19 ديسمبر، 2024 11:43 م

قراءة مجاورة: (فتنة السلطة ) للباحثة عواطف العربي شنقارو
(*)
كتاب (فتنة السلطة ) للباحثة عواطف العربي شنقارو، من الكتب التي تستحق أكثر من نزهة معرفية، قراءتي ليس تعقيبا ً على (فتنة السلطة) بل هي قراءة مجاورة وهذا النوع من القراءة أجترحته شخصيا في ملتقى ثقافي أقيم في بغداد، 2009 كنت من المشاركين في ورقة بحثية.

(*)
بعد العنوان الجمالي للكتاب (فتنة السلطة) يأتي العنوان الذرائعي كعتبة نصية لتبليغ القارىء بجهوية المبحث (الصّراع ودوره في نشأة بعض غلاة الفرق الإسلامية) والعنوان الذرائعي / التفسيري : ينتج سؤاله المعرفي : هل كانت السلطة آنذاك معتدلة؟ أم كانت تسرف بالبطش؟ نقترض من العلاّمة العراقي هادي العلوي ونقول كانت الشريعة هي الدستور في زمن النبي محمد والخلفاء الراشدين،مع فترة أستثنائية من ثلاث سنوات تستغرق حكم عمر بن عبد العزيز، على أن الطريقة التي مارس بها الخلفاء الراشدون سلطانهم لم توفر ضماناً كافيا لدستورية الحكم وذلك بالنظر إلى أنعدام المؤسسة اللازمة لتقنين سلطة الخليفة/28/ هادي العلوي/ في الدين والتراث… ومع معاوية تغيّب الدستور وسيواصل غيابه حتى سقوط الخلافة العباسية
(*)
وضمن عنونة كتاب الباحثة عواطف العربي شنقارو،يلي العنوان الذرائعي: تحديد حيز البحث (مِن القرن الأول حتى القرن الرابع الهجري) ..وهو الحيز يتصف بالقلقلة لا الحروفية، بل المجتمعية .. لكن في ص92 تعلن الباحثة عواطف (لقد تسلم زمام الرئاسة العليا في العالم الإسلامي العباسيون ولمدة خمسة قرون، والقرن الأول والثاني هو موضوع دراستنا لأن هذين القرنين يمثلان حكم العباسيين( حكم عربي) بأنفسهم، ثم سقط الحكم العباسي بين القادة الأتراك،أضف إلى ذلك أن هذين القرنين أمتازا بكثرة الانتفاضات الشيعية على بني العباس، وتطورت فيهما فرق وغالت في أمورها حيث أضحت الخلافة العباسية لها طابع ديني فقط مقابل دولة حكامها الفعليين قادة الجيش من الأتراك سواء في الأقاليم أو في بغداد نفسها/ 92) ما بين القوسين ينقض زمنية البحث من القرن الأول إلى القرن الرابع الهجري، المثبتة على غلاف الكتاب. شخصيا ترى قراءتي أن ما قبل موضوع دراستها للقرنين الأول والثاني بمثابة عتبة نصية.
(*)
في شبه الجزيرة قبل النبوة المحمدية كان حراك المجتمع يعتمد على الاقتصاد الرعوي، والرحلات التجارية إلى الشام البيزنطية المسيحية، وإلى الحيرة الفارسية المسيحية على المذهب النسطوري،وكذلك المتاجرة مع الحبشة المسيحية اليعقوبية،بخصوص التجارة نحيل القارىء إلى كتاب (تجارة مكة وظهور الإسلام) تأليف باتريشيا كرون *
(*)
يرفض المستشرق وات ( أن الإسلام دين صحراوي فهو قد نزل أول ما نزل في بيئة مالية معقدة هي بيئة تجار مكة الذين غلبت عليهم تحالفاتهم المالية، تعصبهم القبلي../ 29/ مونتجمري وات/ محمد في مكة) من الجانب السياسي كان الخضوع للأحباش والفرس والروم. وتميزّت مكة بهالتها القدسية ،فهي في (وسط الحرم الأهم في كل الجزيرة العربية نظرا لكونه مركز حج،يتجلى فيه بكل نصاعة، تفاعل المدينة مع القبائل/14/ هشام جعيط )
ومع ضحى الإسلام صار العسكرة هي الركيزة الأساس من خلال غنائم الفتوحات التي تسببت بزيادة ثراء الاثرياء، هنا صارت المجتمع العربي من طابقين : التمدن من ناحية الملبس والمأكل والبناء وهذا التمدن هو طابق البراني أما الجواني فهو السلوك البدوي، العشائري، الرعوي .
(*)
لا يمكن الاتفاق مع أركون في قوله (أن كل عمل النبي قد هدف إلى الحط ّ من قيمة الرأسمال الرمزي للجاهلية واستبدال الرأسمال الإسلامي به ../ 99/ محمد أركون/ تاريخية الفكر العربي الإسلامي ).. أولا أن القول بالجاهلية مثل قولنا العهد البائد، لما يقول العسكر بإنقلابٍ في هذه الدولة العربية أو تلك . قبل الدعوة المحمدية كان هناك الأحناف، وهذا يعني وجود وعي مضاد للوعي السائد، مما يجعل أن نرفض توصيف الفترة ما قبل الرسول (ص) بالجاهلية : (يذكر ابن أسحاق رجال من جيل سابق لمحمد اتفقوا على ترك عبادة الأوثان وأن يقصدوا الحنيفية دين إبراهيم، منهم أمية بن أبي الصلت،وأبو قيس بن الأسلت، وعثمان بن الحويرث، وعبدالله بن جحش، وزيد بن عمرو../ 315/ مونتجمري وات / محمد في مكة )..ومن جانب آخر، حين ظهر الإسلام، لم ينسف تلك الطقوس، بل استعمل تدوير السرد – إذا جاز القول –
إذ (كيّف الإسلام مع مذهبه التوحيدي عددا معيناً من الاعتقادات المتعلقة بالقدسي قبل الإسلام.. ولا يمكن لبعض المحاولات الإصلاحية أن تجعلنا ننسى أن التصور الإسلامي للقدسي يضرب جذوره في الصحراء العربية../ 130/ يوسف شلحت/ بُنى المقدّس عند العرب قبل الإسلام وبعده ) نعود إلى أركون ونقترض منه ونقول إن التصورات المولّدة لانواع القيم والاحكام والسلوك التي رسخها الإسلام لم تنبثق من الهواء : (البنية الدينية للتمثل والصهر والدمج هي عبارة عن بنية مفتوحة ومنغلقة على نفسها في الوقت نفسه../ 103/ أركون/ المصدر السابق)
(*)
