4 نوفمبر، 2024 9:28 م
Search
Close this search box.

لا للهموم الصغيرة

لا للهموم الصغيرة

{ قدْرُ الرجل على قَدْر هِمَّتِه }
الامام علي بن ابي طالب (ع)
تستهلك الهموم الصغيرة أصحابَ الأفق الضيّق ،وتُحكم سيطرتها عليهم بامتياز ،فهم يسيرون وفقاً لمداراتها الخاصة، دون الانتباه لما ينتظرهم من مهمات كبرى إزاء الوطن والمجتمع والأمة ، فضلاً عن الهموم الرسالية..!!

ولنقارن بين رجلين :

أحدهما لايحمل من الهموم ما يتعدى نطاق بيتِهِ ومن فيه ..!!

والثاني يحمل همّ العراق وإخراجه من المآزق و،إعادة الحيوية والفاعلية لمرافقه العامة ، وبُناه التحتية، ويعمل دائبا من اجل إحلال الامن والاستقرار في ربوعه، وتأمين الحياة الكريمة لأبنائه جميعا بكل مذاهبهم وأديانهم وقومياتهم واتجاهاتهم .

إنّ الأول منهما لايصلح ان يكون (رجل دولة) …. لأنَّ مدى الرؤية عنده محدود للغاية ، ولأنه لا يُولي غير أهله وأبنائه أية عناية ..!!

أما الثاني فهو مؤهل للنهوض بالمسؤولية، بما يملك من همة عالية، ورؤية وموضوعية .

انّ الهمّة أصبحت معياراً لمعرفة أقدار الرجال وفقاً لكلام الامام (ع) .

فصاحب الهمة الكبيرة هو الذي يحظى بالقَدْر الكبير ، لامن المنزلة الرفيعة عند الناس فحسب ، بل في استحقاق التصدي لإدارة البلاد ،

وتدبير شؤون العباد .

ولو اعتمدنا هذا المعيار الموضوعيّ، لأنقذنا مما نحن فيه من أزمات ومعاناة ….

قال أبو الطيب المتنبي :

واذا كانت النفوس كباراً

تعبت في مرادها الأجسام

ان النفوس الكبار هي التي يعانقها شوقُ الخدمة الحقيقية للبلاد والعباد .

-2-

وقال الإمام (ع) أيضاً :

{ لاتجعلن أكثر شغلك بأهلك وولدك ،

فانْ يكن أهلك وولُدك أولياء الله ، فانّ الله لايُضيع أولياءه ، وان يكونوا أعداء الله ، فما همُّك وشغلك بأعداء الله }

الامام علي (ع) هو أمير البيان ، وإمام الحكماء ، ورائدُ المصلحين ، وقائد الانسانية الصالحة لواحات السعادة والخير وصاحب المنهج التربوي العظيم، للفرد والمجتمع والأمة، وأقواله وحِكُمُه ليست إلاّ كالنجوم الساطعة في آفاق الأخلاق والأدب والسلوك والتكامل الروحي والاجتماعي والديني .

وكلامه هنا لاينسجب على طبقة خاصة من الآباء ، وانما ينسحب على الرجال جميعا، في المجال العائلي والاجتماعي والسياسي أيضاً ….

ومن أهم الشرائح المشمولة بهذا الخطاب هي شريحة السلطويين الذين لايُعْنَون بشيء بمقدار عنايتهم بأبنائهم وأقربائهم وأنسبائهم ومن يمّتُ لهم بنسب أو سبب ، على حساب باقي المواطنين الذين قلّ أن يُشغلوا

لهم بالاً ، أو يحتلوا من اهتماماتهم مساحة كبيرة ..!!

كثيرٌ من السلطويين عندنا، هم أصحاب الأرقام القياسية في ما اجترحوه من ممارسات تسليط الأبناء على أخطر القضايا والملفات ، وإطلاق العنان لهم في شتى الاتجاهات، بما في ذلك الثراء الفاحش ، الناشئ في الغالب من الابتزاز والعمولات التي ما انزل الله بها من سلطان ..!!

وتأمين حمايتهم بما لايتاح للكثير من رؤساء الدول ان يحظى بما دونه..!!

اذا كان المسؤول محتاجا الى حمايته من الارهابيين والمتربصين بالدولة الدوائر ، فان أبناءه لابد ان يكونوا كسائِرِ أبناء البلد الآخرين، فكونه ابنا للمسؤول الفلاني، لايشفع له في الحصول على الامتيازات والمكاسب على حساب سائر المواطنين ..!!

واذا سلمّنا باستحقاق مُمثلي الشعب بالحصول على الجوازات الدبلوماسية، فاننا لن نسلّم باستحقاق جميع أبنائهم حتى الرّضع منهم ، الحصول على مثل ذلك الجواز ..!!

-3-

لقد اختصر الدكتاتور المقبور العراق بذاته ليفعل ما يشاء دون رقيب أو حسيب

ومعنى ذلك :

أنه سرق الدولة وكل مؤسساتها ..!!

والمتربعون على الكراسي في العراق الجديد، لم ينجحوا في اقامة العراق على أساس مؤسساتي منتظم ، وطفت النزعة الذاتية والعائلية على الكثيرين منهم مما أضرَّ بالبلاد والعباد أيما إضرار .

ان العراقيين يقارنون اليوم بين (حسين كامل) و(صدام كامل) وبين

أصهار بعض السلطويين الكبار وما وصلوا اليه ..!!

ولا يذكرون أن الدكتاتور المقبور مَدَحَ ولديه بمثل ما مَدَحَ بعض كبار السلطويين ابنه ..!!

لقد أضفى على ولده من الصفات مالم ينسب بعضها الى القوات المسلحة العراقية بجيشها وشرطتها وكل تشكيلاتها الأخرى …

وهو أمر أثار عليه الحفاظ وأوجب بالتالي إسداء النقد والمواعظ ..!!

ان ملك أسبانيا الذي تنازل عن العرش لولده مؤخرا ، لم يتدخل لصالح صهره في قضية فساد أثيرت ضده …

والسؤال الآن :

هل يستطيع أحدٌ أنْ يدُلّنا على مسؤول كبير واحد لم يتدخل للتستر على المفسدين واللصوص ممن نهبوا ثروات العراق ؟!!

انهم قد لا يترددون في معاقبة مَنْ يكشف ملفات المفسدين من أقاربائهم، ولا يتورعون عن الانتقام منه ..!!

-4-

وكلام الامام (ع) يُقيم الحجة على أصحاب النزعة الضيّقة ممن لاهَمَّ لهم يتجاوز بَنيهِم وذويهم فهولاء :

إمّا أولياء لله ،

وإما أعداء له .

فان كانوا أولياء لله فالله أولى بهم رعايةً وحمايةً …،

وهل تقاس رعاية الله لأوليائه وهو الذي لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء برعاية المخلوقين ؟

وان كانوا أعداء لله فالاهتمام بهم – وهم بهذا الوَصْف – دليلُ الإفلاس دينا وأخلاقيا واجتماعيا ….

انه الانقياد المحض للعواطف والميول النفسانية التي تتقاطع مع القيم والمواضعات الرسالية، وبالتالي فانه برهانٌ قاطع على سقوط المنحازين لبنيهم وذويهم في فخّ الهوى وحبائل الشيطان .

وهذا السقوط هو أسوء الخيارات في الدنيا والآخرة .

أحدث المقالات