالدولية باحدث تقاريرها عن ماساة اليمن .

وبعد عشرة اعوام كاملة من الاضطرابات والفوضى وسبعة اعوام تقريباً من الحرب المنسية ، التي يتفرج عليها العالم بلاادنى اهتمام ، فان النتيجة هي ان الشرعية لم تعد ، وان الصراع تمدد واصبح حرباً بالوكالة مع ايران التي تؤيدالحوثيين وتساندهم ، والماساة تعمقت ، ودُمرت البنية التحتية المتهالكة اصلاً لبلد فقير ، وبات الانفصال واعادةالتشطير أمراً واقعاً ، وقُتل حوالي نصف مليون انسان بريء ، وشُرد الملايين ، واصبحت اليمن في خانة المجاعة العامة .. واتخذت الحرب طابع حروب العصابات والكر والفر والفعل ورد الفعل.. واصبح البلد المنهك سجناً لملايين البشر الذين لاحول لهم ولا قوة وهم يعتاشون على فتات مساعدات من هنا وهناك ، كل هذا والمواقف تتصلب وتتباعد .. ويفتقر الطرف الاقوى الى شجاعة الفرسان بوقف هذه الماساة الرهيبة بكل ما في الكلمة من معنى .. كما يفتقر الطرفان الى شجاعة التنازل والجلوس الى مائدة المفاوضات لوقف هذه الحرب التي لا طائل منها : فالحوثيون هم جزء من ابناء اليمن ولهم ثقلهم الميداني ومطالب وهم الان يسيطرون على اجزاء واسعة من البلاد ، والسعودية وحلفاؤها لم تستطع قهرهم وهزيمتهم واعادة ( الشرعية ) رغم حملة القصف اليومية والحصارات البرية والجوية والبحرية ، وجامعة الثول العربية ومنظمة التعاونالاسلامي والامم المتحدة وكل العالم يتفرجون ولسان حالهم يقول : ليتناطح الطرفان حتى يملّا .. وبين هذا وذاك فان ضمير العالم : صمٌ بكمٌ وكأن الماساة لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد .. فلم يبق لنا اذن الا شعر نزار قباني الذي قاله قبل عقود طويلة ، ففيه من الحل شيءٌ ، لو اتعض القوم ، حين قال :

..فإن من بدأ المأساة ينهيهـا ، وإن من فتح الأبواب يغلقها ، وإن من أشعل النيران يطفيها .

وللحديث عودة وبقية ..