23 ديسمبر، 2024 5:15 ص

لا خطوط حمراء كل الخطوط خضراء وسالكة

لا خطوط حمراء كل الخطوط خضراء وسالكة

الآن، وبعد أن تكشّف الوجه القبيح لحكومة حيدر العبادي، لابد من القول، بشيء من الملامة، أنه كان واضحاً، منذ البداية، أن هذه الحكومة الفاسدة تسوّف، وتماطل، وتتحين الفرصة المناسبة للإجهاز على الانتفاضة العراقية المجيدة. ولابد من القول، كذلك، أنه كان واضحاً، وبدرجة أكبر ربما، أن الجماهير هي التي شجعت الحكومة، ودفعتها إلى انتهاج هذا السبيل! إذ من غير المنطقي أبداً أن يلقي المنتفضون بيضهم كله في سلة العبادي، وهم يدركون جيداً أن الرجل، في النهاية، واحد من زمرة الثعالب.

إن الباب الذي ولج منه الشر هو تلك الثقة العمياء التي منحها المنتفضون للمؤسسة الدينية، دون أن يكون لها مبرر على الاطلاق. فهذه المؤسسة الغارقة في أنانيتها المقيتة لا تهتم لشيء أبداً قدر اهتمامها لمصيرها، ومصلحتها، ومن غير المُتوقع – بشهادة تاريخها – أن تبادل الشعب الثقة ذاتها، وتقف معه موقفاً مخلصاً في مقابل الحكم الذي كان لها اليد الطولى في صنعه. وليت شعري متى كانت هذه المؤسسة ظهيراً للشعب، ومتى كانت صمام أمانه، اللهم إلا في الأغاني، والشعارات الفارغة؟

من التناقض الغريب أن تنتفض على الفاسدين، وتطلب منهم، في الوقت ذاته، أن يقودوا هم عملية الإصلاح، وكأنك تطلب في الماء جذوة نار! ولكن هذه، للأسف، كانت نتيجة الثقة العمياء بالمؤسسة الدينية، التي ما أن قبضت على لحى المنتفضين حتى ألقت بهم في حضن العبادي، وحكومته اللصوصية، وتركت له أن يفعل ما يشاء، بيده الحديدية المستعارة. وإذا كانت حماقة الرجل قد دفعته للكشف سريعاً عن وجهه المعاوي (نسبة لمعاوية)، ليعلن بصفاقة: “إني كنت وعدتكم بأشياء، وهي الآن تحت قدمي”، فينبغي أن لا تؤخرنا الثقة المجانية بالمؤسسة الدينية عن قطف واحدة من أفضل الثمار التي أنضجتها الإنتفاضة، المتمثلة بسقوط البرقع عن وجه المؤسسة المشوه، وانكشاف حقيقتها كخط دفاع أخير للفساد والفاسدين.

إن مقولة “المرجعية خط أحمر” هي الكلمة التي لعبت أكثر الأدوار سوءاً، وانتجت كل هذا الخراب الذي نراه، وهي الستار الحديدي الذي يتحصن به الفاسدون، لأنهم يدركون جيداً أن سبب وجودهم وبقائهم هو بقاء المؤسسة الدينية، وأن أية عاصفة، ومهما كانت قوتها، إذا لم تستهدف المؤسسة فإنها تضرب في المكان الخاطئ، وغير المؤثر، وعليه لا غرو أن يتمسك الفاسدون بهذه المقولة، ويكثرون من ترديدها، والتغني بها، كما إنه لا أروع، ولا أكبر رصيداً ينضاف لتجربة العراقيين النضالية من سقوطها المدوي.