تخبرنا الباحثة عواطف شنقارو،عن خداش (ومن الدعاة الذين تم اتهامهم بالزندقة، خداش، وهو من أوائل الدعاة العباسيين ومن أقدمهم عهداً بهذه الدعوة وقام بمجهود لنشر الدعوة في خراسان 118 وهي السنة التي قتل فيها / 187) المعرفيات الكبرى كانت تقلق الخلافة دائما..(وقد أمتد كره الفلسفة إلى المنطقة حتى قيل في المثل الشعبي،،من تمنطق تزندق،، ورغم أنتصار العديد من الأصوليين ومنهم ابن حزم والغزالي،للمنطق بوصفه أداة ضرورية للمتكلم والفقيه، فقد غدا موضوعا للتحريم، كما في الفتوى لابن الصلاح الشهرزوري المتوفى سنة 643.. وقد اجتمعت عداوة ابن تيمية والسيوطي للفلسفة لتجعل منها أيدلوجياً وعلى مدى القرون الأربعة التالية مرادفا للكفر ../ 71/ طرابيشي/ مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام).. حتى ابن تيمية ناله ما نال سواه: (وما حصل لأبن تيمية عندما وجهت إليه تهمة الوقوع في التشبيه والتجسيم من الشيخ نصر المنجي الذي كان مقدّما في الدولة المملوكية.سُجِن ابن تيمية مرتين في قلعة دمشق، وسحب منه حق إصدار الفتوى، كما منع من الكتابة في آواخر أيامه حتى مات في سجنه../61/ وجيه كوثراني/ الفقيه والسلطان )
(*)
تنقل لنا الباحثة عواطف العربي شنقارو: رأي المستشرق فلهوزن عن خداش (إن الخميرة، أو الطعم الذي رمى به بين مبادىء الشيعة هو مذهب الخرمية) ثم تخبرنا الباحثة (والخرمية نزعة إباحية عامة، ثم تعود لتغترف من فلهوزن (ويقول أن الخرمية، والراوندية قد نادت بالدعوة إلى الشيوعية في النساء وهي الشيوعية التي كان مزدك قد دعي إليها ) نلاحظ أن الباحثة لم تقم بحراثة مفاهيم فلهوزن فيما قاله، أما الباحث العراقي الدكتور حسين قاسم العزيز – طيّب الله ثراه – فيقول (الخرمية فرقة دينية متطورة عن المزدكية، تؤمن بصراع الخير،،أله النور،، مع الشر،، إله الظلمة، ذات برامج اجتماعية ثورية محدودة تدعو الى توزيع الاراضي على الفلاحين وتعميم الاستفادة من المنافع العامة على الجميع وتحرير مركز المرأة من المكانة المتدنية التي وصلت إليها، وتدعو إلى مقاومة الظلم والاستغلال بالامتناع عن أطاعة الاقطاعيين والسلطة ورفض الضرائب.. عبّرت الخرمية عن سخطها واحتجاجها على الظلم بسلسلة من الانتفاضات العارمة امتد لهيبها من آذربيجان وأرمينيا وعبر إيران إلى ماوراء النهر حيث رددت أصداءها هضاب البامير، ولما كان منتسبوها من بلدان مختلفة، ولأستمرار فعاليتها سنين طويلة، عدّها المؤرخون والباحثون فرقا عديدة، ولكني أرى بأن الخرمية فرقة دينية واحدة أحتوت على جماعات مختلفة بأسماء مختلفة : مبيّضة، محمّرة، بابكية,,/ 130- البابكية / أو أنتفاضة الشعب الأذربيجان ضد الخلافة العباسية/ رسالة نيل الدكتوراه من جامعة موسكو / عام 1966 / مكتبة النهضة – بغداد / دار الفارابي – بيروت) أما خداش : فهو الاسم الحركي – أيام الدعوة العباسية – للمسؤول عن الدعوة في خراسان واسمه الحقيقي : عمار بن يزيد . كما أن الخرمية لا تعني الاباحية، وبشهادة الدكتور حسين قاسم العزيز، أن المؤرخ الاسلامي ابن الاثير: (يخلط بين الخرمية والزرادشتية الذين كانوا يبيحون زواج المحارم../133)
(*)
في المبحث الرابع / فرق المعتزلة، تكتب الباحثة عواطف، وهي تغترف من المؤرخ الشهرستاني حول بداية التيار المعتزلي: الحادثة المشهورة التي وقعت بين واصل بن عطاء واستاذه الحسن البصري في مسجد الكوفة/ 321 ما جرى بين الأستاذ وواصل،جرى في مسجد البصرة، فالحسن البصري عاش في البصرة ومات في البصرة ودفن في البصرة في (مقبرة الحسن البصري) في قضاء الزبير، وهي مقبرة يدفن فيها أبناء السنة موتاهم ومدفون فيها أيضا الشاعر بدر شاكر السياب والشاعر محمود البريكان والقاص محمود عبد الوهاب وابن سيرين ورابعة العدوية وعبد الغفار الاخرس، والشاعر عبد الخالق محمود وغيرهم من مثقفي البصرة، والمسجد الذى جرى فيه الاعتزال موجود في مدينتي البصرة وما تزال بقايا منارته شامخة، وجرى الان تعمير المسجد وتوسيعه، ويطلق البصريون عليه (الخطوة) ويعنون بذلك : خطوة الإمام علي – عليه السلام –
(*)
شجرة الاعتزال التي صنعها المرتضى، لا تختلف عن أدعاء بعض حكام العرب : طاغية يدعي أنه حفيد الحسين وذاك يدعي جدته فاطمة الزهراء !! وما يقوله المرتضى يقوله العلاّمة الإسماعيلي مصطفى غالب في موسوعته (أعلام الإسماعيلية) / منشورات دار اليقظة العربية/ بيروت / 1964)
(*)
في ص322 تنقل لنا رأي أحمد أمين (إن فرقة المعتزلة بدأت في وقت مبكر جدا عن مرحلة واصل ويرجع إلى موقفها المحايد الذي اتخذه بعض الناس من مشكلة علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ) نرى أن الباحثة عواطف شنقارو تكتفي بعرض آراء الآخرين. أما رأينا فهو كالتالي: أن المعتزلة الذين يقصدهم أحمد أمين هم الذين مارسوا الحياد السالب حيال صراع الطاغوت والحق : معاوية وعلي، وهذه الفئة تنتظر نهاية المباراة لتصفّق للغالب. أما مفهوم المعتزلة والأعتزال فهو يخص العقول التي قامت بتأثيل منظومة فكرية ذات الأصول الخمسة : العدل / التوحيد/الوعد والوعيد/ الآمر بالمعروف النهي عن المنكر/ منزلة بين منزلتين).. ودائرة المعارف الإسلامية تجانب الصواب حين تعلن (لا بد أن تكون نشأت في فلك سياسي ..)
