في زمنٍ يُفترض أن يكون عنوانه الأبرز “الحرية” ما زال البعض يعيش في ظلام التسلّط ويحاول عبثًا أن يُكمّم الأفواه ويُقصي العقول، ويُصادر الإرادة الشعبية تحت عناوين مُشوّهة ومُعلّبة بتهمٍ جاهزة، تُرمى على كل من يُفكّر أو يُعبّر أو يرفض الانصياع ليس من العيب أن نختلف، بل العيب أن نُحرّف هذا الاختلاف إلى تهمة خيانة أو عمالة أو انتماء لبقايا أنظمةٍ سابقة. الأوطان لا تُبنى بالتخوين، ولا تُدار بالإقصاء، ولا تستقيم أحوالها بإرهاب الكلمة وتكميم الحناجر. الحرية التي دفع ثمنها الأحرار دماءً وتضحيات، لا يجوز أن تتحوّل إلى مجرد شعار للاستهلاك السياسي، بل يجب أن تكون واقعًا يُمارَس ويُحترم منصات الإعدام لم تُرهب أولئك الذين صعدوا إليها وهم يهتفون “يعيش العراق”، فكيف يُراد اليوم أن تُرهب الأقلام، أو تُكمم الأصوات أو يُعاد إنتاج الطغيان بذهنية جديدة ترفع شعارات الحرية وهي تُمارس أشد أنواع القمع المعنوي والفكري إنّ أخطر ما نُعانيه اليوم ليس فقط تسلّط الساسة بل أيضًا جهلُ بعض الشرائح التي أصبحت تتلقّف التهم وتُروّجها دون وعيٍ أو تمحيص. فكل صاحب رأي، أو من يُعبّر عن موقف مغاير يُرمى بسهام التشويه، وكأنَّ الوطن لا يتّسع إلا لرأي واحد وصوتٍ واحد وتفكيرٍ نمطي لا يُخرج عن السياق المرسوم الحقيقة التي يجب أن تُقال وتُسمع لا كرامة لوطنٍ تُصادَر فيه حرية شعبه، ولا مستقبل لدولةٍ تُقصي أصحاب الرأي، ولا عزة لأرضٍ تُعاد فيها صناعة الطغاة بأسماء جديدة ارفعوا أيديكم عن حرية هذا الشعب فهو لم يخرج من الظلم، ليقع في ظلمٍ جديد باسم الديمقراطية ولم يُسقط صنمًا ليُفرض عليه صنمٌ آخر بتقنيةٍ أكثر حداثة الحرية حق، لا مِنّة والاختلاف وعي، لا خيانة والشعوب لا تُربّى بالعصا بل بالكرامة والعدالة.