23 ديسمبر، 2024 5:04 ص

لا يبقى للتاريخ إلا الصحيح والخیر للوطن

لا يبقى للتاريخ إلا الصحيح والخیر للوطن

المسارات السیاسیة فی العراق والتحولات الاخیرة لاتبشر بالخیر بالرغم من ان الامال کبیرة کانت علی البعض القلیل من القادة الحریصین علی البلد . وهذه التحولات، وإن كانت تحولات طفيفة أو لا تزال بعيدة عن ترك آثارها کما یعتقد البعض وعواقب محددة على المشهد الإجمالي، إلا أنها تحولات تلقي الضوء على عدد من النقاط المحورية في سياق الصراعات الدائرة بین القوی .لقد كشفت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية وما أسفرت عنه من ممارسات غیر ناضجة لشخصیات وکتل اعتمدت علی المال وشراء الذمم کادت ان تفرغ الانتخابات من محتواها و مهمة تحتاج الی دراسة مستفیضة و سيكون لها التأثير السلبي على المشهد السياسي في العراق فی المستقبل، وعلى طبيعة ارتباطات القوى السياسية بعضها بالبعض الاخر . ان هذه الانتخابات أعادت طرح البرامج الانتخابية الخدمية النابعة من الواقع الداخلي والاحتياجات العراقية والأفكار الوطنية في ظل موجة من تعزيز الشعور القومي والمذهبي . ولکن التفاعلات الشعبیة مع الانتخابات ظلت محدودة وضعیفة ، ومن ثم ظلت فرص تحقيقها نجاحات على الأرض مفقودة ، وتكاد تكون محصورة ونتائجها لم تشکل انتخابات طبيعية لنسبة المشارکة المتدنیة وحیث تسودها اجواء من الشکوک والضنون التی من المحتمل الاطالة فی اعلان النتائج وتشکیل الحکومة وتاخیرانعقاد مجلس النواب المنتخب الجدید لمدة لا تقل علی ثلاثة اشهراذا سارت وفق الاطر الدستوریة دون مستحدثات او خلق مطبات امام خطواتها. الملاحظات حول الانتخابات التي أُجريت في 12 مايو الجاري (2018) تحمل عن العديد من الدلالات المهمة حول طبيعة تفاعلات القوى السياسية والحزبية مع قائمة القضايا الداخلية والخارجية، ومدى إنعكاس هذه التفاعلات على توجهات الناخبين التي جاءت بنتيجة مفاجئة للعديد من المرشحین الفائزین منهم والخاسرین والمهتمين بالشأن العراقي.مما جعلها تبحث عن الاسباب في الشارع والقضايا التي طرحتها هذه الانتخابات تختلف كثيرا عن مجمل النتائج والجدل الذي کان دائرا في الساحة العراقية منذ عدة سنوات وبعد کل المراحل الانتخابیة السابقة اهمها التشبث بالسلطة من قبل النواب الخاسرین ومنها محاولة اطالة عمر البرلمان ما یعکس عدم صدقیتهم في تشریع القوانین ولم یتم تغليب هوية الدولة الوطنیة کشعارتطبیقي ضمن البرنامج الحکومیة خلال السنوات الماضية ایضا، وإنما كانت للهويات العشائریة والمذهبية والقومیة الغلبة و سیدة الموقف کقوة حاضرة بكثافة وتمددت إلى مختلف جوانب المشهد العراقي وغياب الحوار السياسي الجاد لتجذير معاني المواطنة . لم تثبت التجربة الفيدرالية نجاحها، ومن ثم اندفع العراق إلى محطات تقسيم كادت أن تحوله إلى كانتونات صغيرة لولا وقوف القوی الوطنیة والدینیة بوجه هذة التخبطات، مما اتجهت إلى التمسک بالوحدة الوطنية. وبدلا من أن تتأسس الفيدرالية على أساس إداري وجغرافي، فإنها طرحت على الاسس القومیة والطائفیة. لان الفيدرالية لا تقام على أساس قومي ولا على أساس مذهبي وديني وإنما على أساس جغرافي وإداري .مع العلم ان العراق لم یکن بعیدا عن الحياة الحزبية فهو غني بتجربة تشکیل الاحزاب السیاسیة والیساریة والیمینیة والمشارکات النیابیة التشریعیة وعبور الازمات ولا يبقى للتاريخ إلا الصحيح والخیر للوطن ومن الضرورة مراجعتها وتقیم تجربتها و التعمق في دراسة سلبیاتها وایجابیاتها واختیار الافضل للتطبیق . فمنذ تأسيس كيان الدولة العراقية 1921، إثر الاحتلال البريطاني للعراق وانسلاخه عن الدولة (العثمانية) التي كانت إمبراطورية دينية، يتوزع رعاياها على شتى الجماعات الثقافية والإثنية، ويعيش ابناءه في ولاء مزدوج: ولاء للتنظيم الاجتماعي الصغير القرابي أو الأولي، مثل الجماعة الدينية، والأصناف الحرفية، والعوائل، والقبائل والعشائر والبيوتات الشريفة من جانب، والولاء للدولة من جانب اخر، والمشاركة في حمایة الوطن والدفاع عنه. وکانت الأحزاب تمثل القوى الاجتماعية الصاعدة: ومنها الطبقات الوسطى الحديثة وطبقة العمال الصناعيين، والأوساط الطلابية الراديكالية في المدن، إضافة إلى الفلاحين المظلومین في الأرياف تحت سوط الاقطاع . و بهذا المعنى کانت قوى اجتماعية تعيش غربة فكرية وثقافية عن الطبقات التقليدية الممسكة بزمام الحكم في العهد الملكي، ناهيك عن تصادمها في إطار المصالح الاقتصادية والاجتماعية مع هذه الطبقات .اما عموم المعارضة کانت تنشط باتجاه المطالبة بحريات الأحزاب، وحرية الصحافة، وتحرير المرأة، وحل المسألة القومية الكردية، والوحدة العربية، وإجلاء القواعد الأجنبية، ومعارضة سياسة التكتلات العسكرية الدولیة مثل (حلف بغداد) والتحالف الهاشمي . رغم ان قواعد هذه الأحزاب بقيت أقلية نسبياً. فالطبقات الوسطى والعمالية لم تزد على 30 في المئة من سكان المدن ذات الطابع الحرفي والتقليدي. كما أن سكان المدن بقوا، حتى ثورة 14تموز عام 1958، أقل من نصف سكان البلاد. ، وكان سكان المدن یمثلون القلة من سكان البلاد وبهذه الاعداد كانت هذه القوى المجتمعية تنشط بین سكان المدن حتی صارت الهجرة الی المدینة متزایدة بعد ثورة تموز فتبلورت فیها تجربة الحزب بشکل اعمق واکبر، وتحولت الى قاعدة مشارکة محوریة ومحررة للثورة. ووجدت الفئات الوسطى الحديثة لنفسها فرصة غزو أجهزة الدولة من أسفل، بعد أن كانت مستبعدة منها ، فوجدت منفذا للتعبير عن نشاطها في الأحزاب السرية، التي عبرت عن ظهورها السياسي الشديد وعززته خلال فترة الأربعينيات والخمسینات، ويمكن القول إن ما ساعد على بروزها في تلك الفترة أيضا هو اتساع قاعدة الطبقات الاجتماعية الجديدة،