23 ديسمبر، 2024 1:01 ص

لا عزاء لأعداء ثورة تشرين العراقية

لا عزاء لأعداء ثورة تشرين العراقية

احتفل ثوار تشرين بمناسبة دخول ثورتهم عامها الثالث. وشمل هذا الاحتفال العديد من المحافظات ومنها العاصمة العراقية بغداد. حيث رفعوا شعارات تندد بحكومة الاحتلال وبالعصابات المسلحة، وتدين المحتل الأمريكي ووصيفه الإيراني. وقد أراد ثوار تشرين من هذه الاحتفالية الرمزية، تأكيد عدة حقائق دامغة. منها ان الثورة مستمرة وتواصل كفاحها حتى تحقيق أهدافها كاملة غير منقوصة، طال الزمن ام قصر، ومنها ثانيا تبليغ رسالة الى اجهزة القمع الحكومية وسلاح المليشيات المسلحة والحرس الثوري الايراني، مفادها ان سلاحكم واغتيالاتكم واختطاف النشطاء لن يخيفنا. وبالتالي أنتم عاجزون عن انهاء الثورة. وثالثا، ان هدف الثورة المركزي، وهو استعادة الوطن المنهوب غير قابل للتراجع عنه، او المساومة عليه، او القبول بأنصاف الحلول. ناهيك عن الرسائل الأخرى التي دحض فيها ثوار تشرين كذبة اشتراكهم بالانتخابات، التي ستجري بعد عدة أيام، فقد صبوا اللعنات على رعاة هذه الانتخابات بأهزوجة تقول “انعل أبو إيران لا ابو أمريكا”. اما اهم رسائل هذا الاحتفال، تمثلت في فضح جميع ادعاءات احزاب ومليشيات العملية السياسية، التي روجوا لها حول انتهاء ثورة تشرين، أو انها سلمت زمام امورها بيد حكومة مصطفى الكاظمي، الذي لا يعدو ان يكون فأرا امام ثورة عملاقة، شملت العديد من المدن العراقية، وحظيت بدعم وتأييد فئات واسعة من المجتمع العراقي وطبقاته ومذاهبه المتنوعة.

ان مصدر قوة هذه الثورة وديمومتها، تتمثل في تميزها عن سابقاتها في عدد من الجوانب، حيث حددت شعاراتها الرئيسية بأسقاط العملية السياسية برمتها، على خلاف الثورات السابقة التي اولت اهتمامها بالشعارات الخدمية. ثم وضعت الية لإدارتها من قبل لجان تنسيقية تشرف عليها قيادة عليا، وتحكمها درجة عالية من الانضباط وحسن التنظيم ودقة الاداء. والاهم من ذلك اعتماد الثورة على الشباب الذين ابعدتهم الحكومات المتعاقبة عن النشاط السياسي. إضافة الى اشراك النساء فيها لأول مرة، حيث لعبن دورا كبيرا في مساعدة ابناء الثورة الابطال، بالإضافة الى مشاركة الطلاب على جميع المستويات. بدءا بطلاب الابتدائية والمتوسطة ومرورا بطلاب الثانوية وانتهاء بطلاب الجامعات. ناهيك عن اشتراك كافة الجمعيات والنقابات المهنية والسياسية، من عمال وفلاحين وأطباء ومحامين ومهندسين وفنانين الخ. الامر الذي ولد حالة من الرعب في صفوف الحكومة وميلشياتها المسلحة، حيث وجدت في هذه الثورة بداية جدية لإسقاطهم دفعة واحدة. اما امريكا، فأنها وجدت فيها، ردا صريحا وواضحا يجسد رفض العراقيين الاستسلام للأمر الواقع، والاصرار بالمقابل على القتال المستمر بكل الوسائل لانتزاع اخر حق من حقوق العراق واهله. في حين كانت إيران الاكثر خيبة بين الخائبين. فبعد ان ظنت بانها روضت الشعب العراقي، وجدت ما بنته في ستة عشر عاما، قد تهدم في ساعات معدودة. حيث احرق الثوار قنصلياتها في محافظات عدة كالنجف وكربلاء، ورفعوا فوقها شعار الثوار المعروف، “إيران بره بره وبغداد تبقى حرة”

ان الالية التي وضعتها الثورة لإدارة ذاتها، لم تمكنها من احباط جميع مؤامرات الأحزاب الحاكمة، او المنضوية تحت خيمة عملية الاحتلال السياسية فحسب، وانما افشلت جميع محاولاتهم في ركوب موجتها، وطردها خارج ساحات التحرير. في حين كان تعاملها مع الجيش والاجهزة الامنية متناسقا وحضاريا، بحيث كسبت عطفهم وودهم وأحيانا حمايتهم. الامر الذي أدى الى تشجيع الناس على الدخول في رحاب الثورة، والالتفاف حولها. خاصة وان هؤلاء الأشرار يدخلون يوما بعد اخر في أعماق مستنقع الجريمة والسرقة والقتل، والصراع على تقاسم السلطة والمال الحرام. بمعنى اخر، فان الثورة اثبتت قوتها واستمراريتها واصرارها على تحقيق انتصارها النهائي، وذلك باستعادة استقلال العراق وسيادته، وطرد القوات الأجنبية، وتقديم القتلة والمجرمين الى المحاكم العادلة لنيل عقابهم، سواء لمن هم داخل العراق او خارجه.
لا نجادل في ان الثورة تتعرض لامتحان صعب. على الرغم من قوتها ومن انها أصبحت خيارا واقعيا وموضوعيا للتغيير. وعلى الرغم أيضا من اكتساب قياداتها خبرات واسعة ورؤية ثاقبة، مقرونة بإصرار راسخ ومبدئي على رفض الهزيمة، والمضي بالثورة حتى النصر، وعلى الرغم من التأييد الشعبي، ما زال بيد هؤلاء الأشرار قوة السلاح والمال وجيش من المرتزقة على أهبة الاستعداد للقتل دون رحمة. ناهيك عن دعم المرجعيات الدينية وفي مقدمتها المرجع الأعلى علي السيستاني. بمعنى أوسع وأكثر شمولا، فان هؤلاء الاشرار لن يرفعوا الراية البيضاء بسهولة، وسيحاولون بكل ما يملكون من قوة عسكرية وسياسية وإعلامية، لقتل روح الثورة واطفاء جذوتها وقلع جذورها التي ترسخت في عقول العراقيين، ومن ثم اجبارها على التخلي عن اهدافهم المعلنة، والقبول بما يجود به هؤلاء الاشرار.

