23 ديسمبر، 2024 6:50 ص

لا مصالحة بوجود الاحزاب الدينية!!

لا مصالحة بوجود الاحزاب الدينية!!

بات من واقع الحال في العراق أن الحكم تحول الى طائفي قلبا و قالبا فالتحالف الوطني يدافع عن مظلومية الشيعة بمختلف التصورات و اتحاد القوى يستنجد الجميع لانقاذ آهل السنة من الحصار الانساني، بينما يتفرج الأكراد على المطحنة عن بعد رغم أن المتطاير من جريشها يدمي بعض العيون، وذلك في أول تجربة حكم للأحزاب الدينية في العراق بكل مغرياتها و أجنحة النفوذ فيها، و الجميع لا علاقة لهم بالمذهب الا من باب المحافظة على المكتساب على حساب ملايين الجياع و الثكلى.

و في زحمة حكم طائفي غير مسبوق يتقدم المذهب على الوطن لذلك تندحر توجهات لملمة البيت الوطني من الداخل، فالفرقاء الشركاء ينظرون الى المستقبل من ثقب باب الولاء المذهبي لا المسؤولية الوطنية، لذلك ظلت التجربة السياسية في مرحلة الفطام و تقطعت السبل في التفكير بطي صفحة الماضي، لتتحول المصالحة الوطنية الى مضاربة سياسية لضمان مصلحة الأحزاب الدينية في تشتييت الأنظار بعيدا عن الهدف الأسمى بالمحافظة على طهارة النسيج الاجتماعي العراقي.

واذا تفحصنا المواقف منذ 2003 الى اليوم نجد أن وجهات النظر المذهبية تتقدم بمئات الكيلومترات المجازية عن الرغبة في تعميق الشعور الوطني، انطلاقا من قناعة ان الانغلاق على الطائفية يُغطي على انعدام شعبية هذه الأحزاب خارج المنطقة الخضراء بفروعها المختلفة ، ما يكشف عن السبب الحقيقي وراء فشل مشروع المصالحة لأن الحكم وفق وجهة نظر الاسلام السياسي يضع المواطنة في درجات متأخرة جدا، ما يبرر ايضا الرفض ” المتفق عليه” لعودة كفاءات النظام السابق لأن ولائهم وطني وعفة أيديهم غير مشكوك بها.

يتقابل رجال الاسلام السياسي مع الرب اكثر من 5 مرات في اليوم لكن بقريرة لا تخلو من التشويش المصلحي الدنيوي، بدليل ان الفساد يضرب اطنابه و الأحزاب الاسلامية مستفيدة منه بنسب كبيرة ، يجف رحم البرلمان في تمرير قانون الاحزاب، و تتبخر ميزانيات المؤسسة الملحقة بهذه الأحزاب بدرجات غليان عالية، لتمويل نشاطات هذه الحزاب على حساب الخدمات العامة، ما يجعل من الأحزاب الاسلامية الطبقة المتنفذة ماليا و سياسيا و أمنيا في العراق لكن ليس ضمن مشروع عراقي وطني بل أجندة طائفية تحمي الرؤوس الكبيرة، التي لم نشاهد انهيار عرش أحدها سياسيا منذ 12 سنة، بعيدا عن التسقيط الشخصي و المصلحة العامة.

لا توجد تجربة حكم في العالم قطعت الصلة بالماضي مثلما يجري في العراق، والسبب بسيط هو أن كل أحزاب مرحلة ما قبل الاحتلال كانت قريبة جدا من الليبرالية لكنها لم تقطع الصلة مع الدين، فأوجدت حالة من التوازن تمكنت عبرها من جمع كل المذاهب في المؤسسة الرسمية ليس من باب الانتصار للطائفة بل الدفاع عن مصلحة الوطن، لذلك تحركت عجلة البناء بحكم تقادم التجربة، بينما تزحف الحلول على بطون خاوية منذ 12 سنة و ستبقى طالما أن الولاء الطائفي يتقدم على المشروع العراقي، ما يستدعي

ترك الدين لله و فتح أحضان الوطن للجميع، اذا فعلا كان هناك خوف من الله على مستقبل العراق و آهله، فلا يجوز من حيث المنطق خلط الدين بالسياسة بحيث يتماثل الخطاب في بيوت الله مع الأروقة السياسية .

ولأن قيم الدين مختلفة عن فهلوة السياسة فقد حان وقت العودة الى الجذور بحيث تكون بيوت الله مكانا لاشاعة أجواء التسامح و الألفة لا مسرحا للتنابر السياسي بالالقاب الطائفية، بحيث يكون رجل الدين مجتهدا في ارساء اسس التوافق الاجتماعي لا خبيرا في التحالفات السياسية فيجتهد بالمكان غير الصحيح، أما الأحزاب الدينية فأمامها فرصة لمراجعة المواقف قبل فوات الآوان لأنها لم تكن يوما أشد صلابة من أنظمة الحكم الشمولي، بدليل تراجع شعبية هذه الأحزاب في العراق بشكل كبير جدا!!

وبموضوع غير بعيد جدا عن خلط الدين بالسياسة و افرازات ذلك، الدين ففي تونس المعروفة بتجربة الحكم المشترك الفتية جدا توصل العقلاء الى قناعة بأن اجتزاء الماضي نكبة بكل المقاييس حيث رحب حزب نداء تونس الذي يقود الائتلاف الحاكم بـ”جميع الوزراء والكفاءات” التي عملت في نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي لـ”خدمة البلاد”، فقط عندنا في العراق يتصرفون عكس المنطق ربما لقدرة الكفاءات على تفكيك مشروع الأحزاب الدينية الطائفي!!

[email protected]