23 ديسمبر، 2024 12:54 ص

لا قيمة لانتخابات بدون ناخبين

لا قيمة لانتخابات بدون ناخبين

المشاركة المتوقعة في الانتخابات المقبلة والحد الأدنى لكي تحظى الانتخابات بالشرعية

توجد عدة مؤشرات توحي بأن نسبة المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المزمع إجرائها يوم 18 كانون الأول 2023 سوف تنحسر الى نحو نسبة النصف تقريباً مقارنةً بنسب المشاركة في انتخابات مجلس النواب 2021 ، وفقاً للمعطيات التالية ، وفي البدء لابد من الأخذ بنظر الاعتبار ما نشرته تقارير دولية معتمدة ، فضلاً عن تصريح واضح لرئيس أحد أبرز الإئتلافات المشاركة في إنتخابات مجلس النواب 2021 في لقاء تلفازي ، بأن نسبة المشاركة في تلك الانتخابات لم تتجاوز 20 في المائة :

1- بلغ عدد المصوتين (7,945,587) مليون في إنتخابات مجلس النواب 2021 ، من بينهم ما يقارب من 1500,000)) مليون هم عدد المصوتين في محافظات إقليم كوردستانالثلاث غير المشمولة بانتخابات مجالس المحافظات المقبلة ، فضلاً عن أكثر من (3,000,000) ملايين مصوتاً من الكتلةالصدرية التي لن تشارك في الانتخابات المقبلة ، والمنسحبينإئتلاف الوطنية” بزعامة إياد علاوي، وحراك “البيت العراقي” ، وحزب “وطن”، وحركة “امتداد”، وهي من أبرز الحركات المدنية في العراق ، ومن ثم لم يبقَ من القوى المدنية في السباق الانتخابي غير تحالف “قيم” الذي يضم الحزب الشيوعي العراقي وأحزاباً جديدة وناشئة مثل “البيت الوطني” وحركة “نازل آخذ حقي”. لذا فان أغلبية جمهور هذا الأحزاب لن تشارك في الانتخابات المقبلة لمجالس المحافظات إذ أعلن بعضاً منها عدم مشاركته في الانتخابات والبعض الآخر إنسحب أو همشه قانون الانتخابات، فضلاً عن إجراءات أخرى تبعت إصدار القانون لم ولن تصب في مصلحة تلك الأحزاب. ويمثل مصوتو الأحزاب التي لن تشارك في الانتخابات ما نسبته 38% تقريباً من مجموع الأصوات الكلي للأحزاب المشاركة في الانتخابات الأخيرةعام 2021.
2- منذ أول إنتخابات أُجريت عام 2005 تصدرت محافظات اقليم كوردستان كافة المحافظات في نسبة المشاركة الجماهيرية ، لذا فانها ساعدت على زيادة النسبة الإجمالية للمشاركين في انتخابات مجلس النواب 2021، وبما أن انتخابات مجالس المحافظات سوف لن تشمل محافظات الاقليم، عليه ستنخفض نسبة المشاركة الكلية بمقدار من النسبة والتناسب للعدد الكلي للمشاركين في إنتخابات 2021.
3- عدد كبير من الناخبين شاركوا في إنتخابات 2021  كانوا يسعون لزيادة أصوات حزب ضد غريمه وبالعكس، وحيث لن يشارك أحدها في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة فإن هؤلاء الناخبين من الجهتين سوف لن يشاركوا وبنسبة كبيرة منهم في الانتخاباتالمقبلة.
4- إنّ تشريع قانون انتخابات بنفس نظام التمثيل النسبي الذي يقترن بصيغة توزيع المقاعد سيئة الصيت (سانت ليغو) بنسبة عالية1,7 ، ولّدَ إحباطاً لدى الجماهير التي إمتعضت من نصوص قانون الانتخابات، فأعلنت نسبة كبيرة منها عن نيتها عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة.
5- تضّمنَ قانون الانتخابات في المادة 4/ رابعاً على ” أن يمتلك الناخب بطاقة محدثة بايومترية طويلة الأمد تستخدم في الاقتراع “.وعليه فان كل ناخب لايمتلك هذا النوع من البطاقات ، لن يتمكن من المشاركة في الانتخابات ، وحيث أن عدد هؤلا يزيد عن سبعة ملايين ناخب ، في حين يمتلك ما يزيد عن ستة عشر مليون ناخب بطاقات بايومترية بحسب ما أعلنته مفوضية الانتخابات، أي أن أقل من 30 في المائة ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات، قاموا بتحديث سجلاتهم الانتخابية، في حين أن عدداً كبيراً منهم لن يُسمح له بالمشاركة.
6- لعل إستمرار تنامي الفساد والسرقات وتدني الخدمات بشكل مطّرد ، دفع بالجمهور الى اليأس من تحقيق أي إصلاحات مستقبلية، وهو ما سيشكل عاملاً مهماً في إنخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات.