(*)
بخصوص خلق القرآن : أن أول مَن جهر بذلك هو الجعد بن الدرهم في زمن الأمويين..أما الناقد والمفكر جورج طرابيشي فيرى أن هدف مخلوقية القرآن هي السيطرة على عامة بغداد مثلها مثل العامة في كل زمان ومكان،كانت على قوتها العددية إيجاباً أو سلباً،أي بحضورها أو غيابها، مأمورة لا آمرة بأمرها، والآمر هنا هو الإمام أحمد بن حنبل، الممثل الأبرز لأصحاب الحديث في ذلك النصف الأول الغنيّ بالأحداث من القرن الثالث الهجري، والمضحك بعد أكثر من قرنين وتحديدا في سنة 555 هجرية، يخبرنا ابن الاثيرتعرضت أسرة المتصوف الحنبلي الكبير عبد القادر الجيلاني للأضطهاد في عهد وزارة ابن يونس، دهمت دار حفيده الشيخ عبد السلام بن عبد الوهاب المتوفي سنة 611 هجرية وكان خصما للفقيه أبن الجوزي وفتشت الدار واتهمت الحفيد بالزندقة لوجود كتب الفلاسفة ورسائل أخوان الصفا وغيرها من الكتب.. فتم أحراق الكتب أمام مسجد مجاور لجامع الخليفة وكان ابن الجوزي من فوق سطح المسجد مع جمهرة من القضاة والفقهاء يتلذذون برؤية النار وهي تحرق الكتب وكانت العامة بإيعاز رسمي يصيحون باللعن حتى تعدى هذا اللعن إلى الشيخ عبد القادر نفسه،بل وإلى الإمام أحمد بن حنبل، وكانت غضبة على الكفار والملحدين ولا غضبة يوم بدر/ 69/ طرابيشي / مصائر الفلسفة .. هنا نلاحظ أن العلاقة بين المعرفة والزمن علاقة عكسية، فكلما تقدم الزمن تقهقرت المعرفيات مع أفول السلطة الراعية للتطور الثقافي (أن علوم الأوائل وهي على حد تعريف كولدتسهير(العلوم التي نفذت إلى البيئة العربية الإسلامية بتأثير المؤلفات المأخوذة عن الكتب اليونانية) – لقيت عناية كبيرة منذ القرن الثاني للهجرة في البيئات الدينية الإسلامية – عناية حث عليها الخلفاء العباسيون وشملوها برعايتهم/ 72 طرابيشي وهنا يكمن لغز ذلك الصراع اللاهوتي في ظاهره والفريد في نوعه في تاريخ الإسلام، والذي كان مداره حول القرآن : أمخلوق هو أم غير؟ ذلك أنه ليس لأحد أن يتصور أن المأمون، وهو من عظام خلفاء بني العباس، وأنفذهم رؤية ً استراتيجية، كان يمكن أن يولع- وهو يحارب في الجبهة ضد الروم – فتنة لاهوتية محضا وغير ذات جدوى سياسيا، هذا إن لم تكن ذات أذية خالصة ! فمن منظور لاهوتي بحت،ليس لأحد أن يشك ّ في أن محنة القرآن خلق القرآن كانت محنة مفتعلة. وقد كان افتعالها مقصوداً لغاية مباطنة ظاهرها اللاهوتي،أو فلنقل إنها كانت مجرد خطة تكتيكية في خدمة هدف استراتيجي : الصراع على قيادة العامة واستتباعها من خلال استتباع قادتها الذين كان جلُّهم من أصحاب الحديث…ويرى طرابيشي أن المقصود هو (أمتحان أهل الحديث في المقام الأول، وتحديدا أمتحانهم، من حيث علاقتهم بالعامة وتأمُّرهم بها..فقد وسمهم فيها بأنهم من،،حشو الرعية وسفلة العامة، وشر الأمة ورؤوس الضلالة../487- جورج طرابيشي / من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن )
(*)
كان المأمون يرى أن (الإرجاء دين الملوك) ويعني بالملوك خلفاء بني أمية الذين شجعوا على انتشار المرجئة الذين يؤجلون فيه الحساب إلى يوم الحساب . إذن السؤال هنا أليس محنة القرآن لعبة تلقفها المأمون لتذليل العامة ومحق الرأي الآخر؟ وجعل : الاعتزال دين الخلافة العباسية ؟
(*)
هناك مَن يرى أن فكرة (المنزلة بين المنزلتين) ليست من انتاج المعتزلي واصل بن عطاء، بل هي من اجتراح الخوارج وتحديداً فرقة (الأباضية) التي ترى في كافة المسلمين المختلفين مع الأباضية محض كفار(أن المخالف لهم من المسلمين ليس مؤمنا ولا مشركا لكنه كافر، أي في منزلة وسط بين المؤمن والمشرك../ 102/ أحمد فرج الله/ )..إذن ما الذي فعله واصل بن عطاء بهذه الفكرة؟ ترى قراءتنا أن واصل بن عطاء وّسع قوس الفكرة بجهوية مضافة وهي كالتالي (أن واصلا وهو يتبنى الفكرة، قد بدّل الذين يشغلون مركزها. إذ كانوا عند الأباضية المشرك والمؤمن والكافر، فأصبحوا عند واصل المؤمن والكافر والفاسق/ أحمد فرج الله )..وهذا يعني أن تفكرات واصل وسواه آنذاك كانت في شغل معرفي دؤوب، ونلاحظ هنا أن سؤال السائل الذي وجهه إلى الحسن البصري، سينتقل من الخاص الى العام الساخن، فصار المعني بمرتكب الكبيرة هو الحاكم ومشتقاته، وهنا يحدث تناغم بين أصلين من الأصول الخمسة لدى أهل العدل والتوحيد(المعتزلة) أعني أصل (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وأصل (المنزلة بين المنزلتين) ومن هذا التناغم المثنوي تتأثل ويتسع التأثيل في مشغل (العدل) لدى المعتزلة بتوقيت ثورات الخوارج ضد جور الأمويين. أما مسألة اعتزال واصل عن مجلس الحسن البصري، وانتقاله إلى عمود آخر من أعمدة المسجد،فلم تكن مرتجلة بل كانت تنتظر لحظتها المناسبة للكشف عن جهوية اختلاف معرفي، لقد حفظ واصل الدرس الحسني البصري، واكتملت شروط دروس واصل في تدريسه لطلاّب العلم، فمن حقه أن تكون له حلقته الواصلية في المسجد الجامع نفسه، فهو اختلاف وليس خلافاً بين واصل والحسن البصري وبخصوص العمود الخاص..(يروى لنا أنّ في زمن الوليد بن عُقبة، كان يقف منادٍ في الجامع يدعو إلى القراءة، وكان يتعين على أولئك الذين يقرأون على منوال أبي موسى أن يجلسوا في زاوية معينة من الجامع، وأولئك الذين يقرأون على طريقة أبن مسعود في زاوية أخرى../ 104/ د. هشام جعيط/ الفتنة – جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر)..
