22 نوفمبر، 2024 10:50 م
Search
Close this search box.

لا نريد دستور اسلامي

لا نريد دستور اسلامي

حدثني احد العراقيين وهو رجل مثقف مسلم الديانة خمسيني العمر ، راجيا عدم كشف اسمه ، قائلا والعهدة عليه :
منذ عقود عديدة اصبحت اغلب المجتمعات البشرية وخصوصا المتحضرة منها تدرك ان القوانين التي تحكم وتنظم العلاقات بين افرادها انما هي احد اهم العلوم ذات الجوانب الادارية والانسانية والتي تخص كل انسان في الكون ، لذا فان اي تطور او تغيير فيها وفي اي مجتمع كان انما ينعكس وليحدث اثاره الايجابية في تغيير قوانين المجتمعات الاخرى.

المجتمعات المتحضرة تدرك ان القوانين المسنة فيها لها قبلة مقدسة  واحدة هي الانسان ، وهذا الانسان لا يميز بدين او لون . القوانين المسنة حاليا في هذه المجتمعات هي حصيلة الفكر البشري اضافة لكونها ثمرة عمل ونضال وتضحيات العديد من الناشطين في المجال الانساني وحقوق الانسان.
لا تجد في دستور اي مجتمع متحضر اشارة الى ان القوانين يجب ان تسن وفق الدين الفلاني او الشريعة الفلانية مع ان حق التدين باي ديانة مكفول ضمنا ، فدين اومذهب او معتقد اي انسان أمر خاص به ولكل انسان مطلق الحرية  فيها الى الحد الذي لا ينتقص فيه من حرية الاخرين. 
في المجتمعات المتحضرة يتم تغييرالقوانين المنظمة لعلاقة الفرد بالدولة أو بقية الافراد بين فترة وأخرى وفق التطور الذي يتزايد طرديا بازدياد الفهم البشري لحقوق الانسان ، فحكم الأغلبية لم يعد مجديا فيما يخص الكثير من حقوق الانسان في مجال حياته  الشخصية كما في مسألة ايمانه بالله او في شكل ونوع حياته الجنسية مثلا ، فالانسان حر في كل شيء طالما انه لا يؤذي غيره. ان حصول الانسان على كامل حقوقه الانسانية بما فيها حقوق العدل والمساواة والعمل والتأمين المعيشي والصحي يساهم مساهمة لا متناهية في اطلاق العنان لمزيد من الابداع والتطور العلمي من اجل حياة افضل لكل انسان في الكون.
المجتمعات الشرقية عموما والعربية منها تحديدا ما تزال  تشكل عبئا على انفسها اضافة الى عبئها على المجتمعات المتحضرة ، فافراد المجتمعات العربية ذات الغالبية المسلمة يعانون من ازدواج كبير في شخصيتهم الاجتماعية ،  فهم مثلا يقرون بان حقوق الانسان في اي مجتمع غربي هي افضل من حقوق العربي في بلده ، كما ان العربي يتمتع باغلب الحقوق الدينية والانسانية حينما يقيم في بلد غربي ، بينما يكون فاقدا لتلك الحقوق في بلده ذي القوانين والانظمة الاسلامية ، ورغم كل ذلك ترى ان اغلبية افراد المجتمع العربي  تستفتي لصالح دستور اسلامي ! بل  وما يزيد الطين بله هو ان الغالبية المطلقة من هؤلاء العرب يمارسون سرا او علنا الكثير مما يعاقبون عليه وفق الشريعة الدينية بينما قد تكون اعمالهم تلك هي حق من حقوقهم الانسانية في شرائع وقوانين المجتمعات المتحضرة.
ان سبب هذه الازدواجية يرجع الى سيطرة بعض القوى الدينية على منابع ثروة مادية ومعنوية ضخمة تتمثل بالاماكن الدينية في مجتمعات متخلفة حضاريا واقتصاديا بحيث يضطر الفرد فيها الى التمسك بقوة الغيب لتنتشله من واقع الضعف والعوز وفقدان العدل والامان ، كما ان هذه الازدواجية مستفحلة في المجتمعات العربية اكثر من اي مجتمعات اخرى ذات غالبية مسلمة بسبب كون اللغة العربية هي لغة الدين  مما يوفر ويجعل الطريق سهلا لبعض القوى السياسية والدينية  للف والدوران لاقفال عقل العربي بحجة اوامر الله ومن ثم تهديد ذلك الفرد بالجهنم الموعد فيما لم يضحي بحقوقه الانسانية بينما تتمتع تلك القوى بتلك الحقوق سرا.
تقر قلة من المثقفين العراقيين سرا بان بعض القوى الدينية كانت صاحبة الحظ الاوفر في ان يفقدالعراق فرصتين ذهبيتين في تاريخه الحديث لمحاولة الالتحاق بركب الحضارة وتوفير حياة كريمة لمواطنيه وتتمثل الاولى بالاحتلال البريطاني والثانية بالاحتلال الامريكي ، فبدلا من التحضر اوالتعقل والاستفادة من حضارة متقدمة  كما حصل لشعوب اخرى مرت بنفس ظروف الاحتلال ، حصل اننا جابهنا تلك الجهتين بطريقة ما دون ان نحصل على اي فائدة سوى المزيد من اضاعة الحقوق الانسانية لمواطنينا ، مذكرين باقرارنا المنطقي بوجود اهداف خاصة لاي محتل. 
عيبا ، فقد العراق مواطنيه اليهود والصابئة والمسيحيين والايزيديين ، وعيبا يفقد كل العراقيين حقوقهم الانسانية يوم بعد آخر ، ،فالى متى يستطيع العراقيون اقرار دستور لا يميز بينهم كبشر !

أحدث المقالات