إذا كانت المصلحة هي من تحدد طبيعة العمل السياسي, فمن له المصلحة في إحراق مرقد الشهيد محمد باقر الحكيم؟ سيأتي الجواب الإعلامي, إنها ردة فعل لمتظاهرين نتيجة لاعتقال البعض منهم داخل المرقد أو يأتي جواب أخر بأن هنالك مندسين يريدون الإيقاع بين المتظاهرين والجهة التي يعود إليها المرقد, مع بقاء عنوان المندسين قابل لأن يكون بعدة تفسيرات, وهذا ما تروج له الوسائل الدعائية, ولكن كيف نثق بهذا الجواب ولماذا نأخذ به مسلًماً والجهات الإعلامية هي نفسها التي مارست الزيف طوال ستة عشر عاما!؟
ما ينبغي أن نعرفه أن سياسة تيار الحكمة بالخصوص تقوم على الأساس الذي بُنيت عليه مرجعية السيد محسن الحكيم فهي تعتمد كلياً على دور المرجعية في النجف في العمل السياسي, ولهذا دائماً ما نراهم يعتبرون أن كتلتهم تمثل كتلة المرجعية ولا ننسى وصية الشيخ بشير الباكستاني النجفي في ذلك, بينما تُعتبر إيران بالنسبة إليهم حليفاً استراتيجياً وليس لفقيهها ولاية عليهم بحكم أن مرجعية النجف لا تؤمن بولاية الفقيه, ومع انقلاب السياسة الدولية والأحداث الداخلية في العراق والتظاهرات الكبيرة منها على وجه الخصوص والتي أخذت تقلّم أظافر هذا الحليف, وقع تيار آل الحكيم في حرج كبير من تحديد الموقف وذلك لسببين.
الأول من الناحية السياسية الداخلية: يعتبر سقوط الحكومة الحالية هو سقوط للكتل الفائزة بالأكثرية, مما ينبغي على إعلام تيار الحكمة أن يدفع باتجاه تسقيط الأداء الحكومي سياسياً وان يكون مع المتظاهرين شكلياً. الثاني من الناجية الخارجية: إن هذه التظاهرات تهتف ضد إيران وضد وليها ومليشياتها في العراق وتحملّها مسؤولية دمار البلد وهذا الأمر بطبيعته يستلزم القطيعة بين تيار آل الحكيم وإيران وهي قضية بالغة الصعوبة.
وعلينا أن نعرف أن آل الحكيم ليس كبعض السياسيين الذين ما أن ينقلب الوضع في العراق سيحزمون أمتعتهم ويرحلون, لأنهم من العائلات النجفية والتي امتدت إلى بغداد والبصرة وأملاكها كبيرة وكثيرة في العراق, فالعودة إلى ماضي المعارضة تحت سيطرة الولي الفقيه يعتبر كابوساً بالنسبة إليهم وخاصة مع ما يحصل داخل إيران نفسها , هذا الأمر يجعلهم ممن يفكر في مصلحته ومستقبله ولو على حساب تلك العلاقة, فليس من العقل أن يرهنوا أنفسهم وهم في بلدهم بمصير حكومة أخرى تترنح في بلدها.
ولهذا مثل هذا التيار الذي يعتمد بالذات في شعبيته على جماهير الوسط والجنوب وخصوصا عشائرها ستفقد إيران حليفاً كبيرا لها إذا ما فقدته, فلابد من العمل على توريطه بأعمال عنف مع المتظاهرين قبل أن يتملص, وهذا الأمر إنما يتم بطريقتين الأولى: إيعاز إيران إلى عناصرها التي تعمل مع نفس التيار بخطف واعتقال المتظاهرين, والثانية تحريك جهات سياسية لدفع متظاهرين آخرين “مندسين!” أو مخدوعين لمهاجمة المرقد بحجة إطلاق سراح المعتقلين وبالتالي حدوث صدامات وعنف مسلح, وهذه الجهة السياسية من مصلحتها أن تتحول هتافات المتظاهرين ضد الحكيم للإسقاط السياسي المقابل وكما صرح ممثل الحكمة من على شاشة العربية الحدث.
وهنا النتيجة: عندما تحصل صدامات وسقوط ضحايا ويصبح بعد ذلك تيار الحكمة متورطاً بقتل المتظاهرين, عندها سيُجبره هذا الأمر على أن يكون ضمن المليشيا المسلحة التي تمارس قمع الانتفاضة بالقوة كواقع حال, وبذلك تضمن إيران بهذه الطريقة أنها ترهن مصير تيار الحكة بمصيرها في العراق إلى جانب من يخضعون عسكرياً لولاية فقيهها, لكن يبدو أن تيار الحكمة لديه شيء من التعقل والمكر السياسي, فسهّل عملية التخريب ثم سخّر الدعاية الإعلامية لحرق المرقد إلى جانبه وجانب مرجعيته النجفية غاية أن يحصل على تعاطف جماهيري مع تشويه لصورة التظاهرات وبذلك يضمن أولاً فشل الجهة السياسية التي حاولت قلب التظاهرات وثانيا التحشيد الشعبي للمطالبة بحل سياسي بدلاً عن العنف يأتي من مرجعية النجف يقطف ثماره فيما بعد على أنه راع للإصلاح تحت ظل المرجعية دون إغضاب الجانب الإيراني ومع بقاء ممارسة مسك العصا من الوسط بين طرفي صراع الشرق والغرب.
يمكن أن نسمي هذا النوع من الذل والسكوت الذي مارسته الكتل السياسية تجاه عبث اليد الخارجية بأرواح الناس وبمقدرات البلد بمكر المنبطحين فهؤلاء لا هم من الشجاعة بحيث يستطيعون وقف التدخلات الخارجية وليس بمقدورهم مصارحة المجتمع بالواقع فتراهم في كل مخطط أو مؤامرة يتم صناعتها من قبل دول الخارج يحولون التهمة فيها إلى من يعارض سليماً شكل العملية السياسية بانبطاحيتها وفسادها, غاية أن يظهروا براءة الأقطاب الخارجية والداخلية المؤثرة في البلد والتي تهيمن على العمل السياسي وخوفا من خروج الأمة من سباتها وحصول حالة وعي مجتمعي.