عندما تضمحل الحلول في سراب المشاكل التي يعاني منها الشعب العراقي تظهر الصورة في مشهد قضية منع بيع وتصنيع الخمور في قرار يصدر عن البرلمان العراقي في وقت يعاني منه العراقيون الجوع والخوف والالم تحت سقف مظلم اسمه الإرهاب …..
فقضية منع بيع وتصنيع الخمور تجعل المشهد مقرفا الى حد الهذيان وان دل على هذا على شيء فهو بوادر انصهار المجلس النيابي ودخوله في نفق مظلم اسمه فقدان الشرعية التي منحت له من الشعب فعمل البرلمان ونوابه يقتصر على حل المشاكل المستعصية التي تهدد امن ورفاهية المواطن فهو الجهة المسؤولة عن تنظيم قوانين لها قيمة انسانية وفكرية وحضارية تنظم المجتمع وترتقي به الى مستويات تجعل من افراده يقدمون افضل ما لديهم لتحقيق اعلى مستويات النجاح على مختلف الاصعدة …..
لكن يختلف الحديث عند البرلمان العراقي فهو عبارة عن الة تعمل ضد المجتمع العراقي فالقرارات الصادرة عنه لا تصب في مصلحة المواطن بل تصب في مصلحة افراد وكتل سياسية وما حصل قبل الان من ثورة شعبية عندما دخل المتظاهرون اروقة البرلمان واكتسحوا كل ما فيه دليلا على عدم قبول شريحة كبيرة من الشعب النهج والسلوك الغير مفهوم واللاواقعي لما يصدر عن هكذا مؤسسة تعتبر الاولى في الدولة العراقية من حيث قوتها ونفوذها كقوة قانونية استوحت مفاهيمها وقيمها من العراقيين الذين ادلوا بصوتهم في سبيل بناء دولة القانون في العراق …….
في نهاية المطاف لم تبنى دولة القانون بل بنيت دولة المصالح والحسابات المصرفية المجهولة والصفقات الوهمية وبدل إن تكون حقائب البرلمانيين مليئة بالاوراق والمستندات وشكاوى الناس وقضايا المواطن كانت الصورة عكس هذا فورقة الاحمر العريضة والاخضر المزركشة برؤوس محرري العبيد والانسان ( خمس وعشرين الف دينار والدولار ) كانت هي الصوت الذي يسكن داخل حقائب النواب ……
كل هذا يضيء جانبا من القضية اما الجانب الاخر فهو ما يدخل في صميم القضية اي القرارات التي تصدر عن البرلمان فمعظمها إن لم تكن كلها قرارات عجيبة غريبة كان اخرها قرار منع وتصنيع الخمور التي فتحت باب التساؤلات وعلامات الاستفهام فاحتساء الخمر لا تعد قضية رأي عام او حدث وطني فهي لا تتعدى كونها حرية شخصية هنالك من يتعاطاها وهنالك من يقف امامها بالضد فلكل انسان الحق في اختيار طريقته في الحياة وانتهاج السلوك الذي يرضيه وهذا القرار سيكون له سلبيات كثيرة حيث ستمتلأ الخمور في المخازن والمستودعات في الخفاء وسيتم بيعها بالخفاء في النهاية ستكون النتائج كارثية على اجهزة الدولة فلقضية منع الخمور امتداد واسع لا يمكن إن يقف عند حد المنع بل سيتعداه الى مشاكل تؤثر على المجتمع والدولة ……
فمن يحتسي الخمر هذا شأن خاص به وقوانين الحضارة الإنسانية التي استندت الى الحرية الشخصية لا يمكن إن تصدر بحقها قوانين اخرى فقرار البرلمان العراقي هو اعتداء على ذوق ومزاج المواطن في ذات الوقت هو تقييد للحرية الشخصية للمواطن وهذا العمل لا يدخل في صميم عمل البرلمان فمتى وفي اي عصر وفي اي مكان تدخل البرلمان في حياة الافراد الشخصية وان حصل هذا سابقا فهو ضرب من الجنون لأنه لو كانت هكذا قرارات ستصب في مصلحة الشعوب لاصدرت امم الأرض كلها مجتمعة هكذا قرار لكن الحكومات الواعية الحاضنة لثقافة الحرية والاعتدال في الافكار والقيم لا يمكن إن تقوم بهكذا اجراء يعزز كره وحقد المواطن تجاه صوته الذي ادلى به فمن يحرم المواطن من كأس ويسكي وبيرة او قنينة نبيذ وفودكا وعرق سيكون له اثر في عقلية المواطن الذي سيراجع الفهم الحقيقي لمضمون الحرية في المكان الذي يعيش فيه وهذا له اثار سلبية لا تعد ولا تحصى …..
لذا فمنع بيع الخمور وتصنيعها هو قرار لا قيمة له من الناحية الإنسانية والفكرية والقانونية للمواطن لأنه غير فعال في تلبية متطلباته وحاجاته الاساسية الثانوية فالقضية هامشية عابرة بمعنى الكلمة لعقل المواطن ولا تأت بجديد لطموحات واحلام الافراد في المجتمع فهنالك قضايا اكثر اهمية تدخل في عمق يوميات المواطن منها بناء مؤسسات ثقافية وفكرية وتعليمية وصناعية وزراعية ورياضية في ذات الوقت تهيئة العمل المناسب والاجواء المناسبة للمواطن لكي يقوم بتادية واجباته بكفاءة عالية ورفع دخل الفرد في المجتمع وتوفير وسائل الراحة والرفاهية له ولاسرته في سبيل بناء مجتمع ناجح وجيل وطني ……
فالويسكي والعرق والفودكا لن ولم تكن قضية العراقيين الاولى بل هي قضية فردية وشخصية هنالك من هو مقتنع بها فكريا وروحيا وهنالك من لا يستوعب رائحتها فكريا من على بعد عشرات الاميال فالموضوع يقف عند حدود الرأي والرأي الاخر ولا يمكن للبرلمان إن يضع قانونا لرأي واحد دون الرجوع للرأي الاخر …..