بالخطأ او بسبب العناد او لنصرة الفساد او لاخفاء المعالم والبقاء بعيدا عن السؤال والحساب او ارضاءا لأعداء البلاد والتستر على خفايا الأمور او لقضايا لم نعرف عنها بعد ، ضاعت الموازنة الاتحادية لعام 2014 فعاشت البلاد بدون موازنة وكأننا بلد ( ألواق واق ) ، فقد تأخر أعدادها وتقديمها ومناقشتها وإقرارها بعد أن تم الانشغال بالانتخابات وصراعات تشكيل الحكومة الذي تزامن مع الهجمات الإجرامية للدواعش والسيطرة على مساحات من ارض البلاد ، وبدلا من الإصرار على إعداد ومراجعة الحسابات الختامية لعام 2013 وإبراء ذمة الحكومة السابقة فقد انقضت سنة 2014 بدون موازنة من خلال تخويل وحدات الصرف بإنفاق 1 / 12 من المصروفات الفعلية للسنة المالية السابقة لكل شهر والصرف بطريقة التسليف ( وما إدراك ما للتسليف من مخاطر وفساد ) التي تتحول إلى تسويات حسابية فيما بعد الإنفاق ، وأمام أنظار الجميع ومن دون تحميل أية مسؤولية لجهة او لأحد فقد غابت الموازنة بشكل كلي رغم إنفاق أكثر من 100 مليار دولار وتشارك بهذا الإخفاق السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وكانت هناك هواجس وتخوفات من تكرار نفس الحدث عام 2015 ولكن تم تدارك الموضوع بإعداد موازنة مثيرة للجدل استغرقت مناقشاتها في القراءة الثالثة بمجلس النواب مدة لا تزيد عن الساعتين ، والكل يتذكر أن رئيس مجلس الوزراء طعن بالعديد من موادها ( بعد مصادقة رئيس الجمهورية ) لدى المحكمة الاتحادية بدعوى إن مجلس النواب قد أضاف التزامات مالية في الموازنة دون الرجوع للحكومة من باب التنسيق وهو ما أسس لإيجاد حالة من الفتور في العلاقة بين السلطتين وتتوسع فجواتها باستمرار .
ونظرا لشغور منصب رئيس مجلس الوزراء بعد قبول استقالته من قبل مجلس النواب قبل أيام ولكوننا في الأيام الأولى من شهر كانون الأول ولم تبقى سوى أيام معدودات على بداية العام الجديد ، فقد تجددت المخاوف من تكرار أحداث عام 2014 فيما يتعلق بعدم إقرار الموازنة الاتحادية لان تعيين رئيس وزراء جديد واختياره لكابينته قد يمتد لما بعد بداية السنة المالية لعام 2020 نظرا لاختلاف التفسيرات في تحديد الكتلة الأكبر وخضوع موضوع التعيين إلى العديد من التعقيدات ، ورغم إن الحكومة مرت بمخاض عسير خلال الأسابيع الماضية بسبب ضغوطات المتظاهرين لتقديم استقالتها إلا انه كان من واجب اللجان المختصة في مجلس النواب التأثير عليها لتقديم مشروع الموازنة حسب التوقيتات المعمول بها بهذا الخصوص بما يتيح المجال لدراستها قبل التصويت على إقرارها بشكل نهائي ، وهناك من يعتقد بعدم جواز قيام مجلس الوزراء بإعداد مشروع قانون الموازنة في ظل غياب رئيس مجلس الوزراء مما يستدعي تأجيل الموضوع لحين مصادقة مجلس النواب على تعيين رئيسا جديد لمجلس الوزراء ، وهو اعتقاد يضر بإعداد وإقرار الموازنة لأنه قد يحدث خسارة في البلد من حالة عدم وجود الموازنة ، ففقدان الموازنة يؤخر تنفيذ المشاريع الاستثمارية ويعطل الخدمات في المحافظات ويشجع على الفساد بإشكاله ويضيع فرص الاستجابة لمطالب المتظاهرين بالتوقيت المطلوب مما يؤثر على حركة وإيقاع الشارع العراقي ويعرض البلد لأخطار واحتمالات عديدة لا تحمد عقباها ، فالكل أصبح يدرك مدى خطورة بقاء المشكلات دون حلول لان نتائجها تتعقد وتتحول إلى ظواهر مستعصية بشكل لا يمكن توقع تداعياتها فيما بعد .