لكن هذه الثورة، التي رغم حداثة زمنها، سطرت ملاحم كبيرة في الشجاعة والاقدام والإصرار والإرادة الفولاذية. الامر الذي سيمكنها من افشال جميع خطط التآمر عليها بكل صفحاتها المختلفة. خاصة وان عموم العراقيين قد أدركوا بان لا طريق للخلاص سوى الثورة، الامر الذي سيؤدي حتما الى دخولهم في رحابها افواجا افواجا، وفي المقدمة منهم جميع النخب الوطنية والكفاءات واصحاب الخبرات، لمساعدة الثورة وتوضيح اهدافها المشروعة، والدفاع عنها واحباط كل محاولة للنيل منها او تشويهها.
اما الذين يراهنون على فوز مقتدى الصدر في الانتخابات، وانه سيشكل الحكومة الإصلاحية. فهذه كذبة كبرى. فلقد سبق لمقتدى ان فاز بالانتخابات الماضية ثم تخلى بالكامل عن برنامجه المتضمن خمسة واربعين بندا، وخاصة البنود المتعلقة بمحاربة الفساد والغاء المحاصصة الطائفية، ودعوته الى ثورة حقيقية ضد الفاسدين وفتح ملفاتهم الكبرى ووضعهم خلف القضبان. بل ذهب ابعد من ذلك، حيث اقام تحالفا للفوز بالكتلة الأكبر مع راس الفساد عمار الحكيم، الذي وصفه الشعب العراقي بزعيم النشالة، ومع هادي العامري، الذي أعلن دون حياء او خجل، بانه يسعى لان يكون العراق مثل إيران يؤمن بولاية الفقيه، ومع اياد علاوي عراب الاحتلال، الأمريكي. وهذا ليس بالأمر الغريب، فمقتدى جزء من العملية السياسية، وانه لن يتردد في ارتكاب اي فعل لحمايتها من السقوط. بمعنى اشمل فان القادم الجديد، سواء كان مقتدى او غيره، وسواء كان ضعيفا او قويا، وطنيا او عميلا، لن يتمكن في ظل هؤلاء الاشرار من تحقيق اي اصلاح مهما كان متواضعا لصالح الشعب العراقي. هكذا فعلت جميع الحكومات التي تعاقبت في ظل الاحتلال. بدءا من اياد علاوي وابراهيم الجعفري، ومرورا بنوري المالكي، وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي، وانتهاء بمصطفى الكاظمي.

على هذا الأساس لا اجازف إذا كررت القول لأعداء ثورة تشرين، بان الموجة الثالثة من الثورة اتية لا ريب فيها، وبقوة اشد وزخم أكبر ومشاركة اوسع قد تتعدى مئات الالوف. وما التظاهرات التي جرت في هذه الاحتفالية الرمزية يوم أمس في ساحة التحرير ببغداد، والساحات الأخرى في المدن العراقية واهمها تظاهرة الناصرية عاصمة الثورة، سوى تمارين تسبق اليوم الموعود. خاصة وان نتائج الانتخابات القادمة التي صورها البعض بانها ستنقذ العراق من محنته، ستزيد طين هؤلاء الأشرار بلة. حيث ستفوز ذات الوجوه الكالحة بالانتخابات لتواصل بعده السرقة والاجرام والعبث بشؤون البلاد والعباد. بعبارة اخرى أكثر وضوحا، ان فوز ذات الوجوه الكالحة التي ستواصل عملها في تنفيذ مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا، سيسرع من اقتراب يوم الزحف الكبير على المنطقة الخضراء. يوم المعركة الوطنية الكبرى. يوم تتبخر فيه قوة هؤلاء الاشرار، متخلين عن اسلحتهم في الشوارع والطرقات، في لحظة جبن مدوية، وهروب ذليل الى طهران على وجه التحديد. اما العميل المزدوج مصطفى الكاظمي وحكومته، التي تقف متفرجة على جرائم هؤلاء الاشرار، فانهم سيقعون حتما في قبضة الثوار، وسيحاكمون امام العدالة لينالوا جزاءهم العادل، وستلاحقهم لعنة التاريخ وعار الخيانة الى يوم الدين.
ليس لدي أدنى شك، بان الانتفاضة الكبرى قادمة عاجلا ام اجلا، وان النصر سيكون حليفها هذه المرة بكل تأكيد.