(*)
في البدء تتفق المعارضة : المعتزلة والمرجئة والخوارج وأصحاب الحسن البصري .. أن مرتكب الكبيرة هو(الفاسق) ثم انفردت فرق الخوارج واعتبرت مرتكب الكبيرة : من الكفرة. أما المرجئة و(الإرجاء دين الملوك) فقد اعتبرت مرتكب الكبيرة : (مؤمنا) !! أما الزيدية وكما جاء على لسان الإمام يحيى بن حمزة : فالزيدية ترى أن أختلاف الفرق الإسلامية في أجراء الأسماء على صاحب الكبيرة أو الفاسق سببه (أختلافهم في تحديد مفهوم الإيمان،فلما جعلت المرجئة الإيمان اسما لعمل القلب فقط فقد اعتبرت فاعل الكبيرة مؤمنا، ولما جعلت الزيدية والمعتزلة الإيمان اسما لاعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح فقد أنكرت كون فاعل الكبيرة مؤمنا، والرأي عندنا أن الإيمان اسم لمجموع عمل القلب والجوارح../281/ الزيدية / دكتور أحمد محمود صبحي ) ويضيف الإمام الزيدي يحيى بن حمزة( المعلوم من حال الصحابة أنهم لم يعاملوا الفساق ومرتكبي الكبائر معاملة الكفار أو المرتدين ولا أجروا عليهم أحكام الكفر أو الا رتداد) وعلى ذكر الفسوق والكفر، يعلق الإمام يحيى بن حمزة على رأي الأشعرية قائلا (إذا كان الله قد أوجد في الفساق فسوقاً وأن المعاصي مخلوقة من جهته، لا مِن جهة العصاة فأنه لا وجه لوجوب أستحقاق العقاب / 272) وبخصوص مرتكب الكبيرة، يرى يحيى بن حمزة (المعلوم من حال الصحابة أنهم أجروا على فاعلي الكبائر بعد القصاص منهم ما يجري على المسلمين من مناكحة وموارثة ودفن في مقابر المسلمين،فلو كانوا كافرين لماجرى عليهم ذلك/282) أما ما يذهب إليه المرجئة في تسمية فاعل الكبيرة مؤمنا فهو باطل وهو يفعّل يحيى بن حمزة رأيه متسلحا بعلم الكلام وينتج تفارقاً بين اللغوي والشرعي
إذ يقول :إن كان الإيمان في معناه اللغوي هو التصديق،ألا أنه في معناه الشرعي يقتضي فعل الطاعات.. والآية التي يستقوي بها المرجئة لا تعني أدراج البغاة ضمن المؤمنين في قوله تعالى،، وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فأن بغت أحداهما على الأخرى…/ 9- الحجرات،، وأنما هي كقوله تعالى،، يا أيها الذين آمنوا مَن يرتد منكم عن دينه،، ومعلوم أن المرتد عن دينه لا يعد مؤمنا../ 282- الزيدية ..أما الخوارج الأباضية فلم تر في مرتكب الكبيرة فاسقا أو كافرا، بل اعتبرته جزئيا كافرا، وأطلق عليه كافر كفر نعمة،ويطلق على هذا النوع من الكفر الجزئي (كفران النعمة) وهذا يعني (أن الفاسق معترف بنعمة الله معتقد بتعظيمه، وأنما أرتكب الكبيرة لشهوة أو لذة عاجلة وليس أنكارا لنعمة الله وأن أرتكابه لا يخرجه عن كونه معترفا بنعمة الله / 283- الزيدية)
(*)
نلاحظ ثمة شبكة من التشاكل المعرفي بين المذاهب الإسلامية حول مرتكب الكبيرة .وهنا الاشكال المعرفي : أن هذه الإجراءات التسموية، المجترحة والواردة في القرآن والمعروفة في السنة لا تنطبق على مرتكب الكبيرة،لمفارقة أوصافه أوصاف المؤمنين والكافرين والمنافقين،هنا ترى المعتزلة أن مرتكب الكبيرة من الفاسقين، وضمن شروط الإمامة أن الفسق يخرج الإمام من أهلية الاستمرار في منصبه، ويوجب خلعه ولو بالقوة، وفسوق الإمام يؤدي إلى خلعه..(وظهور الفسق يخرجه عن الإمامة من غير خلع وإخراج/ 180/ محمد عمارة/ المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية ) وهكذا يتموضع مرتكب الكبيرة في موضع الفاسق، فهو ليس من الكفرة ولا المؤمنين ولا المنافقين : هو في فاسق مقيم في (المنزلة بين المنزلتين).. وهذا التصنيف لمرتكب الكبيرة يغترف من المسطور في القرآن الكريم، فهو السند والذخيرة، وهكذا (بقي النص الإلهي إذن الحقيقة الأساسية في الجماعة. بل أن الجماعة لم تكن لتستمر بغير النص.إنه المسوّغ الوحيد لأستمرارها، وهو الذي يمنح ُ وجودها شرعيته المتعالية /10/ رضوان السيد/ الأمة والجماعة والسلطة)… من هنا نرى أن التجاوز على النص، يجعل الشخص مطوقا بتهمة مزدوجة شخصية ونصية، فحين يكابر الخليفة في محاباته لعائلته وينتهج سياسة ملكيّة وعائلية، تتقاطع مع فجر السُنة الجديدة والقوية بصعودها الخارق والمعمق للحماس الإسلامي، هذه السُنة منبجسة من وعي يتغذى من النص الأساس : القرآن الكريم ومن تجربة متميزة لسيرة شجاعة يجسدها الرسول، وهناك مَن يرى (الإسلام نفسه هو المشرع ضد عثمان. والإسلام هو الذي قتله، فمقتل عثمان إنتصار كامل للإسلام المستبطن في الوجدان العربي،على مخلفات الجاهلية، المجسّدة في فرع من قريش، الأمويين ورجلهم عثمان ../67- هشام جعيط/ الفتنة) لكن جعيط نفسه يقول في الصفحة السادسة من كتابه(إن الأمر يتوقف على مراحل تطور الفتنة،كما يتوقف أيضا على المتنازعين من أبطال القضية ومحرّكيها،فالقرّاء،أو المقاتلون – القارئون للقرآن، المتسببون الأوائل للفتنة، كانوا يقاتلون بولع في سبيل تطبيق القرآن في شؤون المسلمين/ ص6)!!