وهكذا ، ومن خلال المعطيات والإحصائيات أعلاه ، يتبين لنا أن نسبة المشاركة المتوقعة لن تزيد عن 10%، مما سيفقد الانتخابات الشرعية ومن ثم ستفقد المجالس المنتخبة المشروعية القانونيةوالمعنوية، حيث أن العلاقة بين الشرعية والمشروعية علاقة تكاملية فهناك سلطة تحوز الشرعية وهذه السلطة تضع قوانين وقراراتتوصف بالمشروعة ، وحيث لايوجد تشريع يضع حداً أدنى لنسبة المشاركة لكي تفقد المجالس المنتخبة المشروعية ، وهذا الأمر لايسري في العراق فحسب ، بل وفي جميع دول العالم.

ومع تزايد توجهات العزوف عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة ، ومع تعالي الأصوات الداعية الى ضرورة المقاطعة، بدأت أصوات أخرى تتساءل: هل هناك حد أدنى لنسبة المشاركة الجماهيرية في الانتخابات لكي تعتبر مقبولة وشرعية. وماهي نسبة هذا الحد؟ الجواب : بحسب علمنا ، لا توجد نسبة محددة من الاصوات ضمن المعايير الدولية للانتخابات ينبغي تجاوزها لإضفاء الشرعية على المجالس المنتخبة. وإذا ما ذهبنا الى نموذجين لبلدين كبيرين وعريقين في مجال الديمقراطية ، وهما الولايات المتحدة الاميركية والمملكة المتحدة نلاحظ ما يلي:
في سؤال عن العتبة المطلوبة لقبول نسبة التصويت في الانتخابات الاميركية ، أجاب خبير أميركي في مجال العلوم السياسية :
ليس هناك شرط أن نسبة معينة من السكان تقوم بالتصويت في الانتخابات الاميركية، أي مثلاً وجود شرط أن ما لا يقل عن 1000 شخص يجب أن يصّوت. الحد الأدنى القانوني الوحيد هو عدد الأصوات التي يتطلبها الوفاء بالقواعد التي ينص عليها الدستور.
وهو بذلك يشير الى أن الحدود الدنيا ممكنة التنفيذ في الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالاقتراع التلقائي في الانتخابات. أي أن يكون الحد الأدنى القانوني لعدد الأشخاص الذين قاموا بالتصويت مساوٍ أو يزيد عن عدد المقاعد في كل ولاية من أجل ضمان ملء جميع المقاعد.
وفي سؤال عن الحد الادنى الرسمي للمصوتين في بريطانيا، أجاب أحد القانونيين عن سؤال بهذا الخصوص: أنا لا أعتقد أن هناك رسميا أي حد أو عتبة لنسبة التصويت. قد نفترض أن الشيء الوحيد هو أن يقوم البرلمان بالتصويت على حل نفسه وإجراء انتخابات أخرى ، كما أن جميع المرشحين سينسحبون من الترشيح للانتخابات الجديدة.
وفي سؤال آخر مفاده : في أية نسبة تصويت ستعتبر الانتخابات غير شرعية ؟ أجاب خبير قانوني بريطاني عن هذا السؤال : أعتقد أن السائل يريد أن يعرف إذا صوّتَ 10 في المائة فقط من السكان في الانتخابات العامة المقبلة ، فهل سيكون بالامكان تشكيل الحكومة ؟ أعتقد أن الجواب : نعم ، ولكن عندما تهب رياح وسائل الإعلام منبهة الى أن نسبة 10٪ فقط من السكان إتجهت إلى التصويت. سوف يحدث شيء ما ، وربما حتى الملكة سوف تبعد زعيم الحزب الفائز ولا تمنحه إذن بتشكيل الحكومة.
وهكذا فانني أرى أن مجرد توفر عددٍ من الأصوات يلبي الحاجة الى ملء مقاعد الدائرة الانتخابية يكفي لكي تكون نسبة التصويت مقبولة وشرعية.
هذين المثالين من أعرق بلدين في مجال الديمقراطية والانتخابات أظنهما كافيان لبيان عدم وجود عتبة لنسبة المشاركة في أية انتخابات تجري في العالم ما لم ينص الدستور أو القانون في بلدٍ ما على نص معين يضع الحد الادنى لنسبة التصويت لتعتبر الانتخابات شرعية من عدمه.