18 ديسمبر، 2024 8:24 م

لا خوف من محكمة النشر

لا خوف من محكمة النشر

لم تكّن يوماً المحكمة المتخصصة بدعاوى النشر والإعلام وسيلة لتقويّض العمل الصحفي في العراق، بل تجربة رائدة تعزّز الحريات وتكفل للإعلامي اجواء مناسبة للتقاضي بعيداً عن التشتت في محاكم اخرى.
هذه المحكمة التي تفصل في الدعاوى المدنية والجزائية، وضعت مبادئ مهمة للعمل الاعلامي في ظل نصوص متناثرة وقوانين قديمة لم تعد تتناسب مع الظرف الحالي، لكّن القضاة وظفوها بما يحقق الغرض المنشود وفقاً لباب الحقوق والحريات المنصوص الوارد في الدستور.
قبل أن نتطرق إلى اهم المبادئ التي وضعتها المحكمة، يستوجب على الرأي العام معرفة بعض الحقائق عن هذا النوع من القضاء المتخصص.
منذ استحداثها، نجحت المحكمة في اصدار قرارات لصالح الصحفيين بنسب تفوق على 97%، وحتى التي صدرت بضدّ من الاعلاميين فهي لم تضعهم خلف القضبان، بل أنها قرارات حبس بسيطة مع ايقاف التنفيذ أو غرامات عرّفتها مبادئ محكمة التمييز الاتحادية بأنها جبر خواطر وليست للاثراء على حساب الاخر، وحددتها بسقف اعلى لا يتجاوز في اكثر الامور ضرراً على 4 ملايين دينار، حتى وان طلب المدعي مبالغ خيالية.
علماً أن أكثر من 80 مسؤولاً خسر دعواه امام المحكمة خلال العام الماضي، وأن المدة الاخيرة لتولي السيّد نوري المالكي منصب رئيس مجلس الوزراء شهدت خسارته لثلاثة دعاوى اقامها بحق صحفيين ايضاً ولأسباب متعدّدة.
أما عن سبب قرارات الادانة بحق صحفيين وهي قليلة جداً، مع التذكير ان جميعها أما بالغرامة، والحبس البسيط مع عدم التنفيذ، تتركز على نسب افعال إلى اشخاص مع عدم تقديم الدليل.
ومثال على ذلك، أن دعوى خسرها صحفي كتب عن سياسي أنه حصل على اموال من دولة اوروبية لشراء عقارات وأراض تعود إلى يهود بغداد، لكنه لم يقدم الدليل.
في حين أن هناك اتهام وجه إلى سياسي بانتمائه السابق إلى حزب البعث المنحل وقد عزز ذلك بالادلة ما ادى إلى رد الدعوى.
ومن المبادئ التمييزية المهمة هي عدم احقية المسؤول التنفيذي المطالبة بالتعويض “مدنياً”، عن “الاكاذيب” التي يطلقها صحفي بخصوص عمل المؤسسات الرسمية؛ لأن الضرّر الادبي يشمل فقط الاشخاص الطبيعية لا المعنوية.
ومن الحريات التي عززتها محكمة النشر المصدّقة تمييزاً أن مقدم البرنامج التلفزيوني غير مسؤول عما يرد على لسان ضيفه وهو امر لم تعرفه حتى اكثر البلدان العربية احتراماً لحرية الصحافة وهي مصر التي تحاسب الاعلامي الذي لا يوّقف ضيفه عن الحديث بما يعتبر جريمة أو لمجرد ابداء حركة في رأسه تعني المواقفة على كلامه.
ورغم أن تقرير الخبراء يعد أحد اسباب الحكم وفق قانون الاثبات، لكن هذا لا يعني أن المحكمة لا يحق لها التخلي عنه، وإصدار الحكم وفق قناعتها في ضوء ادلة اخرى وهو ما حصل في قرارات عديدة للمحكمة.