الباحث العراقي أحمد فرج الله: يرى أن المسلمين في الصدر الأول للإسلام لم يكونوا قد وصلوا إلى تصنيع صياغة تعريفية لمرتكب الكبيرة، فالمسلمون يومها لم يؤسسوا مشيدات عقلية ولهم عذرهم التفكري، خصوصا وأن هكذا مفردات مثل (مرتكب الكبيرة) تحتوي على مستويين: التداولي والمعرفي، على المستوى الأوّل
أنك تستطيع أن تعرف، وبسهولة،هذه الكبيرة أو تلك من الكبائر: القتل أو السرقة أو الزنا ..أما على المستوى المعرفي : يومها لا يمتلك المسلم القدرة على صياغة تعريف للكبيرة. والسبب بشهادة الباحث العراقي أحمد فرج الله : أن المعاصي والآثام التي تنطوي ضمن مرتكب الكبيرة هي من الكثرة والاختلاف بحيث لا يمكن أن يضمها تعريف ./ص89 لكن هذه السدود، حاولت اختراقها كافة الفرق الإسلامية قبل المعتزلة، فغالبية الخوارج كفرّت مرتكب الكبيرة، أما جمهور السنة والشيعة الإمامية فقد اعتبرت صاحب الكبيرة من المؤمنين الفسقة . في حين رأت المرجئة
(بتصحيح إيمان المسلم مهما كانت ذنوبه، مالم تبلغ الكفر) هنا تميّز الحسن البصري برأيٍ مفاده :مرتكب الكبيرة منافق .ثم يتوصل الباحث العراقي أحمد فرج الله : أن مرتكب الكبيرة : السلطة المنافقة، وهنا شخصن الحسن البصري عنف السلطة الغاشمة. من زاوية أخرى يرى الباحث في رأي الحسن البصري : نقلة ً تحاورية ً سياسة ً. لكن أحمد فرج الله يستدرك قائلا(فمن الخطأ ربط الكبيرة، وهي مفهوم إيماني فردي، بمفهوم ثوري أو موقف سياسي /94) بالنسبة لي كقارىء هنا أختلف مع الباحث القدير أحمد فرج الله،فهو هنا يطوّق المفهوم في حيز واحد، أعني مفهوم (مرتكب الكبيرة) وينضدّه أخلاقيا فرديا.وما يستدركه الباحث فرج الله هو تكرار لمقاله أحد أئمة الإعتزال(واعلم مسألة مرتكب الكبيرة، مسألة شرعية لا مجال للعقل لأنها كلام في مقادير الثواب والعقاب وهذا لا يعلم عقلا../ أحمد فرج الله/ المعتزلة بين الحقيقة والوهم)
(*)
لا يخفى على القارىء النوعي أن المفاهيم ثابتة لكن محتوياتها عرضة للمتغيرات كلما اتسعت حفرياتنا وتجهزنا بأجهزة جديدة .وهكذا نكون مع اتصالية المعنى / أنزياح الدلالة .
(*)
من جانب آخر يرى الباحث أحمد فرج الله(أن الفسق لفظ ذم لا يستقل بحكم خاص،شأنه شأن غيره من ألفاظ الذم الأخرى، لذا جازت إضافة الفاسق إلى الكافر،دون خشية الوقوع في تعارض بين حكمين مختلفين لكل منهما. ولنفس السبب يصدق على المؤمن أيضا. فيقال للمؤمن الذي يرتكب كبيرة: أنه مؤمن فاسق بكبيرته/ 106) ثم يستشهد الباحث فرج الله بآيات تحتوي المفردتين :
(.. فلن يغفر الله ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين /80 التوبة) فالآية تبدأ بوصفهم بالكفر وتنتهي بوصفهم بالفسوق، ولو كان الفاسق صنفاً مستقلاً عن الكافر والمؤمن،ينفرد بحكم خاص، كما يذهب المعتزلة، لما جاز أن يسمى الذين كفروا،بالفاسقين، مع أختلافهم في الصنف وفي الحكم../ 105
في الآية الثانية (و لاتصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره أنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون/ 84/ التوبة) وهنا يكتب الباحث أحمد فرج الله (فهؤلاء الذين كفروا بالله ورسوله،تسميهم الآية فاسقين لا كافرين مع أنهم كما تطلق الآية نفسها، كفروا بالله ورسوله،والاسم الذي يستحقونه بفعلهم ذلك هو الكفر لا الفسق ) وهنا يعيدنا فرج الله إلى قوله (الفسق لفظ ذم لا يستقل بحكم خاص،شأنه شأن غيره من ألفاظ الذم الأخرى /106)
(*)
المعتزلة بدأوا جماهيريا، بتوقيت زعامة عمر بن عبيد، وجاء في صحيح مسلم/ بشرح النووي/ ج1/ ص153 طبعة محمود توفيق بالقاهرة (أهل البصرة قد اعتنقوا هذا الفكر لمارأوا عمر بن عبيد ينتحله/ 164- محمد عمارة/ مسلمون ثوار )فقد انبجست من حلقته التدريسية في مسجد البصرة : الثورات والانتفاضات والاحزاب والتيارات .لكن حينما صار الاعتزال رسمياً برسم الخليفة المأمون، على ما في أطروحاتهم من توجهات جديدة وحداثية، وجهازهم المفهومي، طوقتهم كشوفاتهم المعرفية وصيرتهم بعيدين عن الكافة، كما طوقهم الخصوم أثناء محنة القرآن، واستقوى الخصوم بالغوغاء والعامة والمطمئنين على أرثهم الشفاهي من الملسمات ، كل هذه الجموع التي استلقى وعيها الجمعي في التشبيه، كيف لا تتصدى : للتنزيه والتجريد؟ وهي جموع من طغام الناس التي ربما لا دخل لها بشيء خارج قوتها اليومي. وفي هذا الصدد(يشكو الجاحظ من قلة العوام في صفوف المعتزلة، وكثرتهم في معسكر الخصوم، وينبه إلى أن خصوم المعتزلة، من الفقهاء، قد جمعت بينهم وبين العامة،النفرة من الفكر الفلسفي العقلاني المركب والاستنامة إلى ظواهر النصوص وتبسيط المعتقدات والأفكار/202 عن محمد عمارة في (مسلمون ثوار) عن القاضي عبد الجبار بن أحمد في(فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة) ) في هكذا لحظة محتدمة، لم يبق امام المعتزلة إلاّ الاستعان بقسوة السلطة، التي ستتسبب بعد حين بسقوطهم المدوي من قبل السلطة نفسها حين يكون المتوكل خليفة ً.