ولو توافرت الإرادة الحقيقية لدى متخذي القرار لإقرار الموازنة الاتحادية قبل 2020 او بعد ذلك بأيام فان ذلك ممكنا من النواحي التشريعية والعملية ، فحسب ما يتم تداوله فان هناك شبه إجماع على تكليف رئيس مجلس الوزراء القادم بتنفيذ البرنامج الحكومي الذي أعده السيد عادل عبد المهدي باعتباره من البرامج المقبولة ( التي تحتاج إلى بعض التعديلات ) وان العيوب التي برزت لا تتعلق بالبرنامج وإنما بطريقة ونسب التنفيذ من حيث البطء والتردد والضعف في حسم بعض الأمور ، ولان البرنامج موجود فان الأجهزة المعنية في وزارتي المالية والتخطيط قد أعدتا الموازنتين التشغيلية والاستثمارية في الأشهر الماضية ، وبموجب المادة (80) من الدستور فان مجلس الوزراء يمارس مجموعة من الصلاحيات وقد نصت الفقرة رابعاً :- إعداد مشروع الموازنة العامة والحساب الختامي وخطط التنمية ، ولكون المادة (83) نصت على ( تكون مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء أمام مجلس النواب تضامنيةً وشخصية ) ، فإن مهمة إعداد الموازنة ليست مسؤولية رئيس مجلس الوزراء لوحده وإنما يتشارك بهذه المسؤولية تضامنيا مع كل أعضاء المجلس ، وقد يقول أحدا كيف تتم المناقشة لإعداد الموازنة وإقرار مشروع قانونها وإحالته إلى مجلس النواب في ظل عدم وجود رئيس او نائب للرئيس يتمتع بصلاحياته في الإحالة ، والإجابة عن ذلك منصوص عليه في المادة (81) من الدستور التي تضمنت : أولاً :- يقوم رئيس الجمهورية مقام رئيس مجلس الوزراء عند خلو المنصب لأي سببٍ كان ، مما يعني إن بإمكان رئيس الجمهورية إحالة الموازنة للبرلمان كما يحق له تسيير أعمال مجلس الوزراء لحين تعيين البديل .
ويظهر من خلال ما تقدم ان هناك إمكانية لإعداد موازنة 2020 وعدم تأجيل الموضوع والعيش في حالة قلق من غياب الموازنة الاتحادية باعتبار إن ما تم هو قبول استقالة رئيس مجلس الوزراء وليس حل الحكومة ، فالحكومة الحالية رغم إصرار البعض على تسميتها ب ( حكومة تصريف الأعمال ) إلا إنها حكومة متكاملة ويعد رئيس الجمهورية رئيسها حاليا بالنص الدستوري الذي ذكرناه أعلاه او من خلال المفاهيم السائدة حاليا في بلدنا حول مكونات السلطة التنفيذية والتي تتكون من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ، وحسب ما يتم تداوله حاليا فان مجلس الوزراء سبق له وان قام بمناقشة وإقرار الموازنة قبل تقديم استقالة السيد عادل عبد المهدي وهو ما يبسط إجراءات إحالة مشروع القانون من قبل رئيس الجمهورية لأنه يقوم بأعمال رئيس مجلس الوزراء إلى رئاسة مجلس النواب لكي يتولى البرلمان مهمة مناقشتها وإعدادها ضمن التوقيتات المنصوص عليها في الدستور او النظام الداخلي لمجلس النواب ، ويعني ذلك من الناحية العملية إن هناك إمكانية كبيرة ( جدا ) لعدم تأثر ما تبقى من توقيتات إعداد الموازنة الاتحادية بالترتيبات المتعلقة باختيار وتعيين رئيس مجلس الوزراء سواء طالت او قصرت ، آخذين بنظر الاعتبار إن معظم الاختلافات والآراء وغيرها من التفاصيل حول مشروع قانون الموازنة غالبا ما تتم داخل مجلس النواب وليس داخل الحكومة ، وباستطاعة مجلس النواب بضوء القراءات التي ستتم لمشروع قانون الموازنة مراعاة تضمين مطالب المتظاهرين في حالة وجود حاجة للإضافة لان المجلس اعتاد في الموازنات السابقة إضافة وإحلال مواد على المشروع ، وسيكون الرئيس المعين ملزما بتنفيذ ما سيتم إدراجه في الموازنة الاتحادية باعتباره شرع بقانون كما إن من صلاحياته التي غالبا ما ترد في القانون إجراء المناقلات بما يناسب التغير في بعض التوجهات .