(*)
على المستوى المعرفي انشغل الفكر الاعتزالي بحيز معرفي واحد( خلق القرآن) دون تفعيل الأصول الخمسة للأعتزال والمعتزلة : في عهدهم صار رئيس الدولة هو فقيه الدولة، أعني صار الخليفة المأمون بوظيفتين : خلفية وفقيه مطلق،وتوارث الفقه الرسمي المعتصم والواثق. وحملته على المثقفين الذين لا يقرون بخلق القرآن تذكرني بحملة مكارثي ضد المثقفين الأمريكان في النصف الأول من القرن العشرين. وللمفكر طرابيشي رأي مغاير (..فاستتباع السلطة الدينية للسلطة السياسية في عهد المأمون والمعتصم والواثق أطلق شرارة إصلاح ديني قاده المعتزلة الذين قالوا بوجوب توافق العقل والنقل واستبعاد كل ما يتعارض في النص مع العقل ../493)..إذا كان الأمين مآزرا من قبل القوى ألا قطاعية وأمرائها فأن ثمن المآزرة هو الأستفادة من ضعف شخصية الأمين ونزوعه إلى التفرغ لحياة اللهو وعدم مبالاته بالشؤون العامة للدولة،فيحققون مطامحهم السلطوية وصولا ربما الى الاستقلال الذاتي بعيدا عن مركزية الأمبراطورية العباسية، أما المأمون فقد كان مؤيدا من الفئات الاجتماعية المتناقضة مصالحها الطبقية مع الفئات المرتبطة بالأقطاعات الريفية، من هذا التناقض الطبقي أرتفعت راية الفكر الحر المتمثل بعلم المعتزلة وهكذا تضررت فئة الفقهاء والمحدثين والمفسرين المحافظين المرتبطين مع بطانة الأمين وستبقى متضررة في عهد المأمون والمعتصم والواثق، لكن في عهد الخليفة المتوكل الذي لا يختلف أخلاقيا عن الأمين : تستعيد الفئة الفقهية سطوتها إلى زمن طويل ، ويصبح المتوكل – حسب النفاق الفقهي – ثالث ثلاثة من الخلفاء العادلين : أبو بكر الصديق يوم الردة، وعمر بن عبد العزيز يوم رد المظالم، والمتوكل في أحياء السنة/ 862/ حسين مروّة …

(*)
المعتزلة لم يتحاوروا مع المختلف، كما تحاور الخليفة عمر بن عبد العزيز مع الخوارج، للأسف صار المعتزلة مهرة ً بفن التعذيب.نعم لقد اكتملت قناعات المعتزلة الفكرية في وعي المعتزلة وليس في الوجود، فقد احتدمت كشوفات المعتزلة المعرفية وبهذا الاحتدام المؤدي إلى قسر المفكرين. نقضَت فرق المعتزلة أهم أصولهم الخمسة أعني (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بل هي أممت هذا الأصل لها وبسبب التأميم المعتزلي صار الأصل من أبشع وسائل انتاج التعذيب البشري بحق من يخالفهم في خلق القرآن.وبإشغال الناس في هذه المعركة الفكرية، تضبب جور بني العباس، وهكذا تفرغت والأصح مفهوم الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر، وصارت له قراءة سلطوية / حيزية خانقة، خلافا لتموضعاته في السورة القرآنية : لقمان / الحج/ آل عمران/ الأعراف/ التوبة.. وهذا يعني أن المعتزلة بقصدية / قسرية نسخت المعروف والمنكر كما وردت في السور، وتحول الإلهي المنفتح إلى حيز ضيق ينز دماء بلا جريرة، سوى عدم إذعانهم لما جاء به المعتزلة .لقد انمسخ العدل وهو من الأصول الخمسة للمعتزلة إلى زجر بقسوة الحد!! بمؤثرية الإستقواء بحاكمية ذي الرئاستين الخليفة الفقيه المأمون، وهنا تهمشت الشريعة وتسيّد الفقه !! تهمشت من تملك الكليات التأسيسية..
(أن ألاضطهاد الذي عومل به خصوم المعتزلة وخصوم فكرة ،،خلق القرآن،، أثناء سيطرة المأمون والمعتصم والواثق، قد أفاد هؤلاء الخصوم أكثر مما أفاد المعتزلة ومذهبهم،إذ أستغل المحافظون هذا الاضطهاد إلى أقصى حدود الاستغلال لدى الرأي، وجعلوا منه حجة و،،مبررا للاضطهاد المعاكس الذي أخذ يعانيه المعتزلة ومذهب الاعتزال/ 862/ حسين مروّة ) وهذا الانشغال تسبب في عدم استكمال المهام التاريخية لمذهب الاعتزال في ارتقاء الفكر العربي فلسفيا، وبعد نصف قرن من كل هذا الخراب الذي أصاب مذهب الاعتزال، سيقوم معتزلي مرتد، باستعمال المنهج الاعتزالي لصالح خصوم المعتزلة، بعد أن يفرغه من عقلانيته الجوهرية، وستكون الأشعرية بقيادة أبي الحسن الأشعري الذي كان معتزليا عشرين عاما ثم اعلن براءته من الاعتزال
(*)
بعد بضعة وعشرين عاما يتبرأ أبو الحسن الأشعري من المعتزلة، ويؤسس المذهب الأشعري ويسيطر المذهب الاشعري، منذ آواخر القرن الثالث الهجري، على كل اتجاهات علم الكلام، وعلى الفكر الإسلامي السني ؟ وهنا يعيننا العلاّمة الشهيد الدكتور حسين مروّة، (أن السر في ذلك لا نفهمه دون أن نفهم المنهج الذي اعتمده الاشعري في العودة ألى مذهب أهل الحديث الاولين. أن الأستناد النظري الى مذهب أهل السنة في قضايا الدين والمجتمع والطبيعة ليس جديدا، ولكن الجديد الذي يضفي أهمية خاصة على المذهب الاشعري هو ذلك المنهج الذي أخذ به، والذي أكسبه قوته بحيث أستطاع أن،، يبرر،، بعد غياب المذهب المعتزلي من ساحة علم الكلام، ماهو هذا المنهج؟ إذا نظرنا دون الظاهر السطحي، سهل علينا أن نرى المنهج المعتزلي يمتد في منهج الاشعري بنوع من الامتداد،أي أن الاتجاه العقلاني الذي أسسه المعتزلة في الفكر العربي، لم تسطع الموجة المحافظة أن تطفىء جذوته ولا أن تضع حاجزاً متماسكا يقوى على الحيلولة بين هذا الاتجاه العقلاني المعتزلي وبين التأثير غير المباشر في مسار تلك الحركة،لم يكن لأبي الحسن الاشعري أن يعود الى مذهب أهل السنة دون أن يحمل الى هذا المذهب حاصل العملية التاريخية، التي وجهت الفكر العربي بجملته توجيها عقلانيا كان للمعتزلة فضل قيادته / 863- حسين مروّة/ النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية/ ج1/ دار الفارابي – بيروت/1979)..
(*)
في ص334 تتوقف الباحثة عن القدرية (وتذكر أن الجهني هو أول من تكلم بالقدر وقد صلبه عبد الملك وقيل بل عذبه الحجاج بأنواع العذاب وقتله في 80 هجرية ، العلاّمة الدكتور حسين مروّة له رأي آخر : )يأتي معبد الجهني وعطاء بن يسار إلى الحسن البصري ليقولا له : يا أبا سعيد، هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين، ويأخذون أموالهم ويقولون: أنما تجري أعمالنا على قدر الله تعالى؟ / ص572) هذه المحاورة تبرىء الجهني وعطاء من تهمة القدرية، بل الملوك القتلة الظلمة (ينسبون أعمالهم إلى الله تعالى، إلى قضاء الله وقدره )
(*)
غيلان الدمشقي صُلِبَ أيام هشام بن عبد الملك 105 هجرية/ص 334و غيلان الدمشقي كان يقف ضد المجبرة ، أو الجبرية الذين يجردون الإنسان من كافة اختياراته، ويعتبرون الإنسان هو الفاعل المجاز وأن الله هو الفاعل الحقيقي. يرى غيلان أن الإنسان حرٌ، مختارٌ، مريدٌ ..في كافة أفعاله ويبدو أن غيلان قد تشربت في روحه حرية الاختيار ومفهوم العدل من :الحسن بن محمد الحنفية، وقد سبقه في هذا الطريق معبد الجهني في إشهاره لمبدأ حرية الاختيار، وإذا كان معبد الجهني وحده أو لم يقف معه إلاّ القلة فأن من غيلان ستنبجس الغيلانية كأول فرقة للعدل والتوحيد وستمهد الغيلانية للمعتزلة، آنذاك كان التراسل مستمراً بين عمر بن عبد العزيز وبين غيلان الدمشقي، وحين صار عمر خليفة طلب من غيلان الدمشق أن يعاضده، فطلب غيلان منه أن يجعله قائما على رد المظالم والأموال المغتصبة من الأمة، والتي استحوذ عليها خلفاء بني أمية وولاتهم. وبشهادة غيلان نفسه (ولّني بيع الخزائن ورد المظالم ) (فولاه هذه المهمة، وعهد إليه بتلك المسؤولية) من هنا انبجس ثأر بين بني أمية وبين غيلان، وأثناء مرور هشام في السوق رأى غيلان الدمشقي ينادي على متاعهم المصادر ويرد الامانات إلى أهلها على مرأى العامة والكافة، فقال هشام لخاصته(هذا يعيبني ويعيب آبائي؟! والله إن ظفرت به لأقطعن يديه ورجليه/ 149)
(*)
في مفصل : حركة الردة / 40 تستقبلنا الباحثة عواطف العربي شنقارو، بشذرة قدسية من القرآن (من يرتد منكم عن ديني) ثم تفكك مفردة ردة معجميا ثم ترتكز في بحثها على أقوال بعض المؤرخين وتعتبرها الشرخ الأول في الإسلام (أول شرخ يصيب هذا المجتمع الموحّد في إطار الإسلام )!! نلمس ُ في قول الباحثة شحنة يوتوبيا عالية الجودة، سرعان ما تنقضها هي بعد سطور وتخبرنا(يبدو أن الأحداث السياسية التي حدثت في السقيفة، جعلت القبائل تتمرد على سلطة المدينة وترفض تبعيتها كنوع من التحرر من النفوذ السياسي للدولة الإسلامية الجديدة ../41) نرى الأمر كالتالي : أن مجريات السقيفة : تدحض توصيفها (المجتمع الموحّد في إطار الإسلام) كما أرى أن مفهوم (الدولة الإسلامية الجديدة) فضفاض على المتغيرات التي جرت في المجتمع القبائلي العربي،الدولة كانت في طور التأسيس . ثم ترى في حروب الردة (أعادت وحدة الصف للأمة الإسلامية بعد أحداث السقيفة) أولا السقيفة،ستتمخض عن يوم ينحدر الجمل من السقيفة * ونتساءل مع المفكرّ نبيل فياض (هل كانت الخلافة الإسلامية استمرارا للإيمان المحمدي فعلا؟ / 90) ومن جانب آخر ينفي الدكتور فيليب حتي صفة الردة عن الحروب التي تلت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلّم (إن المقاطعات التي أسلمت في حياة النبي وخضعت لسلطته لم تتجاوز على ما نعتقد ثلث الجزيرة، وذلك لصعوبة المواصلات،ولعدم قيام الدعوة المنظمة، ولقصر المدة الواقعة بين البعثة والوفاة، والحجاز نفسه لم يسلم بأكمله حتى سنة أو سنتين من وفاة النبي. فحروب الردّة التي قام بها أبو بكر إذن لم يكن المقصود من أكثرها إرجاع المرتدّين إلى حظيرة الإسلام – كما يزعم المؤرخون – بل إدخال العرب غير المسلمين في حظيرته / 168 ).. أن الإسلام بنية اجتماعية مستحدثة أما عناصر هذه البنية، فهي تنتمي إلى بنية أجتماعية سابقة للإسلام ..(أو تشير إليها في وجودها الحاضر كعناصر في البنية الاجتماعية القائمة ../57/ مهدي عامل/ أزمة الحضارة العربية )
(*)
نقرأ الكلام التالي للباحثة حول الصعوبات التي واجهت أبا بكر فتطلق على حروب (الردة) المجابهة الأولى وتطلق على استكمال الفتوحات : المواجهة الثانية، وعلى استخلاف عمر المواجهة الثالثة؟ لماذا هذا التباين بين التسميات ؟ أعني الردة مجابهة ! والفتوحات والاستخلاف : مواجهة ! والسقيفة . ماذا تسمى ؟ مواجهة ؟ مجابهة؟ صراع على مراكز النفوذ؟ .. بخصوص ما أطلقت عليه الباحثة (المواجهة الثالثة) أليس الخليفة هو الذي فجرّها بتحيز مفضوح؟ (أستخلاف عمر بن الخطاب ومبايعة أبي بكر له في حياته../42 ) تصف الباحثة الذين رفضوا كل هذه الإنزياحات الجارفة( غلاة الفرق الإسلامية) !! أرى ما بين القوسين توصيف جائر من قبل الباحثة! هل من يطالب بالإنصاف والعدل يعتبر من الغلاة ؟ وماذا تسمي طبخة السقيفة ولعبة الاستخلاف التي ستتكرر؟ .. والباحثة من جانب آخر تنقض قولها، فهي تكتب (وهذا لا يعني شيئاً سوى غياب الشورى(المتمثلة في شورى المسجد ومشورة أكبر عدد من الناس ) وحلت محلها شورى وجوه وسكان المدينة من المهاجرين الأنصار،إذ لم يدخل في الشورى أفراد من وراء حدود العاصمة (المدينة) من عرب الحواضر أو أعراب البوادي..وأيضا ففي نطاق معاينة زعماء سكان المدينة يتبين أنه كان هناك أمتياز لتلك الهيئة الاستشارية القيادية وهي هيئة المهاجرين الأولين، المجلس الاستشاري للخلفاء، وهي التي أحتكرت لنفسها حق الترشيح من بين أعضائها لمنصب الخلافة، وكان لها الحق وحدها في ذلك../ 40)أحتكار إرستقراطي، متفق على تغييب دور علي – عليه السلام – وتؤكد الباحثة عواطف شنقارو ما يفضح الأعوجاج المبكر ضد علي بن أبي طالب، الاعوجاج الذي سيتحول عنفا ضد على وذريته – عليه وعليهم السلام ..(بينما نجد أن عليا رضي الله عنه قد غُيّب تغييبا كاملا عن هذه المشاورات ولم أجد عند اليعقوبي أو الدينوري أو السيوطي أو الطبري أو غيرهم أي إشارة لوجوده أثناء مناقشة هذا الأمر..) وما بين الأقواس من كلام الباحثة عواطف العربي شنقارو، أبطل قولها (غلاة الفرق الإسلامية)..فهؤلاء هم المعارضة الإسلامية التي وقفت ضد الجور
(*)
في تفكيك الباحثة شنقارو: مقولة (الإمامة في قريش) أضاءت النفق فعلا وفندّت تلفيقا، في قولها أن قولة الرسول تعني (إمامة الصلاة والشرائع ولا يقصد الجانب السياسي إلا بعد ظهور الشيعة والغلاة من الخوارج، وتحديدا في زمن عثمان حيث أصبح الإمام في نظرهم هو من يتولى الأمور السياسية والدينية… أما في عهد الرسول صلى الله عليه وسلّم فكانت الإمامة تعني الصلاة../ 39) ومن كلام الباحثة نلمس أن (الإمامة) تعرضت لإنزياح دلالي. والإمامة في قريش توأم بستان قريش!! رغم مقتي لأقحام مفاهيم تلائم (فجر الإسلام) فأنني أرى أن ما جرى وبدقة متناهية، ليس لعبة (اليمين واليسار في الإسلام) بل هو نوع إسلامي من (الثورة المضادة) بدأت بالعهد الراشدي وأكتملت في العصر الاموي وما يليه من عصور.. لكن الجميل أن الثورات المغدورة لم تحدد نسلها، كانت دؤوبة بنخر الطاغوت المتأسلم، وتحقيق أحلام المساكين ولو على مدى لحظة تاريخية، لكن هذه اللحظات هي من أجمل ما في تاريخ إمبرطورية العرب الإسلامية..
(*)
مع كل هذا الأستبداد الدؤوب من الخلفاء والولاة والأثرياء الظلمة (اعتبر علماء مدرسة السنة الولاية والسياسة من الطاعات، وعدّوها عبادة، ليس بمعنى أنها ،،تعبد،،بل على أساس أنها من الاعمال الدنيوية التي تتم في الإطار المرجعي العام للدين. وهكذا فإن تعيين رئيس الدولة أو الإمام يعتبر من باب العمل الدنيوي وهذا لايمنع من اعتباره ديناً، بالمعنى العام،أي عملاً يُعتبر طاعة،فيؤدي بحقه، ويتقي الله فيه…وعلى هذا الأساس يجب أن تفهم عبارات فقهاء الإسلام في هذا المجال مثل قول ابن تيمية فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله ../ 89/ د. سعد الدين العثماني/ الدين والسياسة )
مكتبة المبحث
عواطف العربي شنقارو/ فتنة السلطة – الصراع ودوره – في نشأة بعض غلاة الفِرق الإسلامية (القرن الأول حتى القرن الرابع الهجري/دار الكتاب الجديد المتحدة/ ط2/ 2001/ طرابلس – الجماهيرية العظمى
هادي العلوي/ في الدين والتراث/ دار الطليعة/ بيروت/ ط1/ 1973
و. مونتجمري وات/ محمد في مكة/ ت.د عبد الرحمن الشيخ حسين عيسى/ مراجعة د. أحمد شلبي/ الهيئة المصرية / 2002
محمد أركون/تاريخية الفكر العربي الإسلامي/ مركز الانماء القومي/ المركز الثقافي العربي / ترجمة هاشم صالح/ ط3/ 1998
باتريشيا كرون/ تجارة مكة وظهور الإسلام/ ترجمة آمال محمد الروبي/ مراجعة : محمد إبراهيم بكر/ المجلس الأعلى للثقافة/ مصر/ 2005
الدكتور حسين قاسم العزيز/ البابكية أو أنتفاضة الشعب الأذربيجاني ضد الخلافة العباسية/ مكتبة النهضة – بغداد / دار الفارابي – بيروت.
يوسف شلحت/ بٌبني المقدّس عند العرب قبل الإسلام وبعده/ تعريب خليل أحمد خليل/ دار الطليعة /بيروت/ ط2/ 2004
وجيه كوثراني/ الفقيه والسلطان/ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات / بيروت/ ط5/ 2017
أحمد بن يحيى بن المرتضى/ طبقات المعتزلة/ تحقيق سُوسنة ديفلد / بيت الياسمين للنشر والتوزيع/ القاهرة/ ط1/ 2015
مصطفى غالب/ أعلام الأسماعيلية/ منشورات دار اليقظة العربية / بيروت/ 1966
(10)هشام جعيط/ الفتنة : جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر/ دار الطليعة / بيروت/ ط4/ 2000
(11)محمد عمارة / المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية / المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت/ ط1/ 1972
(12) محمد عمارة/ مسلمون ثوار/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت/ ط1/ 1974
(13) أحمد فرج الله/ المعتزلة بين الحقيقة والوهم/ دار الشؤون الثقافية العامة / بغداد/ط1/ 2006
(14) الدكتور حسين مروّة / النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية/ الجزء الأول/ دار الفارابي / بيروت /ط1/ 1979
(15) رضوان السيد/ الأمة والجماعة والسلطة/ دار أقرأ/ بيروت/ ط1/ 1984
(16) مهدي عامل /أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازية العربية/ دار الفارابي/ ط1/ 1973
(17) نبيل فياض/ يوم انحدر الجمل من السقيفة/ دار أبكالو/ ألمانيا/ 2019
(18) أعمال جورج طرابيشي
*مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام/ دار الساقي/ بيروت/ط2/ 2014
*من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث/ دار الساقي/ بيروت/ ط1/ 2010
*العقل المستقيل في الإسلام/ دار الساقي/ بيروت/ ط2/ 2011
*هرطقات 2/ عن العلمانية كإشكالية إسلامية – إسلامية/ رابطة العقلانيين العرب – دار الساقي/ بيروت /ط1/ 2008
(19) دكتور أحمد محمود صبحي/ الزيدية / دار الزهراء للاعلام العربي/ ط2/ 1984
(20) د. سعد الدين العثماني/ الدين والسياسة تمييز لا فضل/ المركز الثقافي العربي/ بيروت/ ط1/ 2009

أحدث المقالات

أحدث المقالات